تعد أفلام الرسوم المتحركة إنتاجا خاصا لجمهور من الأطفال، إلا قليلا. ورغم ذلك، فإن الجهد والتكلفة المطلوبين في صناعتها تفوق كثيرا ما يبذل لصناعة فيلم من بطولة ممثلين عاديين، والأمر ينطبق على الأعمال التي تستخدم الأسلوب القديم في الرسم باليد، أو الحديثة التي تقوم بالتحريك بواسطة الحاسوب.
وخلال عام 2023، عُرض عدد كبير من أفلام التحريك المتنوعة من حيث أساليب الصنع أو الموضوعات. وهنا أبرز أفلام الرسوم المتحركة خلال العام.
الصبي وطائر مالك الحزين
عام 1986، بدأ المخرج الياباني “هاياو ميازاكي” أسطورة أستوديو جيبلي للرسوم المتحركة بفيلم “قلعة في السماء” (Castle in the Sky) ومن بعدها رسم وأخرج أفلاما أصبح علامات في فن الرسوم المتحركة، ثم أعلن اعتزاله عام 2013، ولكنه بدأ عام 2016 في رسم الخطوط المبدئية لفيلم طويل آخر.
وبدأت حكاية الفيلم الأعلى ميزانية باليابان، والذي استمر العمل عليه 7 سنوات، وعلى يد 60 رساما، وهو فيلم “الصبي وطائر مالك الحزين” (The Boy and the Heron) الذي أعاد “ميازاكي” من اعتزاله، وأسعد الملايين من محبي فن الرسوم المتحركة اليابانية أو الـ “أنيمي”.
وتدور أحداث فيلم “الصبي وطائر مالك الحزين” في عالم خيالي يدخله الفتى “ماهيتو” بعد وفاة أمه، ويلتقي فيه بطائر مالك الحزين المتكلم، الذي يصبح مرشده في إنقاذ نفسه من حزنه العارم على والدته، ويجعله يرى الحياة بشكل مختلف.
ويستمد السيناريو حبكته بشكل كبير من طفولة ميازاكي، ويستكشف موضوعاته المفضلة حول مرحلة بلوغ سن الرشد وتعقيداتها، والتعامل مع عالم يتسم بالصراع والخسارة. وحصل العمل على إشادات واسعة من النقاد، وترشيح لجائزة غولدن غلوب، ومن المتوقع منافسته القوية على أوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة.
سبايدر مان: عبر عالم العنكبوت
ومن الولايات المتحدة، يأتي فيلم “سبايدر مان: عبر عالم العنكبوت” (Spider-Man: Across the Spider-Verse) الذي أصبح الثالث في قائمة الأعلى إيرادا عالميا لـ 2023، وتفوق حتى على الجزء الأول منه الذي تجاوز الكثير من الأرقام القياسية.
في هذا الفيلم، يعود “مايلز موراليس” أو سبايدرمان الشاب إلى عالمه المعتاد، كابن لأسرة متوسطة ومكافحة يستخدم قواه الخارقة لإنقاذ العالم سرا، ولكنه يساهم في ظهور شرير قوي قادر على قلب العوالم الموازية رأسا على عقب. وفي الوقت، ذاته يتعرف على رابطة كونية من الرجال والنساء العنكبوت، الذين يفخر في البداية للانضمام إليهم تحت قيادة “ميجيل أوهارا” ولكن سريعا ما يكتشف أن الفردية والإبداع الشخصي مصطلحات يجب إلغاؤها من قاموسه إن رغب في الاستمرار معهم.
يتميز الفيلم -مثل الجزء الأول- بالسيناريو المحكم والديناميكي الذي يتلاعب بقواعد العوالم الموازية بصورة لم تحدث قط في أفلام مارفل الحية، بالإضافة إلى استخدام الموسيقى التصويرية والأغاني بشكل أضفى حيوية على كل مشهد، وبناء الشخصيات خاصة الاختلافات بين أفراد جماعة العناكب.
4 أرواح لذئب البراري
أما فيلم “4 أرواح لذئب البراري” (Four Souls of Coyote) المجري، فقد حصل على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان “آنسي” للرسوم المتحركة. وتبدأ أحداثه في الولايات المتحدة حيث يتظاهر مجموعة من السكان الأصليين أمام مشروع خط أنابيب النفط، وفي ذات الليلة يبدأ الجد في حكي قصة الحضارة البشرية.
كان اختيار مخرج الفيلم “آرون غودر” أن تدور أحداث فيلمه في الولايات المتحدة مثاليا، باعتبارها المكان الأكثر تلوثا للأرض في الوقت الحالي كجزء من الحضارة الغربية الصناعية، وأيضا لأنها المكان الذي استبدل حضارة السكان الأصليين التي تعتمد على الاتصال بالطبيعة بأفكار رأسمالية أنانية لا تهتم إلا بنمو المال.
وتميز الفيلم برسومه المتحركة المتقنة والتي تؤسس لعالم متوازن يعتمد على علاقة الإنسان بالطبيعة، وعالم آخر يسكنه الرجل الأبيض الذي صنع تراتبية طبقية ترتكز على لون البشرة والملكية الفردية، بالإضافة إلى سيناريو ذكي يصلح لجذب انتباه المشاهدين من كل الأعمار.
سماء بلاستيكية بيضاء
“سماء بلاستيكية بيضاء” (WHITE PLASTIC SKY) فيلم آخر يتناول علاقة الإنسان بالكوكب والطبيعة، ونتائج التخريب الممنهج الذي يقوم به البشر منذ بدء الحضارة، ولكنه لا يعود بالمشاهدين إلى الماضي مثل “4 أرواح لذئب البراري” وإنما يصطحبهم إلى مستقبل بائس، توقفت فيه النباتات عن النمو بسبب التلوث الشديد، فكان الحل هو استنبات الشجر من البشر أنفسهم، ووضع قانون ينص على أن كل إنسان تعدى عمره الـ50 تُزرع فيه بذرة تحوله إلى نبات بعد بضعة أيام.
وبعد توضيح الطبيعة المأساوية للعالم بالفيلم، تبدأ القصة الحقيقية حول “نورا” أو المرأة التي فقدت طفلها مؤخرا، وقررت التحول لشجرة، وهي مازالت في سن الـ30، وتقوم بعملية الزرع بدون علم زوجها الطبيب النفسي الذي يختطف زوجته ويأخذها في رحلة لمبتكر هذه التقنية حتى ينتزع منها البذرة. وعُرض الفيلم في مهرجان “برلين” السينمائي ثم مهرجان “آنيسي” المتخصص في أفلام الرسوم المتحركة بفرنسا، قبل عرضه في مهرجان الجونة السينمائي.
أمنية
يجمع “أمنية” (Wish) بين الحداثة والتجديد، فقد استوحى أسلوبه في الرسم بالألوان المائية من أفلام ديزني القديمة، واستخدم أيضا التحريك عبر الحاسوب، وذلك لتقديم قصة رقيقة حول فتاة تحيا في جزيرة نائية، يتحكم ملكها في أمنيات رعيته، يختار منها الصالح لتنفيذه، ويؤجل البقية لأجل غير مسمى. وتتصدى “آشا” لهذا الاستبداد بمساعدة أصدقائها وعائلتها ونجمة سحرية.
وهذا الفيلم من إخراج “كريس باك” صاحب “ملكة الثلج” (Frozen) بالجزء الأول والثاني، وقام بالأداء الصوتي لشخصية “آشا” الممثلة والمغنية “أريانا ديبوز” بينما قام بدور الملك “كريس باين” ورشح الفيلم لجائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم رسوم متحركة.
وتتميز أفلام هذه القائمة بأنها تتناول أفكارا كبيرة ولكن بصورة مبسطة، وتستهدف في ذات الوقت كلا من البالغين والأطفال، وتستخدم التحريك بشكل فني للتعبير عن مخاوف مبدعيها تجاه البيئة والطغيان والرأسمالية.