طهران- مع انتهاء سنة 2023، تودع إيران عاما مثقلا بالتحديات في علاقاتها مع الجوار والقوى الشرقية، إلا أنها تمكنت من تحييد أخطار عدة كانت محدقة بها.
رغم توقيع إيران والصين في مارس/آذار 2021 اتفاقية تعاون تجاري وإستراتيجي مدتها 25 عاما، فإن طهران بدأت عام 2023 وهي تحمل عتبا كبيرا على بكين إثر زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى السعودية.
واستدعت طهران السفير تشانغ هوا للتعبير عن “الاستياء الشديد” مما ورد في بيان القمة الخليجية-الصينية وقبول بكين بإدراج موضوع الجزر الثلاث المتنازع عليها مع الإمارات ومفاوضات الاتفاق النووي ودعوتها طهران إلى “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى”.
ومنذ بداية يناير/كانون الثاني المنصرم، عملت كل من طهران وبكين على تذليل العقبات في علاقاتهما الثنائية، وأدى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي -في منتصف فبراير/شباط 2023- زيارة رسمية إلى الصين التقى خلالها نظيره شي جين بينغ وبحث معه تنفيذ الوثيقة الإستراتيجية الموقعة بين بلديهما.
ويری مراقبون في طهران أن بلادهم لم تجن منافع اقتصادية ملموسة جراء شراكتها الإستراتيجية مع الصين، بيد أن مصالحهما الاقتصادية المشتركة ساهمت في خفض وطأة الضغوط الغربية على الجمهورية الإسلامية.
إيران وروسيا
عملت طهران وموسكو خلال 2023 على تعزيز العلاقات الثنائية من خلال وضع اللمسات الأخيرة على معاهدة التعاون الإستراتيجي طويل الأمد بينهما، إلا أن ملف الجزر الثلاث المتنازع عليها بين طهران والإمارات عكّر صفو الشراكة الإيرانية الروسية مرتين.
فقد أثار دعم موسكو للموقف الخليجي -بشأن الجزر الثلاث- حفيظة طهران، وذلك خلال الاجتماع الوزاري السادس للحوار الإستراتيجي بين روسيا ودول الخليج الذي استضافته موسكو في يوليو/تموز الماضي، وكذلك الموقف ذاته في البيان الختامي للمنتدى العربي الروسي السادس الذي عُقد الأسبوع الماضي في مراكش المغربية.
ونجحت طهران في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من إكمال ترتيبات شراء طائرات مقاتلة من طراز “سوخوي-35” ومروحيات روسية الصنع، وذلك بعد مضي 3 أشهر من تسلمها مجموعة من طائرات روسية متطورة للتدريب على القتال من طراز ياك-130.
كما وقّع البلدان اتفاقا على تمويل وإنشاء خط للسكك الحديدية بطول 162 كيلومترا بين مدينتي رشت وآستارا شمال غربي إيران بقيمة 1.6 مليار دولار، ليكون جزءا من ممر نقل يهدف إلى ربط الموانئ الروسية بالإيرانية المطلة على المياه الخليجية.
أذربيجان وحرب قره باغ
وتدهورت علاقات إيران مع أذربيجان في يناير/كانون الثاني الماضي، إثر هجوم على السفارة الأذربيجانية في طهران، أسفر عن وفاة حارس أمن وإصابة موظفيْن آخريْن بجروح، حيث ردت باكو بإغلاق المكتب التمثيلي للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي لديها وطرد 4 دبلوماسيين إيرانيين وردت طهران بالمثل.
وفضلا عن توقيف السلطات الأذرية عشرات الأشخاص بتهمة التجسس لصالح طهران وانتقادات الأخيرة جارتها الشمالية بسبب تقاربها مع إسرائيل، فإن حرب قره باغ الثالثة التي استعادت خلالها باكو، في سبتمبر/أيلول الماضي، السيادة على إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه مع أرمينيا، أثارت خشية إيران من شق باكو -بمساعدة أنقرة– ممر زنغزور.
وتعتبر طهران أن المشروع يهدف لخلق “عالم تركي” بإنشاء ممر يمتد من تركيا فإقليم نخجوان عبر محافظة سيونيك الأرمينية المحاذية للأراضي الإيرانية، حتى تركمانستان وإحدى المقاطعات الصينية ذات الأغلبية الإيغورية، مما يهدد بقطع الطريق الواصل بين إيران وأوروبا الشرقية عبر أرمينيا، الأمر الذي عدته طهران “خطا أحمر”، رافضة “أي تغيير جيوسياسي في المنطقة”.
ورغم أن هاجس طهران من الممر ألقى بظلاله على علاقاتها مع باكو وأنقرة وعزز موقفها الداعم ليريفان، لكن اتفاقها وأذربيجان، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على إنشاء ممر يربط بين زنغزور الشرقية ونخجوان مرورا بإيران، ساهم في نزع فتيل التوتر بينهما.
طهران وبغداد
دأب الحرس الثوري الإيراني خلال السنوات الماضية على تنفيذ ضربات صاروخية وغارات بطائرات مسيرة ضد مقار تابعة للمعارضة الكردية الإيرانية داخل إقليم كردستان العراق.
وفي نهاية أغسطس/آب الماضي، أعلنت بغداد وطهران توقيع اتفاقية أمنية لتفكيك تجمعات تلك المعارضة وإبعادها عن الحدود مع إيران، وتسليمها المطلوبين منهم. وبحلول 19 سبتمبر/أيلول الماضي أعلن الجانب العراقي تنفيذ الاتفاق.
اقتصاديا، توصلت لجان فنية من طهران وبغداد، في يوليو/تموز الماضي، إلى اتفاق لمقايضة النفط العراقي بالغاز الإيراني، لضمان تشغيل محطات إنتاج الكهرباء العراقية من جهة ومواجهة مشكلة العقوبات الأميركية على إيران من جهة أخرى.
كما وضع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني -خلال زيارته محافظة خوزستان جنوب غربي إيران في سبتمبر/أيلول الماضي ومحمد مخبر النائب الأول للرئيس الإيراني- حجر الأساس لمشروع الربط السككي بين منطقة شلمجة الإيرانية ومدينة البصرة العراقية.
ولعل الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية في مارس/آذار الماضي واستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما شكل منعطفا في علاقات طهران والدول العربية. فعقب إعادة افتتاح سفارتي البلدين وتبادل وزيري خارجيتهما الزيارات، شهدت العلاقات الثنائية مباحثات هاتفية بين رئيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وعقب عملية “طوفان الأقصى”، شارك رئيسي في اجتماع رؤساء دول منظمة التعاون الإسلامي الخاص بمناقشة الحرب على قطاع غزة، والتقى بابن سلمان في الرياض، حيث وُصف اللقاء في طهران بالتاريخي.
وزار وفد برلماني إيراني العاصمة البحرينية المنامة وعقد مباحثات ثنائية لإعادة العلاقات بين البلدين، مؤكدا رغبة الجانبين في فتح المزيد من آفاق التعاون. وبينما رحبت الأوساط الإيرانية بهذه المساعي، فإنها لم تنجح بعد في إذابة الجليد بين البلدين.
طهران والدوحة
في المقابل، تعززت العلاقات الإيرانية القطرية خلال عام 2023 وتُوجت وساطة الدوحة بين طهران وواشنطن في العاشر من أغسطس/آب الماضي، باتفاق يقضي بتبادل سجناء من الطرفين مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية.
كما أن طهران والدوحة تقودان منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي مساعي دبلوماسية حثيثة لوقف الحرب على قطاع غزة.
وشهدت علاقات طهران مع مسقط تطورا لافتا، لا سيما عقب زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق لإيران أواخر مايو/أيار الماضي، ولقائه خامنئي، حيث تم الإعلان عن تفاهم بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن موقع “آباده” الخلافي في قضية كشف جزيئات اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7%.
أما العلاقات الإيرانية الإماراتية فحافظت على متانتها رغم خلاف الجانبين بشأن الجزر الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) في المياه الخليجية وتطبيع أبو ظبي علاقاتها مع إسرائيل.
وبعد تأكيد قائد القوات البحرية في الحرس الثوري علي رضا تنغسيري، في أبريل/نيسان الماضي، أن بلاده تعتزم إنشاء مساكن في الجزر الثلاث وخلق فرص عمل فيها، قال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي، -الصيف الماضي- إن طهران “لا تجامل أي طرف في مسألة الجزر، مؤكدا سيادة بلاده عليها”.
كما شكّل حقل الدرة (آرش) للغاز الطبيعي عاملا خلافيا في علاقات إيران والكويت لا سيما بعد الاتفاق الكويتي السعودي -الصيف الماضي- على الإنتاج المشترك فيه بوصفه ثروة طبيعية خالصة لهما، وهو ما رفضته طهران وأكدت تمسكها بحقوقها فيه.
من ناحية أخرى، احتدم التوتر الحدودي بين إيران وأفغانستان منذ الأشهر الأولى من عام 2023 مخلفا قتلى وجرحى في تبادل لإطلاق النار عدة مرات، بيد أن أزمة المياه في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي إيران مع انقطاع مياه نهر هلمند الذي ينبع من أفغانستان، فاقما الخلافات بينهما.
وازدادت العلاقات الثنائية توترا إثر تحذير الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 18 مايو/أيار الماضي، السلطات الأفغانية وتحديده مهلة شهر لإطلاق كابل حصة بلاده من مياه نهر هلمند، وهو ما ردت عليه حركة طالبان بإصدار بيان انتقدت فيه موقف طهران وأكدت أن المياه غير كافية لتسييرها إلى داخل الأراضي الإيرانية.
وما زال الملف مفتوحا وتتصاعد انتقادات الأوساط الإيرانية للبرلمان لعدم محاسبة الحكومة بهذا الشأن.