في نهاية أكتوبر الماضي، نفذت القوات الإسرائيلية غارة جوية في مخيم جباليا، استهدفت فيها قتل إبراهيم البياري، قائد كتيبة حماس في المخيم، الذي اعتقدت الاستخبارات الإسرائيلية أنه كان يدير معارك، بحسب الجيش الإسرائيلي.
لكن استهداف البياري لم يكن من دون ثمن، إذا أسفرت الهجمة عن مقتل 126 شخصا على الأقل، والذين أصبحوا تحت أنقاض المباني المدمرة، في واحدة من الهجمات التي اعتبرت من الأكثر دموية في حرب غزة، بحسب منظمة “أير وارز” التي تحقق بمقتل الضحايا المدنيين في مناطق الصراع.
ووفق تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال “قصف حي مكتظ بالناس.. لقتل أحد قادة العدو كان بمثابة إشارة في وقت مبكر من الحرب أن إسرائيل على استعداد لاستخدام القوة الساحقة ضد قيادة حماس حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة بإصابة أعداد كبيرة من المدنيين”.
وفي الأسابيع التي تلت هذه الغارة استمرت حكومة الرئيس الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في هجماتها التي تتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين رغم إدانات منظمات حقوق الإنسان وبعض الدول، وحتى تكرار واشنطن لمطالباتها بالحد من سقوط المدنيين.
وبناء على تحقيق أجرته الصحيفة معتمدة لقاءات مع ناجين وكبار ضباط في الجيش الإسرائيلي، تظهر الغارة الجوية في جباليا أن المخططين العسكريين الإسرائيليين قاموا “بسلسلة من الحسابات الخاطئة بناء على معلومات غير وافية” أدت إلى دمار وخسائر في الأرواح أكبر بكثير مما توقعوا.
وتوصلت الصحيفة إلى “ثلاث نتائج هامة” على حد وصفها:
- إسرائيل قررت عدم تحذير المدنيين في المنطقة من غارة جوية وشيكة بإرسال رسائل هاتفية خوفا من منح المسلحين وقتا لإخلاء المنطقة.
- استخدم الجيش الإسرائيلي على الأقل اثنتين من أكبر القنابل في ترسانته بدلا من ذخائر أصغر حجما.
- حاول قادة القوات الجوية الحد من الأضرار الجانبية من خلال توجيه القنابل بين المباني، واستخدام صمامات لتأخير التفجير حتى تتمكن من اختراق الأسطح، لتدمير الأنفاق وإسقاط المباني القائمة فوقها.
وأكد الجيش الإسرائيلي في بيان للصحيفة أنه “يلتزم بالقانون الدولي، ويوجه ضرباته إلى أهداف عسكرية ويستثمر موارد كبيرة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين”.
وأشار إلى أنه “لا يشن هجمات إلا عندما لا تكون الأضرار المتوقعة للمدنيين مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية المتوقعة، بناء على المعلومات المتاحة قبل الهجوم”.
وأكد الجيش أن فريقا من المحققين العسكريين يقومون بفحص حيثيات الغارة والتفجير الذي وقع.
ويكرر مسؤولون إسرائيليون تصريحاتهم بأن “حماس هي المسؤولة بالنهاية عن ارتفاع عدد القتلى لأنها اختارت العمل ضمن مناطق سكنية مدنية”.
وقال مسؤول قانوني عسكري إسرائيلي كبير لم تكشف الصحيفة اسمه: “هناك الكثير من المعلومات تحتاج إلى معرفتها، وهي محدودة بطريقة ما، وهناك ضبابية الحرب”.
وأضاف “إذا حاولت أن تكون فعالا في هزيمة عدوك وحماية المدنيين لن تتمكن في بعض الأحيان من تجنب ذلك”.
وقال مسؤولون إن المخططين الإسرائيليين توقعوا احتمال انهيار بعض المباني في الهجوم، لكن الأضرار كانت أسوأ بكثير ممكن كان متوقعا، حيث ألقوا باللوم على شبكة الأنفاق الواسعة تحت المباني.
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس، قال: “لقد انهار المجمع تحت الأرض، والأنفاق التي بنتها حماس، وهذا هو تقييمنا لسبب رؤية أضرار هيكلية كبيرة حولنا”.
أستاذ القانون الدولي في جامعة روتجرز في نيوجيرزي قال للصحيفة: “إن أي شيء قاله الجيش الإسرائيلي عن الغارة يشير إلى أنه حصل على شيء أكثر من مجرد ميزة عسكرية معتدلة بقتل البياري”.
وقال إن الهجوم الذي “وقع أواخر أكتوبر في جباليا يبرز بتطرفه من حيث الضرر المتوقع على المدنيين.. لتبرير هذا الضرر الكبير الذي يلحق بالمدنيين يمكن للمرء أن يتوقع حدوث نوع من تغيير قواعد اللعبة من شأنه أن يكون له تأثير حاسم على مسار الحرب”.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس في أعقاب هجوم غير مسبوق شنته الحركة على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر وأدى إلى مقتل نحو 1200 شخص غالبيتهم من المدنيين وقضى معظمهم في اليوم الأول للهجوم، وفق السلطات الإسرائيلية.
ومنذ ذلك الحين، ترد إسرائيل بقصف مدمر على قطاع غزة أوقع أكثر من 21 ألف قتيل، وفق حكومة حماس.
كذلك، بدأت إسرائيل عمليات برية واسعة داخل القطاع منذ 27 أكتوبر. وتفرض “حصارا مطبقا” على قطاع غزة وقطعت عنه الوقود والمواد الغذائية والمياه.
ويخضع القطاع أساسا لحصار بحري وجوي وبري منذ تولي حركة حماس السلطة فيه، في عام 2007.
وتقترب الحرب من شهرها الثالث، حيث تقدمت الدبابات الإسرائيلية إلى عمق بلدة في وسط قطاع غزة، الخميس، بعد أيام من قصف بلا هوادة أجبر عشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية النازحة أصلا على شد الرحال في موجة نزوح جماعي جديدة، بحسب رويترز.
وقصفت القوات الإسرائيلية المنطقة المحيطة بمستشفى في قلب مدينة خان يونس، المدينة الرئيسية بجنوب قطاع غزة، حيث يخشى السكان من توغل بري جديد داخل الأراضي المكتظة بالعائلات التي شردت خلال الحرب المستمرة منذ 12 أسبوعا.
وقالت السلطات الصحية الفلسطينية في وقت سابق إن 210 فلسطينيين تأكد مقتلهم جراء الهجمات الإسرائيلية خلال الساعات الأربع والعشرين المنصرمة، ما يرفع عدد قتلى الحرب إلى 21320 شخصا، أو ما يساوي تقريبا واحدا بالمئة من سكان القطاع. ويخشى من تواجد آلاف آخرين من القتلى تحت الأنقاض.
وخلال فترة الحرب، عبّر الجيش الإسرائيلي عن أسفه على مقتل المدنيين، لكنه ينحي باللائمة على حماس في مزاولة أنشطتها في مناطق مكتظة بالسكان أو استخدام المدنيين دروعا بشرية، وهو اتهام تنفيه حماس.
وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة “الأونروا” في منشور على منصات التواصل الاجتماعي إن “أكثر من 150 ألف شخص، أطفال صغار ونساء يحملن أطفالا وأشخاص ذوي إعاقة وكبار السن، ليس لديهم مكان يذهبون إليه”.