يقول كاتب العمود في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان إن الوقت قد حان لكي تطلب أميركا من إسرائيل أن تنسحب بالكامل من غزة، مقابل الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين ووقف دائم لإطلاق النار تحت إشراف دولي، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلف الناتو والمراقبون العرب، دون أي تبادل للأسرى للفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
ويضيف أن الوقت قد أزف لكي تقدم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل أكثر من مجرد إشارات لطيفة حول الكيفية التي يمكن أن تخوض بها حرب غزة دون قتل الآلاف من المدنيين. وعلى واشنطن أيضا أن تتوقف عن إضاعة الوقت في البحث عن قرار الأمم المتحدة المثالي لوقف إطلاق النار بشأن غزة، وتخبر إسرائيل أن هدف حربها المتمثل في محو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من على وجه الأرض لن يتحقق، وأن تكلفة تحقيق هذا الهدف لن تستطيع أميركا ولا العالم تحملها.
نتنياهو أصبح عديم الفائدة
واستمر الكاتب في تقديم توصياته، قائلا إن الوقت قد حان لكي تخبر الولايات المتحدة إسرائيل كيف تعلن النصر في غزة وتعود إلى ديارها، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصبح الآن عديم الفائدة تماما ولا يصلح زعيما لأنه يعطي الأولوية لاحتياجاته الانتخابية على مصالح الإسرائيليين، ناهيك عن مصالح أفضل صديق لإسرائيل، الرئيس بايدن.
ويشرح فريدمان أسباب توصياته قائلا إن الغالبية العظمى من الإسرائيليين اليوم يريدون عودة أكثر من 120 محتجزا، علاوة على أي أهداف حرب أخرى، كما أن قضية هؤلاء المحتجزين تجعل الإسرائيليين مجانين، لأنها تجعل صنع القرار العسكري العقلاني هناك مستحيلا، خاصة وأن العديد من الخبراء يعتقدون أن زعيم حماس يحيى السنوار قد أحاط نفسه الآن بهؤلاء المحتجزين كدروع بشرية وسيكون من المستحيل قتله دون قتل العديد منهم أيضا، وأي حكومة إسرائيلية تفعل ذلك ستتعرض لعاصفة من غضب الجمهور الإسرائيلي.
ليس لدى إسرائيل خطة
وأضاف أن إسرائيل ألحقت أضرارا جسيمة بالمناطق الحضرية الرئيسية في غزة وشبكة الأنفاق التابعة لحماس وقتلت الآلاف من مقاتلي هذه الحركة، إلى جانب، الآلاف من المدنيين، وحماس كمنظمة عسكرية تستحق العقاب، وقد تدهورت إلى حد كبير على حد قوله، لكن هذا العدد الهائل من القتلى والجرحى والنازحين المدنيين في غزة أدى إلى كارثة إنسانية، وليس لدى إسرائيل خطة منذ بداية الحرب لكيفية إدارة هذه الأزمة الإنسانية ومعالجتها، وكيفية حث الفلسطينيين والعرب من غير حماس على التقدم والشراكة مع إسرائيل لإصلاح وإدارة غزة بعد الحرب.
وأورد فريدمان أن هناك انزعاجا متزايدا في قيادة الجيش الإسرائيلي من حقيقة أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تطلب منه خوض حرب في غزة دون هدف سياسي محدد بوضوح أو جدول زمني أو آلية للفوز والسلام.
وذكر الكاتب المزيد من الأسباب لدعم ما دعا إليه، قائلا إن أفضل طريقة لتشويه سمعة السنوار وتدميرها هي أن تغادر إسرائيل غزة وتجعله يخرج من نفقه، ويواجه شعبه والعالم ويتحمل إعادة بناء غزة بمفرده.
وزعم الكاتب الأميركي الشهير أن هناك توترا كبيرا بين السنوار وقادة حماس في الخارج “لأنهم بدؤوا محادثات مع قادة من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية حول إعادة توحيد القيادة الفلسطينية وتجديدها بعد الحرب لتمكين نوع من ترتيبات السلام الطويلة الأجل مع إسرائيل”.
وقال إن أمام إسرائيل خيار يمكّنها من امتلاك مستقبل غزة إلى الأبد، ولا يورثها واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية على هذا الكوكب، وهو خروجها من غزة الآن، وهذا من شأنه أن يتيح لأميركا وحلفائها أن يُظهروا للعالم أجمع أن هناك سببا واحدا فقط لموت سكان غزة لاحقا، وهو عدم قبول حماس بوقف إطلاق النار.
قلب الطاولة
ومضى يقول إنه ومنذ بداية هذه الحرب، كان على إسرائيل أن تجيب كل يوم على أفعالها وأخطائها وتجاوزاتها، ولم يضطر السنوار إلى ذلك لمدة دقيقة واحدة، وقد حان الوقت لقلب الطاولة.
وأضاف أن انسحاب إسرائيل الكامل ووقف إطلاق النار الخاضع للمراقبة الدولية، مقابل جميع المحتجزين، سيحول كل الضغوط السياسية والعسكرية والدبلوماسية والأخلاقية إلى السنوار، وليس ليوم واحد فقط، بل للمستقبل.
أسوأ الأخبار لخصوم أميركا
كذلك زعم فريدمان أن إيران وحزب الله والحوثيين يرغبون بشدة في بقاء إسرائيل في غزة إلى الأبد حتى تتحمل فوق طاقتها عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا وأخلاقيا، وأن أسوأ الأخبار التي يمكن أن يتلقوها هي أن يسمعوا أن إسرائيل تعرض انسحابا كاملا مقابل الإفراج عن جميع محتجزيها ووقف إطلاق نار مراقب دوليا.
وأضاف أن أسوأ الأخبار الممكنة بالنسبة لـ الصين وروسيا أن يسمعا أن بايدن رتب هذه النهاية للحرب.
وقال إنه لا يشك في أن الجيش الإسرائيلي قادر على تحصين حدوده في غزة، والاستفادة من جميع الدروس التي أدت إلى هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ودعا الكاتب فريق بايدن إلى إشراك الإسرائيليين في نقاش صاخب وصريح وغير مقيد حول مقدار ما حققوه بالفعل عسكريا، وأفضل طريقة لتعزيز مكاسبهم وكيفية إنهاء هذه الحرب بنوع من توازن القوى الجديد لصالح إسرائيل، قبل أن تغرق إسرائيل نفسها في الرمال المتحركة في غزة، مطاردة انتصارا خياليا.