بمهاجمتها المدنيين الفلسطينيين بطريقة عشوائية، تأمل إسرائيل في ممارسة الضغط على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من أجل أن تستسلم، ولكن هذا الضغط لا يعمل لأن مصطلحات “الاستسلام” و”رفع الراية البيضاء” ليست جزءًا من قاموس الحركة، ولأن أعضاءها مخلصون لقضيتهم وليس لديهم ما يخسرونه، ولأنها في النهاية حركة وطنية تدعي أنها تحارب الاحتلال، وأيديولوجيتها تتلخص في القتال حتى النصر أو الاستشهاد.
تلخص هذه الجمل معظم المقابلة التي أجراها موقع ميديا بارت الفرنسي مع مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بالجامع الأزهر في غزة الذي تم إجلاؤه إلى مصر يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد أن مزق رد الفعل الإسرائيلي المدمر حياته مثل غيره من سكان قطاع غزة المنكوب.
إسرائيل بلا إستراتيجية
ويحاول أبو سعدة -في هذه المقابلة التي لخصتها جولي باريس- استعراض إستراتيجية حماس منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول وحتى اليوم، وذلك في الوقت الذي يزور فيه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية القاهرة لإجراء المفاوضات.
ويرى أستاذ العلوم السياسية، الذي فقد 25 فردا من عائلته في الحرب، أن إسرائيل ليست لديها إستراتيجية واضحة، لأن هدفها منذ البداية هو تدمير حماس، أي نزع سلاحها وإخراجها من الحكومة في غزة، لكن ذلك بحسب الجيش الإسرائيلي، سيستغرق عدة أشهر بسبب المقاومة القوية في القطاع.
وتدعو إسرائيل قادة حماس إلى إطلاق جميع الرهائن الإسرائيليين، غير مدركة أن ذلك مستحيل بدون اتفاق دائم لوقف إطلاق النار -كما يقول أبو سعدة- لأن هذه هي ورقة حماس الوحيدة لمنع إسرائيل من مواصلة قصف غزة في حال التوصل إلى هدنة، وهكذا تدفع إسرائيل حماس إلى الحائط ولا تترك لها خيارا سوى القتال.
أي حل سياسي محتمل؟
وعند السؤال عن الحل السياسي، استبعد أبو سعدة إجلاء مقاتلي القسام كما حدث في اتفاق إنهاء حصار بيروت 1982، عندما تم إجلاء 10 آلاف مقاتل من منظمة التحرير الفلسطينية إلى 5 دول عربية، لأن حماس لن تسرح مقاتليها ولن تطلب منهم إلقاء السلاح، كما أن أي دولة عربية لن توافق على استضافة 30 ألف مقاتل من كتائب القسام.
كما استبعد الخبير السياسي أي اتفاق لا يأخذ حماس بعين الاعتبار، وهي -حسب رأيه- تستطيع أن تقبل بوقف دائم لإطلاق النار لمدة 10 سنوات، وعلى إسرائيل والوسطاء أن يقترحوا الصيغة الصحيحة التي تسمح لحماس بإنهاء القتال وإطلاق سراح جميع الرهائن.
واستغرب أبو سعدة أن يرتكب يحيى السنوار، الذي يتحدث العبرية بطلاقة ويتباهى بمعرفته الجيدة للعقلية الإسرائيلية، خطأ الاستهانة برد الفعل الإسرائيلي، وقال “هذه صدمة للإسرائيليين. لا أفهم كيف يمكن لأي شخص أو أي سلطة اتخاذ قرار بتنفيذ هجوم بهذا الحجم دون توقع الرد الذي سيتبعه؟”.
وتابع: هكذا تشن إسرائيل حربا على المدنيين الفلسطينيين، وتقتل الأطفال والرضع والنساء في المستشفيات والمدارس، ويُدفن الناس أحياء “إنها سياسة الدمار الشامل، حتى لو لم يكن يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول بداية الصراع”.
ومن جانب آخر، شكك أستاذ العلوم السياسية في نتائج أي استطلاع للرأي يجري في الظروف الحالية، حيث إن أكثر من 90% من سكان غزة نزحوا قسرا وهم يعيشون في خيام منتصف الشتاء، وهم جائعون وبدون مياه للشرب.
حماس لن تدعي النصر
وتنبأ أبو سعدة بأن ترتفع أصوات كثيرة، في اليوم الذي تنتهي فيه هذه الحرب، للمطالبة بمحاسبة من تسبب فيها.
وأضاف أنه حتى لو فشلت إسرائيل في استئصال حماس، فإن الحركة -حسب رأي أبو سعدة- لن تتمكن من ادعاء النصر، بعد 20 ألف شهيد وأكثر من 50 ألف جريح، وتدمير 60% من البنية التحتية حسب الأمم المتحدة.
وخلص أبو سعدة إلى أن ملامح الحياة فيما بعد الحرب بدون وجود حماس بالسلطة، في قطاع غزة، تحتاج إلى الإتيان بشخص من خارج السياق، مثل رجل فتح القوي السابق في غزة محمد دحلان، أو رئيس الوزراء السابق سلام فياض، أو الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، خاصة أن أعضاء حماس لا يرون مشكلة في الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
ولكن قد يكون هناك منعطف، لأن حماس لن تعقد اتفاقا مع إسرائيل دون الحصول على إطلاق سراح مروان البرغوثي المسجون في إسرائيل منذ الانتفاضة الثانية، فهو الشخصية السياسية الوحيدة القادرة على جمع الفلسطينيين وعلى تجديد الحوار مع الإسرائيليين.