حقق الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، الفوز في الانتخابات الرئاسية التي جرت، ديسمبر الجاري، ليتولى فترة حكم ثالثة في انتخابات كانت نتيجتها محددة سلفا، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” التي أوضحت أن إعادة انتخابه تعتبر الجزء السهل، نظرا لأن مصر على حافة الهاوية بسبب معاناتها من الانهيار الاقتصادي والحرب المشتعلة في الجوار.
وأعلن مسؤولو الانتخابات في مؤتمر صحفي، الاثنين، أن السيسي، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب عام 2013، حصل على ما يقرب من 90 بالمئة من الأصوات في مواجهة حفنة من المرشحين غير المعروفين الذين خاضوا الانتخابات ضده ولم يشكل أي منهم تحديا ذا مصداقية وحصلوا على حوالي 10% من الأصوات موزعة بينهم.
وأوضحت الصحيفة أنه “بالنسبة للسيسي وداعميه، تعتبر الانتخابات عبارة عن عرض كما أن نتيجتها محددة سلفا، إذ أن معظم الناخبين الذين تمت مقابلتهم في جميع أنحاء القاهرة خلال فترة التصويت التي استمرت ثلاثة أيام الأسبوع الماضي لم يسمعوا قط عن المرشحين الآخرين”.
وشاهد مراسلو صحيفة “واشنطن بوست” مجموعة من النساء يتجمعن حول رجل داخل أحد مراكز الاقتراع في وسط القاهرة ويسألون عن كيفية استرداد قسائمهم المالية مقابل مشاركتهم في الانتخابات.
وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، إنه لا يوجد دليل على منح أي أموال أو بضائع من أجل التصويت، وأن مثل هذه الممارسات تعتبر جريمة جنائية بموجب القانون المصري.
وقال رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، حازم بدوي، في المؤتمر الصحفي، الاثنين، إنه “لم تكن هناك أي مخالفات في العملية الانتخابية”.
لكن الصحيفة ذكرت أن كثيرين من المصريين بقوا في منازلهم، بسبب فزعهم من تراجع مستويات المعيشة وشعورهم بالعجز عن إحداث التغيير، لكن الحرب في غزة أعطت السيسي دفعة كان في أمس الحاجة إليها، وهي أن انتخابه يرتبط بضمان الأمن والاستقرار في مصر، وهي الحجة التي تصدرت المشهد.
ويقول محللون للصحيفة إن “هناك أولوية فورية تتمثل في إبقاء مصر خارج حرب غزة والحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، وكل ذلك مع محاولة تهدئة القلق العام بشأن معاناة الفلسطينيين.
الأزمة الاقتصادية تنتظر السيسي
ويتوقع عدد من المستثمرين والمحللين الاقتصاديين، أن يضطر السيسي بعد إعادة انتخابه، لإقرار خفض جديد لقيمة العملة المصرية، في ظل استمرار النقص الحاد في النقد الأجنبي، وفق تقرير لوكالة “بلومبرغ”.
ومع توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع في الدولة العربية الأكبر من ناحية عدد السكان، يستعد مديرو الأموال بالفعل لما سيأتي بعد ذلك، حيث تلقى الاقتصاد المصري المتعثر عشرات المليارات من الدولارات كمساعدات من صندوق النقد الدولي وجيران البلاد الأثرياء في مجلس التعاون الخليجي.
في هذا الجانب، يقول عبد القادر حسين، العضو المنتدب في إدارة أصول الدخل الثابت بشركة “أرقام كابيتال” بدبي، إن “لا أحد أحد يتوقع أي شيء آخر غير انتصار السيسي”.
أما بالنسبة لما يلي مرحلة الانتخابات، يضيف حسين للوكالة: “أعتقد أن السوق تتوقع دعم صندوق النقد الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي، وربما حتى دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للاقتصاد المصري، اعتمادا على كيفية تطور المأساة في غزة”.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي المصري، أحمد أبو علي، في حديث مع موقع “الحرة” الأسبوع الماضي، أن “الملف الاقتصادي يبقى واحدا من أهم الملفات على طاولة الرئيس القادم”.
واعتبر أبو علي، أن “مصر في السنوات الماضية أنجزت العديد من الأمور بمختلف القطاعات وأبرزها في البنية التحتية والصحة والتعليم والإسكان على الرغم من كل التحديات التي تواجه العالم بأسره”.
وأضاف: “الرئيس القادم لديه مهمة وتحد كبير باستكمال مسيرة التنمية بالإضافة لأمور أخرى”.
وتسببت سنوات من الاقتراض بمبالغ كبيرة من الخارج في تراكم ديون خارجية ثقيلة على مصر وفي شح النقد الأجنبي اللازم لشراء السلع الأساسية.
وتوقف صرف شرائح حزمة الدعم المالي من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار والتي تم توقيع الاتفاق بشأنها في ديسمبر 2022، بعد أن تخلفت مصر عن الوفاء بتعهد الانتقال إلى سعر صرف مرن وتقليص دور الدولة والجيش في الاقتصاد، بحسب رويترز.
ومن المحتمل، وفق بلومبرغ، أن تكون هناك حاجة إلى مزيد من التخفيضات في قيمة الجنيه المحلي لفتح الباب أمام مزيد من التمويلات، مشيرة إلى أن صندوق النقد الدولي يدرس توسيع حزمة مساعداته لمصر، إلى أكثر من 5 مليار دولار، من 3 مليارات دولار المخطط لها. وتعد مصر بالفعل ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين المتخلفة عن السداد.
وتتزايد التكهنات أيضا، بحسب بلومبرغ، من أن مصر سوف تحصل على مزيد من الأموال من حلفائها العرب في مجلس التعاون الخليجي، وأيضا من الغرب، مع تحول البلاد إلى بوابة لاستقبال المساعدات نحو قطاع غزة المحاضر، وسط حرب إسرائيل مع حماس.
ولكن الشرط الأساسي والأكثر أهمية لإطلاق جزء من رأس المال هذا يتوقف، وفقا لبلومبرغ، على تخفيف الضوابط المفروضة على سوق الصرف الأجنبي، إن لم يكن تحريرها بشكل كامل.
وفي الأشهر القليلة الماضية، تراجعت قيمة العملة الضعيفة بالفعل إلى 50 جنيها مقابل الدولار في السوق السوداء مقارنة بالسعر الرسمي عند 31 جنيها للدولار.
وبينما فقد الجنيه نحو نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس 2022، يراهن المتداولون في سوق المشتقات المالية على أن البلاد ستضطر إلى السماح للجنيه بالانخفاض بنسبة 40 بالمئة أخرى خلال العام المقبل. ومن شأن ذلك أن يضع العملة تحت مستوى 50 دولارا من 30.85 حاليا.
وقال تشارلز روبرتسون، من شركة “أف أي أم بارتنرز” (FIM Partners)، العاملة في مجال إدارة الأصول في الأسواق الناشئة والواعدة: “بعد فوز السيسي، أفترض تخفيض قيمة العملة بنسبة 20 بالمئة ثم الحصول على تمويل أكبر من صندوق النقد الدولي”.
ورجّح روبرتسون، بأن تكون الخطوة “إيجابية بالنسبة للسندات المصرية بالدولار – وربما الأسهم أيضا – إذا اعتبر انخفاض قيمة الجنيه كافيا لتسوية تراكم العملات الأجنبية”.
وتقول بيانات البنك المركزي، إن أقساط الديون المستحقة في عام 2024 هي الأعلى مستوى على الإطلاق عند 42.26 مليار دولار على الأقل.
وعلى مدى العقد الماضي، اضطرت مصر إلى تخصيص أكثر من نصف دخلها الضريبي لدفع الفوائد على ديونها. وفي الفترة من يوليو إلى سبتمبر من هذا العام، بلغت تكاليف الفائدة أكثر من 1.5 مرة ما تم جمعه من الضرائب، وفقا لبيانات من وزارة المالية.
وتحاول مصر منذ أشهر، إعادة اقتصادها إلى مساره الصحيح وجذب المستثمرين مرة أخرى إلى البلاد. لكن كلا من وكالة “فيتش” و”موديز”، خفضتا التصنيف الائتماني للبلاد في الأشهر الأخيرة، مع الإشارة إلى النقص المستمر في العملات الأجنبية والديون المكلّفة.
وتركت هذه المخاطر مجتمعة، إضافة إلى الارتفاع المفاجئ في أسعار الفائدة العالمية، مصر خالية من الدولارات التي تحتاجها لدفع ثمن السلع الأساسية المستوردة، وأجبرتها على خفض قيمة العملة أكثر من مرة.
وأفاد محللون استراتيجيون من “دويتشه بنك إيه جي”، بمن فيهم كريستيان ويتوسكا، في مذكرة بتاريخ 6 ديسمبر، بأن التوسع الكبير بين سعر الفائدة الفوري للعملة المحلية وسعر السوق الموازي، يشير إلى ارتفاع الضغوط، مما يؤكد الحاجة إلى خفض إضافي لقيمة العملة.
وقال المحللون، إن “من المرجح أن تجرى جولة جديدة من خفض قيمة العملة بعد الانتخابات الرئاسية، وتزامنا مع مراجعات صندوق النقد الدولي في أوائل عام 2024”.