طهران- قال منصور حقيقت بور القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني والمساعد الأسبق للجنرال قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، إنه لا خوف على أنفاق غزة، وأنها ستبقى كابوسا للاحتلال؛ لأن من أشرف على تصميمها أخذ شتى “السيناريوهات” المحتملة بعين الاعتبار.
وفي مقابلة خاصة بالجزيرة نت، کشف بور أن محور المقاومة خطط مع الفلسطيين لبناء ما يزيد على 400 كيلومتر من الأنفاق تحت بقعة أرض لم تتجاوز مساحتها 40 كيلومترا مربعا، مؤكدا أن الجانب الفلسطيني في الأنفاق يعرف جيدا كيفية التعامل مع جميع التحديات المحتملة.
وسبق وعمل العميد المتقاعد منصور حقيقت بور مستشارا لرئاسة البرلمان الإيراني، وكان عضوا ثابتا لأعوام عدة في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان.
ويتحدث في هذا الحوار عن مسار تطورات معركة غزة، وتأثير حرب السفن التي يقودها الحوثيون في البحر الأحمر، ويوضح موقف بلاده من تشكيل أي تحالف دولي لضمان الملاحة البحرية في المنطقة.
وفيما يلي نص الحوار:
-
كيف تقيّمون مجريات أحداث عملية “طوفان الأقصى” حتى الآن، وأي من طرفيها يحقق فيها الانتصار على الأرض؟
ما يحدث في غزة ليس سوى مقاومة وبسالة شعب أعزل مؤمن بقضيته أمام الترسانة العسكرية العالمية، إذ نرى أن حلفاء “الكيان الصهيوني” لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يتسارعون لتقديم أحدث ما لديهم من تسليح عسكري لإركاع المقاومة الفلسطينية التي أذلّت الاحتلال وداعميه، وتمتلك اليد العليا في المعركة المتواصلة.
نعتقد أنه بالرغم من إمعان “الكيان الإسرائيلي” في قتل النساء والأطفال والتمادي في استهداف البنى التحتية لتهجير سكان قطاع غزة المحاصر، فإن المقاومة لا تزال تمتلك اليد العليا في المعركة.
في المقابل، فإن “كيان الاحتلال” ومن ورائه حلفاؤه الغربيين بدورهم يمتلكون اليد العليا في انتهاك حقوق الإنسان وارتكاب المجازر بحق المدنيين والمرضى، واستخدام شتى أنواع الأسلحة المحرمة دوليا ضد شعب أعزل.
نعتقد أن معركة “طوفان الأقصى” فضحت هشاشة “الكيان الإسرائيلي”، وأخفقت الحرب الإعلامية التي يقودها أباطرة الإعلام الغربي والعبري، وأثبتت قدرة الشعب الفلسطيني وعزيمته على تحرير أراضيه من دنس الاحتلال.
كما أعادت المعركة القضية الفلسطينية إلى واجهة التطورات بالعالم، وتمكنت من استقطاب الرأي العام العالمي والتأثير فيه وتحويله تجاه القضية الفلسطينية. في المقابل لم يحقق الجانب الإسرائيلي أيا من أهدافه المعلنة حتى الآن.
-
بماذا تتميز الجولة الثانية من المعركة عن العملية البرية التي سبقت الهدنة الإنسانية المؤقتة؟
ما يميز الجولة الثانية من المعركة هو تفاقم الجنون الإسرائيلي في استهداف المدنيين والبنى التحتية، لتسجيل إنجاز على الأرض لكن دون جدوى، وهذا ما يؤكد إخفاقه وقبوله بالهزيمة حتى الآن.
واستئناف القصف الإسرائيلي عقب الهدنة الإنسانية خير دليل على اعتراف قادة الاحتلال بالهزيمة، وأنهم يرون في القصف الأعمى والعشوائي سبيلا لتدمير القطاع لعلهم يقدمون أرضه المحروقة إنجازا، بينما لا يعدّ المنطق الإنساني ولا الأعراف العسكرية قصف المدنيين دليلا على الانتصار؛ وإنما دليل على الإخفاق والهزيمة.
-
لماذا اضطرت الحكومة الإسرائيلية لاستئناف المعركة رغم علمها أن الثمن سيكون باهظا؟
ارتكب “الكيان الصهيوني” خطأ فادحا باستئنافه العدوان على غزة ظنا منه أن ترسانته العسكرية ستقلب مسار المعركة لصالحه، لكنه لم يتعظ من التجربة الأميركية في غزوها للعراق وأفغانستان.
كما أن القيادة الإسرائيلية تتشبث بمواصلة العدوان لإيجاد مخرج مشرّف لها، من خلال تسديد ضربات موجعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وهذا ما لم ولن يتحقق على الأرض؛ لأن أصحابها يمتلكون اليد العليا في حرب الشوارع وحرب العصابات التي تدور أحداثها في أراضيهم، وهم أدرى بشعابها.
وطبيعة المعارك الكلاسيكية تختلف تماما عن حرب العصابات، وهذا ما لم يأخذه الجانب الإسرائيلي بالحسبان قبيل شنه عملية برية على غزة.
وفي مؤشر إلى إرباك الجيش الإسرائيلي في عمليته المتواصلة في غزة وانهيار معنوياته، فإن الإحصاءات تشير إلى أن 20% من خسائر الاحتلال كانت بنيران صديقة؛ لأن طبيعة المعركة أضحت تختلف تماما عما كان يتوقع، وأنها تفتقد لخط أمامي وجبهة أمامية.
-
ما أهمية فقدان المعركة لخط أمامي ما يسهل استهداف القوات الإسرائيلية وآلياتها العسكرية من المسافة صفر؟
أولى خصائص حرب العصابات فقدانها لجبهة أمامية ما يرفع حظوظ أصحاب الأرض في استهداف القوات الغازية. لقد عملت المقاومة الفلسطينية خلال عقود على تسليح ربوع غزة، وإحداث استحكامات تحت الأرض وفوقها، لا سيما في الأماكن التي تمتلكها المقاومة، وها هم المقاومون يستخدمون تلك التحصينات لاستهداف قوات العدو من المسافة صفر.
نعرف جيدا أنه مع استمرار المعركة ستزداد الاستهدافات من المسافة صفر ضد القوات الإسرائيلية، لأن خوض الجيش الإسرائيلي حرب العصابات في غزة لا يقل خطورة عن دخوله حقل ملغم بالمتفجرات.
-
برأيك، إلى أي مدى يمكن للقيادة الإسرائيلية تحمّل معدل الخسائر العالي في قواتها بمن فيهم ضباط كبار؟
لم يتعود “الكيان الصهيوني” على المعارك طويلة المدى، وأن تتعرض القيادة الإسرائيلية لضغوط جبارة لإنهاء المعركة.
نعتقد أن مرور الوقت لا يصب في صالح إسرائيل وأنه في حال استمرار الحرب حتى شهر آخر، فإن الجيش الإسرائيلي سيخرج من غزة يجر أذيال الهزيمة والخزي، لأنه مع مرور الوقت سيتفاقم ضغط الرأي العام الإسرائيلي، لا سيما أهالي الأسرى من جهة وتراجع الدعم الغربي لتل أبيب من جهة أخرى.
-
توعّدت إسرائيل منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” بتدمير شبكة الأنفاق في غزة، ويبدو أنها تعتزم غمرها بمياه البحر. هل ترونها خطة ممكنة؟
لم يكشف الاحتلال سوى عن أقل القليل من شبكات الأنفاق في غزة لأنها ليست شبكة موحدة، وجزء مما عُثر عليه كان فخا قد كبّد قوات الاحتلال خسائر في الأرواح، مما جعلهم لا يجرؤون على دخولها.
لا يستطيع “الكيان الإسرائيلي” غمرها بالمياه لأنه يعرف أن أسراه يقبعون هناك، وأن عددا منهم من الذين أفرجت حماس عنهم أكدوا ذلك. في حال أقدم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على ذلك فإن تداعياتها ستكون وخيمة عليه.
ورغم ذلك، نعتقد أنه عاجز عن غمرها بالمياه بالكامل؛ لأنها بُنيت على أجزاء وليست شبكة موحدة، والمقاومة أعدّت العدة لفصلها وتقسيمها إلى أجزاء أصغر، ومن ثم فإنه لا خوف عليها وستبقى كابوسا للاحتلال.
النقطة الأخرى التي أود الإشارة إليها، أن محور المقاومة الذي خطط مع الفلسطينيين لبناء ما يزيد عن 400 كيلومتر من الأنفاق تحت بقعة أرض لم تتجاوز مساحتها 40 كيلومتر مربع، قد أخذ بشتى “السيناريوهات” المحتملة بعين الاعتبار.
ومن هذه السيناريوهات غمر الأنفاق بالمياه أو ضخ الغاز السام فيها أو تفجير أجزاء منها. ولذا فإن الجانب الفلسطيني في الأنفاق يعرف جيدا كيفية التعامل مع جميع التحديات المحتملة.
-
ما قراءتكم لخوض الحوثيين معارك بحرية ضد السفن الإسرائيلية والسفن المتجهة إلی الأراضي المحتلة، وما أثرها في مسار المعركة؟
أخذت جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) مهمة نصرة غزة على عاتقها انطلاقا من التعاليم الإسلامية الداعية إلى نصرة المظلوم، فتعهدت بمنع السفن المتجهة إلى “الكيان الصهيوني” من الملاحة في بحر العرب والبحر الأحمر، وسيشكل هذا القرار ضغطا إضافيا على إسرائيل، لا سيما في مجال تأمين السفن المتجهة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
نقترح على الحوثيين عدم الاكتفاء بمصادرة حمولات السفن المتجهة إلى إسرائيل، بل مصادرة السفن الناقلة لتلك البضائع في حال كان مبدؤها أو حمولاتها من الدول الإسلامية.
-
كيف تنظرون إلى تحذير الجمهورية الإسلامية الولايات المتحدة من أنها ستواجه مشكلات استثنائية إذا أرادت تشكيل قوة دولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر؟ وهل طهران قادرة بالفعل على تنفيذ هذه التهديدات؟
الموقف الإيراني واضح في هذا المجال. إننا نعارض تشكيل أي تحالف دولي في منطقتنا، ونرى إصرار الجانب الغربي على تشكيل مثل هذه القوة سيرفع عدد الأهداف أمام البحرية اليمنية للقيام بتمرينات عسكرية في عرض البحر وقرب مضيق باب المندب.
بالنسبة لطهران فإنها سبق وعارضت تشكيل مثل هذا التحالف بذريعة ضمان الملاحة البحرية في المياه الخليجية، وقد أخفقت المشروع عبر المعارضة السياسية والعملياتية. نقول هذه المرة، إنه التحذير نفسه، وإنها العزيمة والخيارات ذاتها.
وأود أن ألفت انتباه من يشككون في قدرة إيران على تنفيذ تهديداتها إلى إسقاط الطائرة الأميركية المسيّرة “غلوبال هوك” التي أسقطها الحرس الثوري في 2019 عقب دخولها المجال الجوي الإيراني.