القدس المحتلة- تحت عنوان “الحرب على قطاع غزة.. مقاربات سياسية، اجتماعية، ثقافية” عقد مساء أمس الجمعة مؤتمر أكاديمي في مدينة حيفا بالداخل الفلسطيني ناقش الحرب الإسرائيلية على غزة المستمرة لليوم الـ71 من منظور سياسي وفكري وإستراتيجي وسيناريوهات سير الحرب وتداعياتها على القضية الفلسطينية.
وشارك في جلسات المؤتمر -الذي يعتبر الأول من نوعه الذي ينظم بالداخل الفلسطيني منذ بدء الحرب على غزة- نخبة من الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك بالتعاون بين كل من مدى الكرمل (المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية) وجمعية الشباب العرب (بلدنا) وجمعية الثقافة العربية.
وحضرت الجزيرة نت جلسة بعنوان “الحرب الإسرائيلية على غزة”، فيما كانت عناوين بقية الجلسات “شهران على الحرب.. قراءات سياسية، فكرية، إستراتيجية”، و”إسرائيل القبيلة.. حدودها الداخلية والخارجية”، و”تاريخ غزة وإقليمها.. قراءات حضرية، ثقافية، سياسية”.
وأجمع المتحدثون على أن هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) المفاجئ بشن معركة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي هو نتاج لسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ويعكس الهدف السياسي لحكومة بنيامين نتنياهو غير المعلن للحرب والقاضي بتهجير الفلسطينيين من القطاع.
واتفق المتحدثون على أن نتائج الحرب على غزة ستحدد مصير ومستقبل القضية الفلسطينية، وعليه يعتقدون أن ما يحدث في غزة هو حرب على الشعب الفلسطيني وليس حربا على حماس كما تروج المؤسسة الإسرائيلية.
التهجير القسري
وفي قراءة سياسية وفكرية وإستراتيجية من منظور إسرائيلي لمستقبل غزة والفلسطينيين في اليوم التالي للحرب، قال الباحث في علم الاجتماع الدكتور وليد حباس إن “إسرائيل تسعى إلى فرض السيادة والتحكم على الفلسطينيين من خلال سياسة العقاب والثواب والعودة إلى سياسة الحاكم العسكري في كل فلسطين التاريخية”.
وعلى أساس هذه القواعد، يقول حباس إن “إسرائيل تسعى إلى تكريس سياسة الحصار والإغلاق الجماعي واعتماد سياسة التهجير القسري والنزوح الداخلي في القطاع، وحتى في الضفة الغربية، بغية سلخ الفلسطيني عن الأرض وتحويلها لتوسيع المشروع الاستيطاني، والتطلع إلى إيجاد شخصيات فلسطينية لإدارة الشؤون المحلية للسكان تحت مظلة الإدارة المدنية للاحتلال”.
ويعتقد الباحث في علم الاجتماع أن إسرائيل فشلت في تطبيق هذا النموذج في قطاع غزة الذي أفرز إدارة فلسطينية محلية ترفض الخضوع للإملاءات الإسرائيلية، وتقاوم سياسة العقاب والثواب، وتواصل المقاومة حتى التحرر والاستقلال من الاحتلال، وعليه تشن إسرائيل الحرب على القطاع كون حماس رفضت الخضوع لمنظومة الحاكم العسكري والإدارة المدنية.
مشاهد النكبة
القراءة ذاتها استعرضها الباحث الإسرائيلي في علم الاجتماع يهودا شنهاف الذي وصف الحرب على غزة وتداعياتها بـ”المأساة” على جيل المستقبل في فلسطين التاريخية، على اليهود والفلسطينيين على حد سواء، مشيرا إلى أن “هذا المكان المشترك الذي كان عبارة عن نوع من الحلف للعيش معا ما عاد كذلك”.
وأوضح أن ما يحصل في المجتمع الإسرائيلي في ظل الإجماع غير المسبوق على الحرب يعكس انهيار طرح الخط الأخضر الذي شكّل الحدود الفاصلة مع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1976، إذ يوجد في محور هذا السجال بشأن شطب الحدود الفاصلة بالذات من كانوا يدعون في السابق إلى تسوية الصراع بموجب حل الدولتين.
وأشار الباحث إلى أن هجوم حماس هو نتائج لسياسات حكومات إسرائيل المتعاقبة، كما أن سيناريو حرب إسرائيلية شاملة على غزة عبرت عنه الكثير من المؤشرات والعلامات وقطار التطبيع الذي كان محطة لتجاوز الفلسطينيين والمساس بالقضية الفلسطينية والسعي لتصفيتها إسرائيليا.
وفي ما يخص الواقع لفلسطينيي الـ48 في ظل حالة الطوارئ والحرب، أوضح شنهاف أن الحرب على غزة أثبتت أن المواطنة ليست شبكة أمان لفلسطينيي الـ48 الذي ينظر إليهم كأعداء، وليسوا كمواطنين لديهم حقوق، قائلا إن “المجتمع الإسرائيلي وفي ظل الحرب أعلن بشكل واضح أنه لا يوجد شعب فلسطيني، ولا توجد مواطنة.. إما صديق أو عدو، فما يحصل الآن هي تكرار مشاهد النكبة الأولى بالعام 1948”.
اليمين الجديد
وفي جلسة بعنوان “إسرائيل القبيلة.. حدودها الداخلية والخارجية”، أوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن صيرورة إسرائيل في العقدين الأخيرين أفرزت اليمين الجديد الذي يحكم إسرائيل الآن ويحاول تحقيق الأهداف التالية: الاقتصاد الحر والحوكمة والتطرف القومي والحفاظ على الطابع اليهودي لإسرائيل.
ولفت شلحت إلى أن اليمين الإسرائيلي الجديد -الذي بدأت ملامحه الأولية تتشكل مع عودة نتنياهو إلى الحكم في العام 2009- يختلف كليا عن اليمين الإسرائيلي التقليدي الذي صاغ ملامحه زئيف جابوتنسكي، قائلا إن “ما حصل في إسرائيل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول والسعي للتعديلات على الجهاز القضائي يمثلان عقلية اليمن الجديد”.
وأشار إلى أن عقيدة اليمين الإسرائيلي الجديد تتلخص بتكريس مبدأ الحوكمة، أي التمسك بالسلطة والحكم بأي ثمن وبغض النظر عما يحصل، قائلا إن “إسرائيل ومع تشكيل حكومة نتنياهو الحالية تسير نحو حكم المتدينين، أي إضفاء الصبغة الدينية على السلطة المدنية، وهو ما يمهد لهيمنة المتدينين على الحكم”.
وفي الحرب الإسرائيلية على غزة، يقول شلحت “تجلت هيمنة المتدينين حتى على الجيش الذي لجأ كثيرا إلى النصوص الدينية والتوراتية لتبرير الحرب، حيث تتسع ظاهرة التدين في الجيش الإسرائيلي المنقسم للجيش الرسمي، والمليشيا المسلحة التي تقام بالبلدات الإسرائيلية”.
الوعي الإسرائيلي
بدوره، استعرض الباحث في العلوم السياسية الدكتور مهند مصطفى أهداف الحرب غير المعلنة على غزة في ظل غياب أفق سياسي، مشيرا إلى أن الهدف تلخص بتوظيف الحرب من أجل التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع إلى سيناء، مما يعني نكبة جديدة، وهو المخطط الذي تم إفشاله بسبب صمود الغزيين، وكذلك الموقف المصري الرافض الذي فاجأ المؤسسة الإسرائيلية.
وسلط مصطفى الضوء على واقع القضية الفلسطينية قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول التي لم تكن حاضرة دوليا وإقليميا وعربيا وإسلاميا، حيث تم تغييبها والسعي لتجاوزها تحت غطاء اتفاقيات التطبيع.
وأشار إلى أن القضية الفلسطينية كانت أيضا في طي النسيان والتهميش، سواء من قبل المؤسسة الإسرائيلية أو من قبل المجتمع الإسرائيلي، حيث تم على مدار سنوات طويلة تغييب الفلسطيني من الوعي الإسرائيلي.
ولفت مصطفى إلى أن محاولات إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية أتت عبر بناء إستراتيجية انطلاقا من صفقة القرن عام 2020، والتي اعتمدت على 3 مكونات: توسيع المشروع الاستيطاني، والتهجير للفلسطينيين والضم، وتعزيز الانقسام الفلسطيني الجغرافي والسياسي والتنظيمي بين الضفة وغزة، قائلا إن “نتائج الحرب على غزة تحدد مكانة ومستقبل القضية الفلسطينية”.