أثار ارتفاع أسعار الأدوية في المناطق الخاضعة للنظام السوري، بنسب كبيرة، وللمرة الثالثة في أقل من عام، مخاوف بشأن الآثار التي ستترتب على المرضى في بلد يعاني معظم سكانه من فقر مدقع، مما دفع بعض النشطاء لوصف ما يحدث بأنه “حكم إعدام بطيء” على الكثير من الناس.
وكانت وزارة الصحة في دمشق، قد رفعت مؤخرا، ودون إعلان رسمي، أسعار الأدوية، بنسب تتراوح بين 70 إلى أكثر من 100 في المئة.
وكشف عن الزيادة الأخيرة، نقيب الصيادلة في دمشق، حسن ديروان، من خلال تصريحات إعلامية أدلى بها إلى إلى صحيفة “تشرين” الرسمية، أوضح فيها أن وزارة الصحة رفعت أسعار الأدوية “بين 70 إلى 100 بالمئة”.
وأكد ديروان أن النشرة الجديدة للأسعار الدوائية، شملت غالبية أصناف الأدوية، لافتا إلى أن الحبوب والكبسولات والأدوية السائلة، ارتفعت أسعارها بنسبة 70 في المئة، بينما ارتفع سعر المراهم والكريمات والبخاخات الأنفية والفموية بنسبة 100 في المئة.
وزعم ديروان أن تلك الزيادات ستساهم في “حل مشكلة انقطاع أي دواء.. حتى يبقى متوفرًا” في الأسواق.
“حكم بالموت”
وفي هذا السياق، قال قاسم، المقيم في محافظة درعا، جنوبي سوريا، متحدثا عن مأساة والده الذي كان في أواخر الخمسينيات من عمره، ومصاب بمرض السكري، لموقع الحرة: “داء السكري استفحل بجسد أبي خلال اندلاع الأزمة في البلاد منذ أكثر من 12 عاما”.
وأضاف قاسم، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن والده كان يعمل موظفا في إحدى الدوائر الحكومية وراتبه كان يزيد قليلا عن 200 ألف ليرة سورية (حوالي 14 دولارا أميركيا)، لافتا إلى أن أثمان أدويته وصلت إلى أكثر من 500 ألف ليرة، قبل وفاته.
وشدد على أن الزيادات المتسارعة في سعر الدواء، جعلت والده عاجزا عن الحصول عليه في الكثير من الأحيان، مضيفا: “حاولنا اللجوء إلى بعض الأصدقاء والأقارب لكن دون جدوى، وقبل بضعة أشهر فقد أبي الوعي لأنه لم يستطع الحصول على حقنة الإنسولين، وجرى نقله إلى مستشفى درعا الوطني”.
وتابع: “كان قد فات الأوان على ذلك، إذ انتشرت (الغرغرينا) في قدمه اليسرى، واضطر الأطباء إلى قطعها”.
وزاد: “وحتى بعد بتر ساقه، عانى والدي من عدم قدرته على شراء الأدوية المسكنة، حيث بقي يصارع الآلام دون أن تتحسن حالته، ليتوفى لاحقا”.
وشدد قاسم على أن حصل ما والده كان بمثابة “حكم بالقتل”، لافتا إلى أن هناك أقارب له يعانون نفس المرض، وليست لديهم إمكانيات لشراء الأدوية.
من جانبها، أوضحت نجلاء (اسم مستعار)، أنها تعاني من التهاب بالأعصاب (داء الاعتلال العصبي المحيطي)، لافتة إلى أنها تحتاج كل شهر علبتي دواء، سعر الواحدة منها قبل الزيادة الأخيرة كان 70 ألف ليرة، في حين أن راتبها الحالي هو 205 آلاف ليرة فقط، أي ما يعادل 15 دولارا تقريبا.
وأضافت نجلاء (51 عاما) التي تعمل موظفة في إحدى مديريات وزارة التريبة، أنها اضطرت إلى الاكتفاء بعلبة واحدة كل شهر، مؤكدة أنها “لا تعرف ماذا ستفعل بعد الزيادة الأخيرة”.
وتابعت بأسى في حديثها للحرة: “يمكننا أن نقتصد في كل شيء إلا الدواء، فهو ضروري للتعافي واستمرارية الحياة، وأتمنى من الحكومة أن تنظر بعين الرأفة لهذا الشعب المسكين، الذي لم يعد يجد قوت يومه، فما بالكم بتكاليف العلاج والدواء”.
“مجزرة كيماوي أخرى”
من جانبه، أوضح رئيس تحرير شبكة “السويداء 24″، ريان معروف، في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة”، المقيم في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، أن أسعار مسكنات الآلام ومضادات الالتهابات كانت من بين العقاقير التي ارتفعت بنسبة 100 في المئة.
ولفت إلى أن هذا النوع من الأدوية “يكثر الطلب عليه في مثل هذا الوقت من السنة، بالتزامن مع فصل شتاء شديد البرودة”.
“سابقة خطيرة”.. النظام السوري يقر قانونا لاستثمار الأملاك المصادرة
أثار مجلس الشعب (البرلمان) السوري، الكثير من الجدل بعد أن أقر، مؤخرا، مشروع قانون يتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم، حيث اعتبره بعض المحللين أنه يستهدف عشرات آلاف، وربما مئات آلاف الممتلكات، من أراض ومبان ومصالح تجارية تعود ملكيتها لمعارضي نظام بشار الأسد.
وشدد معروف على أن “هناك عائلات كثيرة اليوم عاجزة عن شراء حتى أبسط أنواع الأدوية، وتلجأ أحيانا لجمعيات خيرية أو فعاليات أهلية للحصول عليها، ناهيك عن أدوية الأمراض المزمنة، كأدوية القلب والكلى وغيرها”.
وأضاف: “لقد كان القرار صادماً لمعظم السوريين، في ظل هذه الضائقة المعيشية”.
وبدوره، قارن المعارض السوري البارز، ماهر شرف الدين، عبر قناته على “يوتيوب”، الارتفاعات الكبيرة في أسعار الدواء بـ”مجزرة الكيماوي التي ارتكبها نظام بشار الأسد قبل نحو عقد في غوطة دمشق، وأدت إلى مقتل أكثر من 1200 شخص، من بينهم نسبة كبيرة من الأطفال والنساء”.
ورأى شرف الدين أن ما يحدث هذه المرة هو “مجزرة كيماوي جديدة”، باعتبار أن الدواء “عبارة عن مستحضرات كيماوية”.
وتابع: “لكن هذه المجزرة ستكون أشد وأقسى، لأنها ستودي بحياة عشرات آلاف السوريين العاجزين عن شراء الأدوية التي يحتاجونها”.
وتابع: “بحسبة بسيطة، فإن من كان يدفع ثمن الدواء 100 ألف ليرة سورية (8 دولارات تقريبا) في بداية هذا العام، أصبح مضطرا عقب الزيادات الأخيرة، إلى دفع 540 ألف ليرة (حوالي 36 دولارا)، فكيف سيكون حال من كان ينفق مليون ليرة أو أكثر على علاجه كل شهر؟”.
وأردف بسخرية مؤلمة: “كنا سابقا نقول إن الناس في سوريا تبيع أرضها وأملاكها حتى تستطيع الهجرة والسفر، لكن الآن سيكونون مجبورين على بيع ما لديهم لتأمين ثمن دوائهم”.
آثار مؤلمة على بقية المناطق
وارتفاع أسعار الدواء لن تكون آثار محصورة على المدن والبلدات والقرى الخاضعة لسيطرة النظام، كما يوضح مسؤول البرنامج الطبي بفريق ملهم التطوعي، الدكتور فيصل موسى، الذي أكد أن المناطق التي تديرها المعارضة “سيتأثر سكانها سلبا” بذلك القرار.
وقال موسى في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة”: “ارتفعت أسعار الأدوية أكثر من 50 في المئة من السعر الأساسي، وبالتالي فإن ذلك سيرجع بالضرر على كل الناس بالمنطقة، بحكم أن معظم الناس هنا دون دخل ثابت، أو بدخل محدود جداً”.
وفي نفس السياق، قال الصيدلاني المقيم في منطقة خاضعة للمعارضة في سوريا، محمود السبع، لموقع الحرة، إن المواطن السوري في تلك المناطق، “تأثر بشكل مباشر بارتفاع أسعار الدواء”.
“النساء ثم اليافعين”.. تقرير يسجل 62 حالة انتحار في شمال غرب سوريا
سجل فريق “منسقو الاستجابة” الإنساني 62 حالة انتحار في مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، منذ بداية العام الحالي.
واعتبر أن هذه المناطق “تأثرت أكثر، بسبب الإتوات (الرسوم) المفروضة من الفرقة الرابعة (التابعة لماهر الأسد) والميليشيات الإيرانية، على شحن الأدوية إلى شمالي سوريا”.
وزاد: “تخيلوا أن كل قطعة دواء من نوع الحبوب يفرض عليها إتاوة بقيمة 20 سنتا أميركيا، وعلبة الشراب حوالي نصف دولار، مما يعني أن السعر سيزيد مقارنة بمناطق النظام، ناهيك عن جودة الأدوية التي ترسل لتلك المناطق (الأقل مقارنة بالأدوية الأجنبية)”.
وبشأن الحلول الممكنة لهذه الأزمة، رأى مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في تصريحات إلى موقع “الحرة”، أن “أسعار جميع المواد ترتفع في البلاد بما يفوق طاقة الناس، لكن يبقى الدواء حاجة ضرورية تتعلق بحياة البشر وسلامتهم، ولا يمكن الاقتصاد أو التوفير فيه”.
وأضاف: “النظام في سوريا يرفض أي حلول وتسويات سياسية لأزمة البلاد، ويتخذ من المواطنين رهائن، وبالتالي لا يتخذ أي خطوات لتحسين أوضاعهم المزرية. ورغم أن العقوبات الدولية تستثني الغذاء والدواء، فإنه لا توجد شركات أجنبية مستعدة لأن تعمل داخل سوريا، خوفا من تعرضها لأية عقوبات”.
سابقة.. هولندا تحاكم عنصرا بميليشيا فلسطينية موالية للنظام السوري بـ”جرائم حرب”
في سابقة هي الأولى من نوعها، تشهد هولندا محاكمة عناصر قاتل في صفوف ما بات يعرف باسم “لواء القدس” الفلسطيني التابع لقوات النظام السوري، والذي أشيع عنه المشاركة في اقتراف جرائم حرب وممارسة انتهاكات لحقوق الإنسان.
وشدد عبد الغني على أن “نظام الأسد يسعى عبر مثل هذه الخطوات، كرفع أسعار الدواء، للضغط على المجتمع الدولي من أجل تعويمه (النظام السوري) مرة أخرى، والاعتراف بسلطته القمعية على البلد”.
وختم بالقول: “الحكم الديكتاتوري لا يريد أن يقدم أي تنازلات مهما كانت بسيطة، مثل الإفراج عن المعتقلين، وبالتالي هو يتابع ابتزاز المجتمع الدولي من خلال التضييق على السوريين في قوتهم وصحتهم، حتى لو أدى ذلك لمقتل الملايين من الأبرياء”.