أفاد تقرير جديد صادر من الأمم المتحدة أنه استنادا إلى البيانات الصادرة من 101 دولة تعد طرفا في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فإن 1.84 مليار شخص حول العالم معرضون للجفاف، وجزء منهم معرض للجفاف الشديد أو الشديد جدا. ويعني ذلك تقريبا أن واحدا من كل أربعة أشخاص من سكان الكوكب معرض للجفاف.
وبحسب التقرير الذي صدر خلال الأسبوع الأول من ديسمبر/ كانون الأول الجاري بعنوان “لمحات عن الجفاف 2023″، فإن عبء الجفاف العالمي يقع على أشد الناس فقرا بشكل أساسي، حيث يعيش 85% من المتضررين من الجفاف في بلدان ذات دخل متوسط ومنخفض.
الجفاف وتغير المناخ
ويعرف الجفاف بأنه فترة زمنية تشهد فيها منطقة ما هطولا أقل من المعتاد للأمطار، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض رطوبة التربة والمياه الجوفية وانخفاض تدفق المجاري المائية، وبالتالي نقص عام في المياه وتلف المحاصيل.
ويرتبط الجفاف بالتغير المناخي بشكل مباشر، حيث تعزز درجات الحرارة المرتفعة عملية التبخر، مما يقلل من المياه السطحية ويجفف التربة والنباتات.
وإلى جانب ذلك، تتسبب درجات الحرارة الأكثر دفئا في فصل الشتاء بهطول كميات أقل من الأمطار على البحيرات التي تعد موارد رئيسية للأنهار، الأمر الذي يخفض كمية المياه التي تتدفق إلى المناطق التي تواجه الجفاف.
وإلى جانب ذلك وجدت بعض الأبحاث أن ارتفاع درجة الحرارة يزيد من تقلبات هطول الأمطار، مما يعني أنه سيكون هناك فترات أكثر جفافا، وحتى حينما تأتي فترات الأمطار فإن المياه الساقطة ستجري على الأرض الجافة ولا تُمتص بسهولة، مما يرفع من احتمالات حصول الفيضانات.
وفي دراسة أجريت عام 2020 ونشرت في مجلة “ساينس”، أشار الباحثون إلى أن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان يمثل 46% من الأسباب في حدوث الجفاف الضخم الذي ضرب مناطق مثل غرب الولايات المتحدة وشمال المكسيك خلال العقدين الماضيين.
العالم يتغير
وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن الجفاف العالمي يؤدي إلى الهجرة القسرية، حيث إن 98% من حالات النزوح الجديدة الناجمة عن الكوارث والبالغ عددها 32.6 مليونا في عام 2022 كانت نتيجة المخاطر المرتبطة بالطقس مثل العواصف والفيضانات والجفاف.
ويعبر اصطلاح الهجرة المناخية عن هؤلاء الذين تركوا بيوتهم نتيجة لتغيرات المناخ، وبشكل عام أدت موجات الحر والجفاف الناجمة عن تغير المناخ إلى خفض النمو الاقتصادي العالمي بما يصل إلى 29.3 تريليون دولار أميركي بين عامي 1992 و2013، وتظهر تلك المشكلات بشكل خاص في المناطق الهشة مثل أفريقيا جنوبي الصحراء.
وبشكل عالمي، تتوقع منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة أن يكون هناك مليار مهاجر نتيجة للظروف المناخية بحلول نصف القرن، ويعد هذا التقدير متفائلا حيث ترى نماذج أخرى أن العدد سيصل إلى ما بين 1.2 و1.4 مليار مهاجر.
الجفاف يتصاعد
ويوضح تقرير “لمحات عن الجفاف 2023” أن آثار الجفاف آخذة في الارتفاع، وأكبر دليل على ذلك هو ما حصل في عام 2022 حين شهدت أوروبا أشد صيف لها وثاني أدفأ عام على الإطلاق، وبالتالي أكبر منطقة متأثرة بالجفاف بشكل عام مقارنة بالمتوسط السنوي خلال أكثر من عقدين من الزمن.
ويتوقع التقرير أنه بحلول نهاية القرن، ستتضاعف مدة الجفاف المعتدل والشديد والاستثنائي في العديد من مناطق الصين، وستزداد شدة الجفاف بأكثر من 80%.
والأسوأ من ذلك بحسب التقرير أن الجفاف يؤثر بشكل متنوع في البيئة الأرضية، فمثلا يؤثر الجفاف بشدة على النظم الإيكولوجية المتجانسة، فيؤدي إلى هجرة أو حتى انقراض كائن حي بكامل أفراده.
ويمكن للجفاف كذلك أن يعرض مصادر الطاقة الأولية للخطر. فعلى سبيل المثال، عند انخفاض مستويات المياه تنخفض قدرات التبريد لمحطات توليد الطاقة، ويمكن كذلك أن تتأثر منشآت الطاقة الكهرومائية عند نقص المياه.
وعلى سبيل المثال، انخفض توليد الطاقة الكهرومائية بنسبة 44% بشكل عام في إسبانيا بسبب موجة الجفاف الأخيرة. وبالنسبة للنرويج التي تعتمد على الطاقة الكهرومائية بنحو 90% من توليد الكهرباء، فإن المستويات المنخفضة بشكل غير عادي لخزاناتها المائية ألزمتها بالحد من صادرات الطاقة.
وإلى جانب ذلك، يتعرض الاقتصاد المبني على الزراعة لمشكلات كبرى، ففي الأرجنتين مثلا، من المتوقع أن يكون إنتاج فول الصويا بحلول نهاية العام الحالي أقل بنسبة 44% من متوسط السنوات الخمس السابقة، ومن المتوقع أن يكون محصول الصويا هو الأدنى منذ عام 1988.
ويمتد الأمر إلى الأثر الاقتصادي المباشر، حيث يتطلب التخطيط لموجات الجفاف الشديدة القصيرة نحو أربعة أضعاف كلفة التخطيط لموجات الجفاف الخفيفة الطويلة.
العمل على المستقبل
وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإنه مع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة خلال هذا القرن، من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم المعرضين للجفاف الشديد إلى الجفاف الاستثنائي من 3% إلى 8%
ويوضح التقرير أن الحرارة الشديدة والجفاف سيضربان 90% من سكان العالم في مرحلة ما، وهذا بدوره سيضعف من قدرة البشر على اتخاذ تدابير مناسبة لمواجهة التغير المناخي المتفاقم.
ولهذه الأسباب، فإن العمل على تطوير نماذج التنمية المستدامة عالميا بات ضرورة وليس مجرد اختيار، حيث يمكن للتنمية المستدامة أن تقلل من تعرض السكان للجفاف بنسبة 70% مقارنة بالتنمية المعتمدة على الوقود الأحفوري، بحسب التقرير.