الخرطوم- تجدد التوتر بين السودان والهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا “إيغاد” إثر رفض الخارجية السودانية نقاطا جوهرية وردت في البيان الختامي للقمة الطارئة لزعماء دول المنظمة التي كرست لبحث الأزمة السودانية، وأقرت خطوات لوقف الحرب، المستمرة منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، مما يهدد بإطالة أمد الحرب حسب محللين.
وأعلنت وزارة الخارجية السودانية، الأحد، تحفظها على مسودة البيان الختامي لقمة قادة ورؤساء حكومات “إيغاد” التي عقدت السبت في جيبوتي، وقالت إن مسودة البيان وصلت متأخرة.
واشترط رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إقرار وقف دائم لإطلاق النار في البلاد، وخروج قوات الدعم السريع من الخرطوم قبل لقاء قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وفق ما جاء في بيان الخارجية السودانية.
واندلع التوتر بين السودان و”إيغاد” في يوليو/تموز الماضي عندما انسحب وفد السودان من قمة زعماء دول المنطقة التي عقدت في العاصمة الإثيوبية احتجاجا على تولي الرئيس الكيني وليام روتو اللجنة الرباعية المعنية بحل الأزمة السودانية بعد اتهامه بعدم الحياد، ولوح السودان بتعليق عضويته في المنظمة الأفريقية التي كان أبرز مؤسسيها عام 1996.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي زار رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان غالبية دول “إيغاد”، وشملت جولته كينيا وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتي وتم تجاوز التوتر، وطلب البرهان عقد قمة لزعماء دول المنطقة لتبني خطوات تؤدي لوقف الحرب في بلاده.
وتبنت القمة التي استضافتها جيبوتي عقد لقاء مباشر بين البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” بعد 15 يوما للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، كما أقرت مظلة موسعة من 22 دولة ومنظمات إقليمية ودولية معنية بملف السودان، وآلية من “إيغاد” والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لمعالجة الأزمة وابتدار عملية سياسية تجمع الفرقاء السودانيين.
أصابع خارجية
ويكشف وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق عن أن تدخل أطراف خارجية وضغوط من جهات أفريقية وإقليمية على “إيغاد” أدت إلى عدم استيعاب ملاحظات وزارته على مشروع البيان الذي أرسل إليها في اليوم التالي لانعقاد القمة، وصدر بطريقة معيبة لا يعبر عن القمة، ولا الشروط التي حددها البرهان للقاء حميدتي.
وذكر في حديث بثه تلفزيون السودان الرسمي مساء أمس الاثنين، أن البرهان اشترط خروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان المدنية، وجمعهم في مناطق خارج المدن ووقف شامل لإطلاق النار قبل لقاء حميدتي، بينما أورد البيان أن هناك اتفاقا على لقاء بلا شروط مسبقة.
ويوضح أن الرئيس الكيني أجرى اتصالا هاتفيا مع حميدتي، كما التقى بعض قادة دول “إيغاد” مع وزير الدولة للخارجية الإماراتي وقيادات من الدعم السريع عقب القمة، ولا ينبغي أن تكون تلك اللقاءات جزءا من البيان الختامي للقمة.
ويقول علي الصادق إنه تلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الجيبوتي قبل يوم من القمة نقل إليه رغبة الرئيس إسماعيل عمر جيلي في دعوة قيادات من الدعم السريع لحضور القمة، لكن “أبلغناه رفضنا لحضور أي مليشيا أو متمردين باعتبار أن القمة معني بها زعماء دول المنطقة فقط”، واعتبر ما جرى مؤامرة تستهدف السودان.
حميدتي يشترط
وفي المقابل، رحبت قوات الدعم السريع بنتائج القمة الاستثنائية لـ”إيغاد” وقالت إنها تلقت دعوة رسمية لحضور القمة، وقبلتها بشرط أن يحضر ممثل الطرف الآخر بصفته ممثلا للقوات المسلحة فقط.
وجاء في بيان لقوات الدعم السريع “اتضح أن البرهان حضر بصفته رئيسا لمجلس السيادة، وهو لا يملك الشرعية الدستورية أو القانونية، ولا الشرعية في الأرض التي تؤهله للمنصب، ولذلك امتنع وفدنا عن حضور الجلسة الرسمية، رغم وجوده في مقر انعقاد القمة”.
وقال إن “وفد الدعم السريع عقد اجتماعا مع الزعماء المشاركين في القمة كما تحدث معهم حميدتي هاتفيا”، مؤكدا رغبة الدعم السريع في وقف إطلاق النار والمضي قدما في عملية سياسية بشرط أن تقود إلى معالجة جذور الأزمة في السودان.
وطلب المجتمعون -حسب البيان- من حميدتي عقد لقاء رسمي مع البرهان، ووافق بشرط أن يأتي للاجتماع المقترح بصفته قائدا للجيش، وليس رئيسا لمجلس السيادة.
انهيار الثقة
ويرى الباحث في الشؤون الأفريقية عباس محمد صالح، أن السودان يتعامل بحسن نية في غير محلها مع المنظمات الإقليمية مثل “إيغاد” التي لا تتسم بالولاء الصارم للمؤسسية والتقيد بمبادئ التوافق واحترام مواقف الدول الأعضاء.
وفي حديث للجزيرة نت يعتبر الباحث اعتراض السودان على البيان الختامي للقمة الأفريقية سابقة خطيرة يطرح تساؤلات حول مدى قدرة المنظمة على الاطلاع بدور الوسيط المحايد المبرأ من المؤثرات الخارجية، على رغم الدعم الدولي الكبير للمؤسسات الأفريقية بصفتها صاحبة المصلحة وشريكا في السلم والأمن.
ويعتقد صالح أن تحفظات السودان تتعلق بقضايا جوهرية لا يمكن تجاوزها إلا بتضمينها في بيان جديد، وهذا ليس واردا، أو أن يتجاهل السودان مخرجات القمة وعدم التعاطي معها وبالتالي ستبقى عالقة.
ويوضح أن البرهان وقع في فخ نصب بعناية فتفاهماته مع الرئيسين الكيني والجيبوتي ورئيس الوزراء الإثيوبي التي مهدت للقمة ذهبت أدراج الرياح، ونسف جسور الثقة مع هذه الأطراف.
ويضيف أن التوتر بين السودان والمنظمة الأفريقية سيعطل دور المنظمة والاتحاد الأفريقي ويخلق فراغا، مما يشجع على “دبلوماسية الشيكات المالية” في داخل المؤسسات الإقليمية، مما يقود إلى تنافس بين الفاعلين في المنظمة على حساب حل الأزمة السودانية.
ويرى الباحث أن ثمة مؤشرات على تجاوز منبر جدة الذي ترعاه الولايات المتحدة والسعودية، لتعثره في إيقاف الحرب، في ظل شكوى الأفارقة من التهميش، لكن التوتر الذي أثاره بيان “إيغاد” أضاع فرصة لبروز وساطة جديدة بقيادة أفريقية، كما يضع المؤسسات الأفريقية في موضع شك، ويطعن في قدرتها على تولي الوساطة لحل أزمة السودان وإنهاء أي صراعات أخرى تعج بها القارة السمراء.
لا أفق للحل
من جانبه، يعتقد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي خالد التجاني أن منظمة “إيغاد” لا تملك مقدرات كافية لتؤدي دورا في قضايا المنطقة، وتستخدم من أطراف خارجية، وتكرار أزمتها مع السودان يشير إلى أنها مقصودة وليست مصادفة.
ويقول التجاني للجزيرة نت إن “إصدار بيان من القمة ليس محل اتفاق لا يدعو للاطمئنان إلى وسيط يتسم بالنزاهة، ويرى أن قرار العودة إلى “إيغاد” لم يأخذ في الاعتبار تجاربها السالبة السابقة في السودان”.
وعن فرص نجاح جهود المنظمة الأفريقية يوضح التجاني أن هناك انعداما للثقة، ولا توجد أجواء ملاءمة للمفاوضات بين أطراف القتال، الأمر الذي سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب.
ويرى أنه لا حل خارجيا للأزمة السودانية، لأن الجهات الأجنبية أجنداتها متضاربة، ولا تتوفر إرادة وطنية لإيقاف الحرب.
وعن مآلات الأوضاع في السودان يعتقد التجاني أنه كلما استمرت التدخلات الأجنبية تعقدت الأزمة، ولا يوجد حل سياسي في الأفق، مما يجعل منطق الحرب والبندقية هو السائد خلال المرحلة المقبلة.