الأسيرة المحررة لمى خاطر: هكذا تعامل الأسيرات بسجون إسرائيل

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 13 دقيقة للقراءة

الخليل- قالت الكاتبة والأسيرة الفلسطينية المحررة لمى خاطر، إن الاحتلال الإسرائيلي فقد عقله ويتعمد إلى جنب الإيذاء الجسدي، إحداث إيذاء نفسي بحق المعتقلين الفلسطينيين، خاصة من الأطفال والنساء، بشكل مختلف عن أي وقت سابق.

وأعربت الأسيرة المحررة في الدفعة السادسة فجر الخميس 30 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، في حديثها للجزيرة نت، عن استغرابها لتسخير الاحتلال إمكانات هائلة وكبار الضباط، وحتى وزراء لتتبع وملاحقة منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، واعتقال المئات على خلفية منشوراتهم، وفسّرت ذلك بأنه تعبير عن الإفلاس والإخفاق.

وتطرقت إلى ما حملته تجربتها الاعتقالية الثانية من تهديد ووعيد وإهانة، معدّة ذلك محاولة لردع مجتمع الرجال بالمساس بالفئة الأضعف وهي النساء والأطفال.

مع ذلك قالت، إن ما يتعرض له الأسرى متوقع من دولة محتلة، لكنه لا يقارن بما يتعرض له قطاع غزة، مبدية إعجابها بمقاومته.

وفيما يلي نص الحوار كاملا مع الكاتبة الفلسطينية.

  • بداية حدّثينا عن لحظات اعتقالك في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما المختلف عن اعتقالك في 2018؟

طريقة الاعتقال هذه المرة تختلف تماما عن المرة السابقة، شعرت وكأنها التجربة الاعتقالية الأولى من ناحية القسوة والهمجية وطريقة التعامل ومستوى الغل والحقد ومحاولة الإيذاء الجسدي والنفسي لي وللعائلة، وحتى المنزل حطمت وخربت معظم محتوياته.

قرابة الساعة الثانية فجرا دهم نحو 20 جنديا، جميعهم ملثمون، منزلي على عجل، وبالكاد تمكنت من ارتداء جلبابي وحجابي. أجلسوني مع أولادي وزوجي في زاوية بالمنزل دون أن يسمحوا لنا بالحركة، وحتى استخدام المرحاض الذي كنت بأمسّ الحاجة له.

وصل ضابط المنطقة في المخابرات الإسرائيلية، وبدأ كلامه بالقول “سمعت أنه في زبالة في هاي الدار جيت أنظفها” في إشارة إليّ وإلى زوجي، وبدأ يوجه لنا كلاما بذيئا جدا، وعندما طلب منه زوجي عدم تكرار ألفاظه أمام الأطفال، قال “هذا لا يهمني، لم يعُد هناك قوانين في التعامل معكم، وكل شيء مباح”.

  • ما نوع التهديدات التي وُجهت لك ولزوجك؟

وُجّه لي ولزوجي تهديدات كبيرة مدعيا أنه حذّر زوجي من سلوكي، وأني أحرّض الناس في الخليل كي يشاركوا في المسيرات، وأني كنت “مبسوطة” يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأكتب على مواقع التواصل.

هددنا بالقتل، كان يتحدث بلغة إجرامية وكلمات بذيئة، سرقوا هاتفي وأجهزة الحاسوب المحمولة التي يستخدمها أولادي للدراسة، مزقوا ملابسي، حتى النفايات ألقوا بها أرضا، وأفسدوا المواد التموينية كالأرز والسكر والطحين بحجة التفتيش، قطعوا أسلاك الثلاجة والغسالة، وتكرر ذلك مرتين خلال اعتقالي، إحداها بعد اعتقال زوجي خلال اعتقالي.

  • ماذا عن طريقة التعامل خلال نقلك إلى السجن؟

فور اعتقالي قيدوني وأغمضوا عيناي وألقوا بي في أرضية المركبة العسكرية بين أقدام الجنود، وكنت أشعر بسقوط أغراضهم عليّ وأسمع شتائمهم، وصلت إلى معسكر للجيش في محيط الخليل، وكان الاستقبال بكلمة “دواعش حماس” و”أهلا بك في جهنم”.

في المعسكر أجلسوني مغمضة العينين على كرسي في مكان قد يكون غرفة تحقيق، وهددني شخص، قدّرت بأنه ضابط مخابرات، بالقول، إن معه 20 جنديا ويفكرون في اغتصابي، كما فعلت حماس بالبنات اليهوديات. رددت عليه بأن كلامه غير صحيح وأنه لم يحدث اغتصاب، إنما ادّعاءات إعلامية ليمارس جنودهم المجازر في غزة. ردّ بألفاظ مقززة لا يمكن ذكرها، وقال، إني لن أغير رأيي حتى يُفعل بي وببنتي الفعل نفسه.

هددني -أيضا- بالذهاب إلى بيتي وحبس أولادي وحرقهم، وبأنه يجري تحضير حفل استقبال لي في سجن عوفر يقصد التحقيق، وأني لن أخرج من السجن.

  • وماذا وجدت في سجن عوفر حيث التحقيق؟

هناك وضعوني في زنزانة على البلاط ولم يسمحوا لي ولو بشربة ماء أو طعام، وتكرر التحقيق نفسه، وتهمة النشاط في حماس، والمشاركة في فعاليات والكتابة على مواقع التواصل دون أي أدلة.

بعد انتهاء التحقيق في سجن عوفر نقلوني إلى سجن هشارون، وهو مركز توقيف مؤقت قبيل النقل إلى سجن الدامون للأسيرات، هناك حبسوني مع 5 أسيرات في زنزانة انفرادية مخصصة لشخص واحد، كان بها أسير جنائي يهودي مصاب بمرض جلدي مُعْد، وأحضروا لنا 3 فرشات و3 بطانيات. كنا ننام بالتناوب، ولا نستطيع الجلوس بحرية.

مضت 24 ساعة بلا طعام، ثم قدموا لنا 3 وجبات من الخبز وعلب شمينت (زبادي) بوزن 20 غراما تقريبا للعلبة، مع 3 حبات صغيرة بندورة، و3 حبات خيار لكل الأسيرات.

أما عن قضاء الحاجة فكان المرحاض دون باب وبمواجهة باب الزنزانة، ومن تستخدمه تحتاج إلى مساعدة أسيرات أخريات لوضع البطانية لتسترها.

بقينا على هذه الحالة 4 أيام، بعدها نقلونا إلى سجن الدامون، وتعرضنا هناك للقمع حيث أخرجت المجندات كل مقتنيات الأسيرات، بما في ذلك الطعام والفراش والبطانيات، وعدنا فرادى بعد التفتيش العاري، وكثير من الكلمات البذيئة، وكان هذا من أصعب المواقف.

  • ما الفرق في ظروف سجن الدامون اليوم مع فترة اعتقالك السابقة؟

التضييقات شديدة، لا يوجد أي جهاز كهربائي أو تلفاز أو راديو أو تواصل مع الأهل، فضلا عن الاكتظاظ. لا يوجد إلا القليل من الطعام السيئ كمّا ونوعا، بعض الأسيرات لم يأكلن إلا الخبز والملح. الغرف تفتح نصف ساعة فقط يوميا للاستحمام وغسيل الملابس.

  • ما تفسيرك لهذه الطريقة في التعامل، خلافا لاعتقالات سابقة؟

المقصود هو الإيذاء النفسي خاصة للبنات المعتقلات لأول مرة، ما يعكس حجم الحقد والوحشية لدى السجانين.

كنا في عزلة تامة، نشعر وكأننا في صراع مع الزمن، أوقات رتيبة وزمن يمشي ببطء شديد، لا يوجد أي شيء نعمله، حتى الكتب مصادرة.

  • سمعنا شهادات لأسيرات تعرضن للضرب، كيف يحدث ذلك؟

نعم هناك أسيرات تعرضن للضرب في سجن الشارون خلال القمع والتفتيش، وفي سجن الدامون تعرضن للضرب المبرح والقمع مرتين في 7 و19 أكتوبر/تشرين الأول الفائت، وضُربن بالغاز من مسافة صفر وداخل غرفهن، وهذا نوع من الانتقام.

  • ماذا عن إجراءات المحاكمة للأسيرات، هل تجرى لهن جلسات فعلية؟

أنا حوكمت بعد أسبوعين من اعتقالي، بالسجن الإداري 6 أشهر، والسجن الإداري يكون عند عدم القدرة على إثبات التهم وغير محدد بسقف زمني. أما المحاكمة فهي شكلية ومن خلال تطبيق زووم، بحيث كنا ننقل إلى غرفة في السجن بينما المحكمة في سجن عوفر.

  • هل هناك من أوصل معاناة الأسيرات للقضاة؟

كنا نشرح للقاضي ظروف السجن دون جدوى، وحين زارني المحامي، ونقلت له صورة المعاناة وأوصلها للإعلام، أخضعوني للتحقيق وعاقبوني بمنع زيارات المحامين. وهذا حدث مع أسيرات أخريات تحدثن بمعاناتهن مع المحامين.

  • منذ بدء العدوان على غزة، تزايد اعتقال النساء، لماذا بتقديرك؟

هذه سياسة لمحاولة كسر المحرّمات داخل المجتمع الفلسطيني، ومحاولة إيقاع الإيذاء النفسي لمجتمع الرجال في فلسطين كنوع من الانتقام ومحاولة الردع. كما أنه نتاج غضب شديد بعد صدمة كبيرة لإسرائيل التي تتعرض لضربة إستراتيجية في معركة طوفان الأقصى، العملية كسرت هيبة الاحتلال وغطرسته ومرّغت أنفه في التراب.

يحاولون تفريغ أحقادهم في الفئات الضعيفة في المجتمع، التي يعتقدون أن المساس بها قد يؤثر في الرجال. واضح أن إسرائيل فقدت عقلها على كل المستويات.

أضف إلى ذلك محاولة استخدام أكبر عدد من النساء رهائن لصفقة محتملة، وهذا ما حصل، وينطبق على أسيرات غزة المعتقلات بشكل عشوائي من بين النازحين.

  • لوحظ في الشهرين الماضيين تزايد الاعتقال على خلفية الكتابة على شبكات التواصل الاجتماعي، لماذا؟

أمر يثير الاستغراب بالفعل، لم نفهم حجم السخافة في معايير الاعتقال إلا عندما دخلنا السجن، واكتشفنا أن بعض الأسيرات اعتقلن بسبب مشاركة دعاء أو آية قرآنية فُهم منها التضامن مع غزة، خاصة أسيرات الداخل (48)، واتهمن بالتحريض.

إحدى الأسيرات اعتقلت لأنها كتبت عبارة “يا رب التوفيق والسداد” لأمر شخصي صبيحة 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجرى اعتقالها.

من طريق التعامل وتحريك الجيش واقتحام البيوت، يظن الأسير أو الأسيرة أنه أمام تهمة خطيرة، ثم يتبين أنها كتابة أو مشاركة منشور على فيسبوك، يخضع بسببها للتحقيق، وتتعامل معه النيابة والقاضي وحتى السجانين وكأنه ارتكب جرما كبيرا.

هذا برأيي مؤشر سخافة، أن ينشغل كبار ضباط الشاباك وبرتب عالية بعبارات أو منشورات أو مقابلات أو تحليلات صحفية.

  • بينما تخوض بلاده حربا في غزة، ينشغل وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير في التضييق على الأسرى ونشر صور معتقلين بسبب منشورات على فيسبوك، ما تفسيرك لذلك؟

فعلا سؤال يطرح نفسه، وهل يمكن أن نُعدّ اعتقال امرأة أو طفل من المنزل على منشور صغير إنجازا كبيرا يستحق تصويره ونشره؟ لا يمكن للاحتلال أن يجبر إنسانا لينظر للأمور من عينه أو من منظار إسرائيلي. ومن الطبيعي أن يتعاطف الفلسطيني مع غزة ومقاومتها، بينما الأرواح تقتل كل يوم والبيوت تدمر.

ما يفعله بن غفير وحتى ضباط الشاباك في المناطق الذين ينشرون على صفحاتهم صور المعتقلين مقيدي الأيدي، كله تعبير عن إفلاس كبير للمؤسسة العسكرية، من أكبر قيادي فيها حتى أصغر جندي.

  • ماذا عن ساعات ما قبل الإفراج وكيف مرّت بالأسيرات المحررات؟

كانت ساعات عصيبة جدا، نقلونا من سجن الدامون الساعة التاسعة والنصف صباحا، بعد تفتيش عار ومهين ومقابلة مخابرات السجن وسيل من التهديد والوعيد، إلى سجن عوفر الذي وصلناه الساعة الثانية ظهرا. وضعونا في زنزانة انفرادية باردة على البلاط ودون طعام حتى الإفراج عنا عند الثانية من فجر اليوم التالي.

  • قلت: إن الأسيرات تعرضن للتهديد، ما طبيعته؟ وهل من شروط للإفراج؟

في سجن الدامون هُدّدنا باقتحام المنازل وإعادة الاعتقال إذا أقمنا مظاهر احتفالية أو استقبلنا مهنئين، أو أجرينا مقابلات صحفية، هددونا بالمحاسبة ومضاعفة العقوبة فيما بعد.

وفي سجن عوفر وقبيل الإفراج اقتادونا إلى التحقيق مجددا، مع وجود 6 ضباط، تعرضنا لتهديد قميء ورخيص، مع استدعاء الكلام السابق نفسه والألفاظ البذيئة.

قالوا، إن الصفقة لا تهمهم، وحذّروني من كتابة أي حرف على مواقع التواصل، وأنه مع أي مقابلة سأكون أول أسيرة تعود إلى السجن وتحاسب.

خلال ساعات ما قبل الإفراج حاولوا جعل الإفراج خالٍ من أي مضمون، وصلنا حافلات الصليب في حالة تعب وإرهاق نتيجة الإنهاك والبرد والجوع.

  • ألا تخشين تنفيذ التهديدات وإعادة اعتقالك بعد الحديث عن تجربتك لوسائل الإعلام؟

أقلّ ما يمكن للإنسان فعله أن يعبّر المرء عن رأيه في الاحتلال، وليس للسجين أن يرضخ لإرادة السجان أو ينفذ (أجندته)، حتى لو كان هناك كلفة. بالنسبة لنا كوننا فلسطينيين، فإن معركة غزة حرّرت كثيرا من الوعي، وحررت الإنسان من المخاوف على أمور يسيرة، خاصة إذا ما قارنا أنفسنا وكل الأذى الذي تعرضنا له، مع ما يحدث لأهلنا في غزة من مجازر وتدمير.

  • هل من إضافة أخيرة؟

كل ما مر بنا من سجن واعتقال وتخريب منازل وتهديد يأتي في ظل حرب يعتقد أنها وجودية بالنسبة له، وبالنسبة لنا رفعت غزة رؤوسنا عاليا في الأداء المبهر لمقاومة لا يمكن أن تخيفها كل سياسات الاحتلال وتهديداته وإجراءاته.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *