الدوحة- تواجه محاولات التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري دعوات من الأقطار العربية المصدّرة للنفط، من أجل ضمان تحولات عادلة ونزيهة في مجال الطاقة، وتدفع دول بأن كل دولة لديها مزيجها الخاص، في حين تدعو بعضها إلى ترك كل دولة لتنفيذ التحول وفق سياساتها واستثماراتها الوطنية، حسبما أظهر المؤتمر العربي للطاقة الـ12.
ويشهد المؤتمر -الذي يقام تحت شعار “الطاقة والتعاون العربي” في الدوحة على مدار يومين- مشاركة وفود رسمية من جميع الدول العربية، ومجموعة من كبار المسؤولين والشخصيات، ونخبة من الباحثين والمختصين في شؤون البترول والطاقة في مؤسسات عربية والدولية.
كما يأتي المؤتمر-الذي تنظمه منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)- بالتزامن مع آخر أيام مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، بشأن تغير المناخ (كوب 28) المنعقد في الإمارات منذ نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وناقشت جلسة “التطورات الدولية في أسواق الطاقة وانعكاساتها على قطاع الطاقة العربي” آليات تطوير وتنمية الموارد الأحفورية، وتوفيرها بطرق قليلة الانبعاثات وآمنة للبيئة لتوفير احتياجات الشعوب، وتحقيق التنمية الاقتصادية، فضلا عن استخدامها في الانتقال الطاقي.
مصادر غير مستدامة
قال وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للطاقة سعد بن شريدة الكعبي، إن بعض مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء؛ مثل: الشمس والرياح غير متوفرة في كثير من الدول، وغير مستدامة بها مقارنة بالطاقة الأحفورية.
وأضاف، أن ثمة نقطة أساسية لا يتم التطرق إليها في التحول الطاقي، وهي كيفية استبدال المنتجات التي تخرج من النفط والغاز؛ مثل: كثير من صناعات البتروكيماويات والجلود والملابس وغيرها، التي سيكون استبدالها من الأمور الصعبة.
وعدّ الكعبي أن دور منتجي النفط والغاز هو الإنتاج بطريقة تحافظ على البيئة، وتحدّ من الانبعاثات الكربونية، وضرب مثلا بدولة قطر التي تلتقط خلال الإنتاج ثاني أكسيد الكربون وتحقنه تحت الأرض بمعدل 2.5 مليون طن سنويا، فضلا عن أن أكثر من 75 ناقلة تستخدم الغاز المسال وقودا، بالإضافة إلى استخدام الطاقة الشمسية بنسبة 10% من الطاقة المستخدمة في البلاد.
وأيّده وزير البترول والثروة المعدنية المصري، طارق الملا في رؤيته بشأن أهمية التوازن بين تحقيق التنمية والتحول الطاقي، وتطرق إلى ممارسة الضغوط على النفط كمصدر للطاقة، وعدم النظر إلى الفحم المصدّر الأكثر انبعاثا للكربون، الذي لا تزال بعض الدول الكبرى تستخدمه حتى اليوم، ويمثل نحو 30% أو 40% من مزيجها الطاقي.
ورأى الوزير المصري أن الانتقال إلى الطاقة المتجددة ضروري، لكن ترك الثروات الطبيعية أمر غير معقول، لذلك دعا إلى العمل على حسن استخراجها واستخدامها، وأن يكون لكل دولة مزيج مناسب من الطاقة، يحقق التنوع والاستدامة على أن يشمل الطاقة الشمسية والرياح والكهرومائية والنووية، وغيرها من المصادر.
وشدد الملا على ضرورة تعاون الدول العربية وتوحيد موقفها في محادثات كوب 28، والتعامل مع التحولات العالمية في مجال الطاقة، والضغوط التي تمارس على الاستثمارات في الطاقة الأحفورية.
شروط الدول النامية
من جانبه قال وزير النفط والغاز الليبي، محمد عون، إن إنجاز مشروعات الطاقة البديلة يجب أن تتم بشروط الدول النامية، بالنظر إلى أنها لم تستعد لجزء من هذه التحولات، في حين تسعى الدولة المتقدمة إلى فرضها عليها.
ونبّه بأن الدراسات الخاصة بالطاقات المتجددة غير مضمونة بعد، في وقت يعتمد فيه العالم بصورة مستقرة على النفط والغاز الممكن تنظيمهما والاستمرار في الاعتماد عليهما.
وأضاف، أن الطريقة المثلى في التحول الطاقي هي استخراج النفط الغاز، ومحاولة تنقيتهم من الانبعاثات الضارة.
أما الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، هيثم الغيص فيرى أن تحولات الطاقة عادلة ونزيهة وشاملة، خاصة أن العالم يحتاج إلى استثمارات كبيرة في جميع مصادر الطاقة، بما فيها الهيدروكربونات، في ظل ارتفاع عدد سكان العالم وتضاعف قيمة الناتج المحلي العالمي.
وشدد الغيص على أن لكل دولة مزيجها المناسب لتحقيق التحول الطاقي، ويُحدد وفق مواردها وسياساتها.
أما الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) جمال عيسى اللوغاني، فأكد أن المؤتمر يتناول التطورات الدولية التي تشهدها أسواق الطاقة وما تحدثه من انعكاسات على الصعيدين العربي والدولي.
وأشار إلى أن الدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط والغاز تواجه العديد من التحديات في المستقبل، تتمثل في كيفية بناء أنظمة طاقة مستدامة وموثوقة، وهو ما يتطلب توازنا دقيقا بين الأهداف المختلفة؛ مثل: خفض الانبعاثات، وتوافر الطاقة والقدرة على تحمل تكاليفها، فضلا عن أمن الطاقة.
ومن المقرر أن يناقش المؤتمر خلال عدد من جلساته مصادر الطاقة في الدول العربية والعالم، بينها دور الطاقة النووية، وعلاقة الطاقة بالتنمية المستدامة، والصناعات البترولية وإدارة الطلب بالمنطقة، والتطورات التقنية وانعكاساتها على هذا القطاع.
كوب 28
يأتي المؤتمر العربي للطاقة 12 في وقت تتعالى دعوات للتخلص من الوقود الأحفوري، وهي دعوات لاقت انقسامات في محادثات مؤتمر كوب 28 الذي ينتهي اليوم الثلاثاء.
ويسعى تحالف يضم أكثر من 80 دولة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول مؤلفة من جزر صغيرة التوصل إلى اتفاق يتضمن صيغة “للتخلص التدريجي” من استخدام النفط والغاز والفحم، لكنه يواجه معارضة شديدة تقودها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها.
وبعثت أوبك برسالة إلى أعضائها ومؤيديها في 6 ديسمبر/كانون الأول الجاري، تطلب منهم معارضة أي صيغة تستهدف الوقود الأحفوري في اتفاق كوب 28، وهو ما لاقى استجابة، وفق رويترز.
وتقول السعودية -أكبر منتج للنفط في أوبك- وكذلك روسيا ودول أخرى، إن تركيز مؤتمر كوب 28 يجب أن ينصبّ على خفض الانبعاثات، وليس استهداف مصادر الوقود التي تسببها، كما أكد العراق هذا الموقف.
وقال كبير مبعوثي الصين لشؤون المناخ، شيه تشن هوا، إنه لا يمكن أن نعدّ أي اتفاق يتوصل إليه كوب 28 ناجحا، إلا إذا تضمن اتفاقا بشأن الوقود الأحفوري، رغم أنه لم يذكر ما إذا كانت بكين ستدعم اتفاقا بشأن “التخلص التدريجي” منه، وأضاف، أن الصين تحاول إيجاد حل مقبول لجميع الأطراف من شأنه حل الخلافات.
وأظهرت نسخة من النص التفاوضي صدرت الجمعة الماضية، أن الدول لا تزال تدرس مجموعة من الخيارات تتراوح بين الموافقة على “التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بما يتماشى مع أفضل ما يتيحه العلم”، إلى التخلص التدريجي من “الوقود الأحفوري الذي يُنتج ويُستخدم دون الاستعانة بتقنيات تقلص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وصولا إلى عدم الإشارة للأمر على الإطلاق”.