كالوباء، تتفشى الحروب في كل أصقاع الأرض حتى بالكاد يجد المرء مكانا نجا من أهوالها وفظائعها، فقد نشر “المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية” في لندن هذا الأسبوع نتائج مسحه السنوي للصراعات المسلحة في العالم.
ويعلق المؤرخ ماكس هاستينغز، في مقال نشرته “وكالة بلومبيرغ” الأميركية على موقعها الإلكتروني، على تلك النتائج قائلا إنها ترسم صورة قاتمة لظاهرة العنف المتصاعد في العديد من مناطق العالم، وللحروب “العصية” على السلام.
ويضيف أن المسح -الذي يتناول الصراعات الإقليمية بدلا من المواجهات بين القوى العظمى (الصين وروسيا والولايات المتحدة) وحلفائها- رصد 183 صراعا مستعرا في العالم خلال عام 2023، وهو أعلى رقم منذ 3 عقود.
يستعصي حلها
ويسلط المسح الضوء على سمة مميزة للصراعات العالمية المعاصرة، وهي “استعصاؤها على الحل”، وفق ما جاء في المقال، الذي يفيد بأن الجماعات المسلحة غير الحكومية تلعب دورا “ضارا”. وتحظى هذه الجماعات في العديد من المناطق بدعم من قوى كبرى مثل إيران وروسيا والصين على وجه الخصوص.
ورغم أن العالم ليس مهددا حاليا بحرب عظمى مثل تلك التي اندلعت في الفترة من 1914 إلى 1918 ومن عام 1939 إلى عام 1945، فإن التوترات آخذة في الارتفاع، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين.
انعدام الخوف
وأرجع هاستينغز -بصفته مؤرخا- أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت أوروبا إلى خوض الحرب في عام 1914 هو أن أيا من اللاعبين الكبار لم يكن خائفا كما ينبغي من صراع ينذر بكارثة إنسانية كبرى.
وبعد قرن من الزمان لم تشهد فيه القارة الأوروبية سوى حروب محدودة، اعتبر كثيرون من رجالات الدول الحرب أداة سياسية يمكن استغلالها، وهو ما ثبت أنه “سوء تقدير كارثي”.
ويزعم الكاتب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يؤمن بهذا “الوهم”، ويتجلى ذلك في “اندفاعاته” نحو جورجيا في عام 2008، وشبه جزيرة القرم في عام 2014، والآن نحو البر الرئيسي لأوكرانيا، وكلها تشي باعتناق “متهور” لأفكار تنطوي على مخاطر تقود إلى عنف بين الدول.
ازدياد ثقة بوتين في نفسه
ويعتقد المؤرخ الأميركي في مقاله أن ثقة بوتين في نفسه تزداد مع تراجع الدعم الشعبي الأميركي والأوروبي لأوكرانيا.
وهناك صراع بين الصين وتايوان لا يُعرف إلى أي مدى سيكون الرئيس شي جين بينغ مستعدا لتوسيع “عدوانه” في بحر جنوب الصين.
ويظل الخطر قائما في أن يؤدي تدمير قطاع غزة على يد الجيش الإسرائيلي إلى التعجيل بنشوب صراع أوسع نطاقا في الشرق الأوسط.
ويشهد العالم أيضا اشتباكات حدودية في مختلف أرجائه، مثل محاولة روسيا السيطرة على أوكرانيا، و”استيلاء” أذربيجان على إقليم ناغورني قره باغ. كما لا تزال التوترات مستمرة بين روسيا وجورجيا، وبين الجزائر والمغرب.
مستويات خطيرة
وتصاعد “الإرهاب” الداخلي في باكستان، وبلغت المواجهات في الهند بين الحكومة ومسلمي البلاد مستويات خطيرة.
ويقول المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية: “إن أزمة المناخ المتسارعة لا تزال تمثل عاملا مفاقما للأسباب الجذرية للصراع وضعف المؤسسات في البلدان الهشة”.
ووفقا لمقال بلومبيرغ، فإن الصراع يزداد حدة عاما بعد عام، إذ ارتفع معدل الوفيات بنسبة 14% وأحداث العنف بنسبة 28% في أحدث استطلاع.
وأحصت اللجنة الدولية للصليب الأحمر 459 جماعة مسلحة تثير أنشطتها مخاوف إنسانية، ويعيش 195 مليون شخص تحت سيطرتها الكاملة أو الجزئية.
المخدرات والإجرام
وشملت الصراعات والحروب دولا في الأميركيتين التي تعاني من عصابات المخدرات والعصابات الإجرامية كما يحدث في المكسيك وكولومبيا وغيرهما.
واتسع نطاق الحروب والصراعات لتشمل دولا مثل سوريا والبرازيل وميانمار والعراق والصومال ونيجيريا وأفغانستان وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى ومالي وقبرص وجنوب لبنان.
أما بالنسبة لقوات احتواء العنف أو قمعه، فإن أكثر من 70 ألف فرد يرتدون القبعات الزرقاء للأمم المتحدة في مناطق الصراع، معظمهم في أفريقيا والشرق الأوسط، ولا سيما جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى. كما تم نشرهم منذ عقود في قبرص وجنوب لبنان. وبلغ إجمالي عمليات نشر الأمم المتحدة ذروته عند 100 ألف بين عامي 2014 و2017.