“أسطول الظل” و11 مليار دولار.. كيف اخترقت روسيا العقوبات الغربية على النفط؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

بعد مرور سنة على دخول العقوبات الغربية على النفط الروسي حيز التنفيذ، يبرز سؤال حول مدى نجاعتها في تحقيق هدفها الرئيسي المعلن في الضغط على مصادر تمويل الحرب في أوكرانيا، في ظل مشهد متكرر لناقلات النفط في البحر المتوسط من الدولة التي نبذتها القارة العجوز.

وتقول وكالة بلومبيرغ إن طرق التفاف روسيا على العقوبات الغربية عززت أعمال عشرات التجار وشركات الشحن الذين يصعب تعقبهم، في قت يبلغ ما يتقاضونه 11 مليار دولار سنويا من عائدات موسكو من النفط بين وقت مغادرة النفط روسيا وحتى وصوله إلى المشترين، وهو المبلغ الذي تقول بلومبيرغ إنه “يتبخر” من بين إجمالي قيمة النفط الروسي المبيع.

وتضع العقوبات الغربية سقفا لسعر برميل النفط الروسي المنقول بحرا عند 60 دولارا، أي أقل 24 دولارا من متوسط سعر السوق على مدى السنة الماضية، كما تمنع الشركات في مجموعة السبع من شحن الخام من روسيا أو التأمين على السفن الناقلة إذا تم تخطي هذا السقف.

ومنع الاتحاد الأوروبي جميع واردات النفط تقريبًا من روسيا، التي كانت حتى ذلك الوقت المورد الرئيسي للكتلة، مما دفع موسكو إلى التوجه نحو سوقي النفط في الصين والهند.

واتّخذت العقوبات شكل وضع سقف سعري عبر خدمات الشحن والتأمين لتقييد عائدات النفط الروسية من دون التسبب في ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، لكن في المقابل أدت إلى إعادة تشكيل هيكل تجارة النفط والتجارة البحرية بطريقة يرى خبراء أنه قد يصعب إعادتها إلى وضعها الطبيعي في نهاية الحرب أو بعد رفع العقوبات، فضلا عن ترك الباب مفتوحا أمام تدفقات مالية غير مرئية إلى الكرملين لتمويل الحرب، وفق بلومبيرغ.

أسطول الظل

يقول الباحث في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، إيدي فيشمان إن “أسطول الظل” وبدائل التأمين البحري الغربي ليست جديدة، وقد استخدمتها إيران لسنوات لكنها أصبحت أوسع انتشارا بعد أن لجأ إليها منتج ضخم مثل روسيا.

ويضيف الباحث -الذي ساعد في صياغة العقوبات الأميركية السابقة على إيران وروسيا- أن عدم اتخاذ إجراءات منسقة لزيادة كُلفة استخدام هذه البدائل، سيؤدي إلى انتشارها لتصبح سمة هيكلية لتجارة النفط العالمية.

ورغم الدلائل الأولية على أن الغرب يتفاعل في محاولة لإحباط الحلول الروسية للالتفاف على العقوبات، تقول اليونان -أكبر دولة تمتلك ناقلات نفط في العالم- إنها عاجزة عن منع أنشطة الشحن السرية قبالة سواحلها.

وتمكنت إسبانيا -وهي عضو في الاتحاد الأوروبي- من القضاء على نشاط مماثل في وقت سابق من هذا العام.

وتعمل السفن المملوكة لليونان بموجب الحد الأقصى للسعر، وقد تعاملت مع كميات أكبر من النفط الروسي هذا العام مقارنة بالمنافسين من أي دولة أخرى باستثناء روسيا نفسها.

وتمكن الملاك اليونانيون من الإبقاء على نشاط سفنهم التجاري من دون انتهاك قواعد الاتحاد الأوروبي، بعد أن نجح دبلوماسيو البلد الواقعة جنوب القارة في الضغط على الدول الأعضاء الأخرى لتخفيف الإجراءات التي كان من شأنها أن تقيد قدرة شركات الشحن على التجارة مع روسيا.

ونقلت السفن اليونانية 20% من جميع شحنات النفط الروسية حتى الآن في عام 2023، وما يقرب من ثلث صادراتها من خام الأورال الرئيسي، وفقًا لبيانات الشحن.

وقالت المنظمة البحرية الدولية، وهي الهيئة الرقابية التي تشرف على الشحن، إن الأنشطة غير القانونية لأسطول الظل من ناقلات النفط تمثل “قلقًا بالغًا” على السلامة البيئية، ودعت إلى حملة عالمية، مطالبة الدول الأعضاء بتعزيز إجراءات منع العمليات غير القانونية التي يقوم بها الأسطول في القطاع البحري.

وبينما تجنبت ذكر روسيا بالاسم، أشارت المنظمة إلى أن السفن “تشكل خطرا حقيقيا وعاليا لوقوع حوادث، خاصة عند المشاركة في عمليات النقل من سفينة إلى أخرى”.

ونقل أسطول الظل نحو 45% من النفط الروسي هذا العام.

وقال لارس بارستاد، الرئيس التنفيذي للذراع الإدارية لشركة فرونت لاين المحدودة، المالكة لبعض ناقلات النفط العملاقة في العالم، إن أسطول الظل “أصبح راسخًا، وسيستمر هذا طالما أن الهيئات التنظيمية غير قادرة على التحرك ضده”.

إيرادات مضاعفة

تضاعفت إيرادات روسيا من مصادرها الرئيسية المدرة للضرائب من النفط في الفترة من أبريل/ نيسان إلى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وشكّلت عائدات النفط الصافية لروسيا البالغة 11.3 مليار دولار في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 31% من إجمالي صافي إيرادات ميزانية البلد لهذا الشهر، وفق حسابات بلومبيرغ المبنية على بيانات وزارة المالية الروسية.

ونقل أصحاب الأساطيل المحلية وأساطيل الظل بشكل جماعي أكثر من 70% من شحنات النفط الروسي في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، مما سمح لموسكو بالحفاظ على سيطرتها على صادراتها وزيادة الأسعار تدريجيًا.

وتظهر بيانات الجمارك الهندية الرسمية أن السعر المدفوع للنفط الروسي بلغ في المتوسط 72 دولارًا للبرميل هذا العام عند التسليم في موانئ الدولة الآسيوية، أي أعلى 12 دولارًا من الأسعار المعلنة عند نقطة التصدير في روسيا، وفقًا للبيانات التي جمعها معهد “كي إس إي”، التابع لكلية كييف للاقتصاد المؤيدة لفرض عقوبات صارمة على موسكو.

وبالنظر إلى أن روسيا صدرت ما يقرب من 3.5 مليون برميل من النفط يوميًا هذا العام، فإن هذا يعني أن نحو 11 مليار دولار ستذهب إلى “هامش التسليم”، منها تكاليف شحن مشروعة، لكن معظمها تقريبًا يمر عبر تجار مجهولين أو شركات شحن غير معروفة، وفق بلومبيرغ.

وقبل الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، كان الجزء الأكبر من النفط الروسي يتم التعامل معه من قبل مجموعة من التجار الذين يعملون من مدن كلندن وجنيف.

من جانبه، قال مستشار أمن الطاقة للرئيس جو بايدن، عاموس هوشستاين الثلاثاء إن بلاده ستنظر بعناية أكبر في شأن الحد الأقصى للسعر، وإن وزارة الخزانة الأميركية وغيرها تتخذ إجراءات لضمان تراجع أرباح موسكو من تجارة النفط، إثر ارتفاع سعر الخام الروسي.

وأضاف: “سنتخذ إجراءً كلما رأينا ضرورة لخفض السعر إلى مستوى الحد الأقصى أو أقل منه”.

وتساءلت بلومبيرغ في نهاية التقرير عما ما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يريدون حقا الحد من تدفقات النفط الروسي، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود العالمية، في عام انتخابي بامتياز للرئيس الأميركي جو بايدن.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *