منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على غلاف غزة والقصف الإسرائيلي اللاحق على القطاع، برزت أيرلندا باعتبارها دولة “شاذة” في أوروبا بسبب موقفها من الصراع، حيث إن غالبية الناس هناك يتعاطفون مع المدنيين الفلسطينيين وإن أدانوا الهجوم على إسرائيل.
من هذه الملاحظة، انطلقت صحيفة نيويورك تايمز -في تقرير بقلم ميغان سبيسيا- لإلقاء الضوء على جذور الدعم العميق والمتجذر المقدم للمدنيين الفلسطينيين في ايرلندا، مشيرة إلى أن الكثيرين يردونه إلى تاريخ مشترك من الاستعمار البريطاني، وتجربة متماثلة لصراع مؤلم وصعب الحل.
وأشارت الكاتبة إلى ما قامت به الفنانة ريوناش ني نيل ومجموعة من الأصدقاء، عندما أقاموا منصة صغيرة أمام سفارة الولايات المتحدة في دبلن، وتناوبوا على مدار 11 ساعة ونصف ساعة على قراءة آلاف الأسماء، للشهداء الفلسطينيين منذ أن بدأت إسرائيل قصف غزة، وفقا لقائمة نشرتها السلطات الصحية في غزة.
يقترب من الانتقام
وقالت ني نيل (52 عاما) إن تلك كانت محاولة للتعبير عن فداحة الخسائر في الأرواح، وأضافت “أعتقد أن الأساس الحقيقي في أيرلندا هو أن حقوق الإنسان تحظى بالتقدير، وما يحدث الآن هو تدمير لحقوق الإنسان العالمية. هذا ليس شيئا يمكن تجاهله”.
وكان المشرعون الأيرلنديون من مختلف الأطياف السياسية، قد دانوا الهجوم على إسرائيل، ولكنهم أيضا كانوا أول من دعا في أوروبا إلى حماية المدنيين الفلسطينيين ودان حجم الرد الإسرائيلي.
واعترف رئيس وزراء أيرلندا ليو فارادكار بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولكن ما يتكشف في غزة “يقترب من الانتقام”، حسب رأيه، وكذلك قال الرئيس الأيرلندي مايكل د. هيغينز، إن الضربات الإسرائيلية التي قتلت مدنيين تهدد بترك اتفاقيات حقوق الإنسان “في حالة يرثى لها”.
ورأت الصحيفة أن هذه الآراء هي السائدة في أيرلندا، وفي استطلاع للرأي نُشر الشهر الماضي رأى حوالي 71% من المشاركين رد إسرائيل على أنه “شديد بشكل غير متناسب”، في الوقت الذي شارك فيه عشرات الآلاف في احتجاجات أسبوعية للمطالبة بوقف الهجمات الإسرائيلية على غزة.
وقالت جين أولماير، أستاذة التاريخ في كلية ترينيتي في دبلن إن وضع أيرلندا كمستعمرة بريطانية سابقة “شكل كيفية تعامل الناس هناك مع سياسات صراعات ما بعد الاستعمار”، وأضافت أن هذا التاريخ يميز أيرلندا عن عدد من الدول في أوروبا الغربية، كان بعضها قوى استعمارية، وهو يمنحها أرضية مشتركة مع الفلسطينيين.
أولستر يهودية
وقد رسم المسؤولون البريطانيون -حسب الصحيفة- أوجه التشابه بين الأيرلنديين والفلسطينيين، عندما كتب رونالد ستورز، الذي كان حاكما للقدس حتى عام 1926، في مذكراته أنه إذا انتقل عدد كافٍ من اليهود إلى فلسطين، “فسيشكل ذلك أولستر يهودية صغيرة موالية لبريطانيا” في إشارة إلى المستوطنين الإنجليز الذين تم إرسالهم إلى أيرلندا الشمالية فيما أصبح يعرف باسم “مزرعة أولستر”.
ورغم أن أيرلندا كبقية أوروبا، فضلت حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتواصلت مع قادة الجانبين، فإن علاقاتها مع إسرائيل توترت في الأسابيع التي تلت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث استدعت إسرائيل السفير الأيرلندي لتوبيخه، وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إن رئيس الوزراء الأيرلندي فقد “بوصلته الأخلاقية”.
وخاصت الصحيفة إلى أن الحرب في غزة تذكر بعض الذين عايشوا الصراع الذي اندلع في أواخر القرن العشرين في أيرلندا الشمالية، بصدمة الماضي، كما يذكرهم بإمكانية تحقق الأمل.
وقد وجه الصحفي الأيرلندي باتريك كيلتي رسالة إلى “العائلات التي تمزقت حياتها في إسرائيل وفلسطين”، وقال “إننا نعيش حاليا معجزتنا على هذه الجزيرة، لأننا نعيش في سلام”، وأضاف “بالنسبة لكل من في إسرائيل وفلسطين الليلة قد لا يبدو الأمر كذلك، ولكن هناك دائما أمل، ونأمل أن تأتي معجزتكم قريبا”.