ملامح توتر العلاقات بين روسيا وإسرائيل في ضوء حرب غزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

الجزيرة نت- خاص
تمر العلاقات الإسرائيلية الروسية بمنعطف جديد على وقع الحرب في غزة التي اندلعت بعد بضعة أسابيع من توقيع السفير الإسرائيلي لدى موسكو في سبتمبر/أيلول الماضي اتفاقية للتعاون في مجال السينما مع وزيرة الثقافة الروسية، وهو ما حظي حينها بتنديد رسمي من الخارجية الأميركية.

 واعتُبرت الاتفاقية بمثابة تأكيد من تل أبيب على حرصها على عدم تأثر علاقتها بموسكو سلبا على وقع الحرب في أوكرانيا، وبرهان على تجاهلها للضغوط الغربية بعزل روسيا دوليا، وهو موقف يضاف إلى رفضها تزويد كييف بأنظمة دفاع صاروخي رغم مناشدات متكررة من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي.

منعطف جديد

وبعد 10 أيام كاملة من شن حركة حماس هجومها المباغت على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معزيا في ضحايا الهجوم، في خطوة متأخرة مقارنة بنظرائه من قادة الدول الغربية الذين توافدوا فورا على  إسرائيل للتضامن معها وتأييدها.

وكذلك أبدى بوتين خلال الاتصال استعداده للمشاركة في علاج الأزمة بالوسائل السلمية، بينما أعلنت أغلب العواصم الغربية دعمها الكامل لشن حرب على غزة.

ولكن اتصال بوتين أعقبته مجموعة من الخطوات الروسية المزعجة لإسرائيل، حيث استخدمت موسكو رفقة بكين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد مشروع قرار قدمته مالطا يدعو لهدن إنسانية في غزة ويدين حماس، بحجة أنه غير متوازن.

وفي المقابل، تقدمت موسكو بمشروع بديل يدعو لوقف النار بشكل فوري ودائم، كما تحدث مندوب روسيا بالأمم المتحدة قائلا “استمعنا لمزاعم بوجود مواقع لحماس بالمستشفيات والمساجد ولم نر أدلة حتى الآن”. وجاءت الخطوة الأكثر إزعاجا عبر استضافة الخارجية الروسية وفدا من حماس بقيادة موسى أبو مرزوق رغم التنديد الإسرائيلي.

وردا على ما سبق، أدان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، موسكو بحجة استخدامها هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول لصرف انتباه العالم عن غزو أوكرانيا، ووصف روسيا بأنها الدولة الأخيرة التي يمكنها تعليم إسرائيل الأخلاق.

وتصاعدت أصوات بإسرائيل تدعو إلى تغيير سياستها تجاه موسكو، فكتب شاي ليفي في “إسرائيل ديفينس” يدعو إلى التعامل مع روسيا كخصم، وضرورة توحيد المواقف مع الغرب في حرب أوكرانيا، والبدء في تقديم أسلحة إلى كييف.

ولكنها اعتبرت دعوات متهورة ولا يتوقع أن تقبل عليها الحكومة الإسرائيلية، فهي تدرك أن توريد أسلحة لأوكرانيا سيدفع روسيا إلى تزويد سوريا وإيران بأنظمة دفاع جوي متطورة من طراز “إس 300″ (S300) و”إس 400” (S400) مما سيعرقل حرية تحليق الطائرات الإسرائيلية في الأجواء السورية.

علاقات متقلبة

مع نهاية الحرب الباردة، أعيدت العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية الروسية رسميا نهاية عام 1991 بعد قطعها من جانب موسكو عقب حرب 1967.

ومع تولي الرئيس بوتين السلطة عام 1999 شهدت علاقات الطرفين تحولاً جذرياً من العداء المفتوح والحرب بالوكالة في الحقبة السوفياتية إلى بناء علاقة تعاونية تعمل على تجزئة نقاط الاحتكاك وتجنب تجاوز الخطوط الحمراء.

وكان بوتين أول رئيس روسي يزور إسرائيل، حيث زارها عام 2005 ثم كررها لاحقا عام 2012.

وتقاسمت روسيا وإسرائيل خلال العقود الثلاثة الأخيرة مجموعة من المصالح المتداخلة، في مقدمتها التعاون في ملف ما يسمى “مكافحة الإرهاب” وبالأخص خلال حقبة الحروب الروسية في الشيشان، وفي مواجهة تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة.

كما تشاركا التوجس من ثورات الربيع العربي في ظل خشيتهما من صعود حركات إسلامية وتوليها للحكم في عدة دول بالشرق الأوسط. وقد ساهم تقاطر المهاجرين اليهود من روسيا إلى إسرائيل عقب تفكك الاتحاد السوفياتي في تعزيز العلاقات المجتمعية بين الطرفين، حيث بلغ عددهم نحو مليون مهاجر، مما جعل الروسية هي اللغة الرابعة في إسرائيل بجوار العبرية والعربية والإنجليزية.

ولم تنزعج إسرائيل من التدخل الروسي العسكري في سوريا عام 2015، حيث وجدت فيه فرصة لانخراط موسكو كلاعب ملتزم في المعادلة الإقليمية الأكبر لديه القدرة على ضبط إيقاع الصراع، ومنع سقوط هذا البلد في يد المعارضة الإسلامية، فضلا عن قدرته على منع انتشار عناصر حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني جنوب سوريا قرب الجولان المحتل.

وهذه الاعتبارات تطلبت تعزيز قنوات الاتصال العسكرية والدبلوماسية بين إسرائيل وروسيا لمنع الاشتباك بينهما، وللسماح للطيران الإسرائيلي بشن غارات على أهداف سورية وإيرانية.

كذلك، راودت الآمال تل أبيب في أن تتمكن من توظيف العلاقات المتطورة مع موسكو للضغط على طهران لكبح توسع نفوذها الإقليمي.

لقد تأقلمت تل أبيب مع عودة روسيا إلى الظهور كلاعب عالمي وإقليمي، وتجنبت المقايضات الصفرية فيما يتعلق بالمواجهة الروسية مع الغرب بشأن شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، وناورت ضد الضغوط الغربية مع مراعاة متطلبات تحالفها مع واشنطن.

ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، سافر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك نفتالي بينيت إلى موسكو الشهر التالي للقاء الرئيس الروسي، بذريعة العمل على إنهاء الحرب، وذلك ضمن محاولات إسرائيل الحفاظ على علاقتها مع روسيا عبر لعب دور الوساطة دون الإضرار بعلاقتها مع أميركا والغرب.

وضمن هذا السياق، أعلنت الخارجية الإسرائيلية في سبتمبر/أيلول 2022 التمسك بسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها وعدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء على الاستقلال التي أجرتها روسيا بالمناطق الشرقية من البلاد.

لكنها في ذات الوقت لم تنخرط في فرض عقوبات اقتصادية على موسكو، ورفضت إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، واكتفت باستقبال عدة آلاف من اللاجئين الأوكرانيين، وبعض المصابين للعلاج، وإرسال معدات طبية وأخرى عسكرية غير هجومية مثل الخوذ.

التوتر الحالي

مع اندلاع الحرب في أوكرانيا ظهرت بوادر توتر في العلاقات الروسية الإسرائيلية مع تعمق العلاقات الإيرانية الروسية على وقع التعاون بين البلدين، في مواجهة العقوبات الغربية المفروضة عليهما، وتقديم طهران طائرات مسيرة لروسيا.

وقد برز أول مظاهر التوتر في عهد الحكومة الإسرائيلية السابقة عقب تصريح وزير الخارجية يائير لبيد في أبريل/نيسان 2022 بأن روسيا ترتكب جرائم حرب في أوكرانيا.

وردت عليه الخارجية الروسية ببيان مطول قالت خلاله إن تصريحاته مرفوضة “وتحاول استغلال الوضع حول أوكرانيا لتحويل أنظار المجتمع الدولي عن معاناة أكثر من 2.5 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، فضلا عن معاناة سكان قطاع غزة في سجن مفتوح منذ 14 عاماً تقريباً، حيث تواصل إسرائيل أطول احتلال في تاريخ العالم”.

والشهر التالي دعت موسكو وفدا من حماس بقيادة موسى أبو مرزوق لزيارتها، ثم استقبلت رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، كما قررت وزارة العدل تعليق أنشطة الوكالة اليهودية بالبلاد، وبحْث حل فرعها بحجة جمعه معلومات بشكل غير قانوني عن المواطنين الروس.

حرب غزة ومكتسبات موسكو

ومع اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، رأت فيها موسكو عدة مكتسبات من أبرزها: تحول الاهتمام الدولي عن الحرب في أوكرانيا، وانشغال الولايات المتحدة بجبهة قتال جديدة مما انعكس على تراجع توريدات الأسلحة المقدمة لكييف.

وعملت موسكو على توظيف الانحياز الأميركي لإسرائيل في بناء سردية تعزز من شرعية روسيا وحضورها في العالم العربي والإسلامي، عبر حديث بوتين عن تجاهل واشنطن للحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني.

وتسعى روسيا لإظهار حرب غزة دليلا على فشل السياسات الغربية، ولطرح نفسها وسيطا مقابل تحيز واشنطن، والظهور على أنها صانعة سلام مقابل الغرب الاستعماري صانع الحروب.

وقد أكدت روسيا أنها لا تصنف حركة حماس منظمة إرهابية، واستدعت وفدا من كوادرها بعد عملية طوفان الأقصى.

وإجمالا، تعمل روسيا على استثمار الحرب في غزة لتعزيز مكانتها الدولية، وتوظيف تداعياتها في المواجهة الأوسع مع الغرب والتي تستهدف في غايتها البعيدة تقويض الهيمنة الأميركية دوليا والتأسيس لنظام دولي متعدد الأقطاب.

ولا شك أن مثل التحول سينتج عنه تقلبات في علاقات روسيا مع قوى وأطراف دولية أقل أهمية من الولايات المتحدة، كما في حالة إسرائيل، دون أن يتحول الأمر إلى قطيعة نظرا لوجود مصالح مشتركة بينهما في العديد من الملفات.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *