منذ قرابة شهرين لم تدخل أي قافلة مساعدات إنسانية إلى شمال غرب سوريا عبر المعابر الحدودية الواصلة مع تركيا، ورغم أن الأمم المتحدة توصلت إلى “تفاهم” مع النظام السوري في أغسطس الماضي لحل هذه القضية، بقي الحال على الأرض كما هو، في ظل الحديث عن “مشاكل تتعلق بالتجاوب”.
وحتى الآن لا تزال تفاصيل “التفاهم” بين الأمم المتحدة والنظام السوري غامضة، بعدما أعلن الجانبان التوصل إليه في العاشر من أغسطس الماضي، بعيدا عن المسار الذي كانت تسلكه عملية الإيصال الإنسانية في السنوات السابقة، بموجب التصويت في مجلس الأمن.
وحذّرت منظمات إنسانية، خلال الأيام الماضية، من انعكاس تعليق إيصال المساعدات إلى شمال غرب سوريا على حياة ملايين النازحين، وتحدثت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عن انقطاع في مادة الخبر عن معظم المخيمات.
وتزامن ذلك مع نقص في الكميات الواصلة إلى النازحين، وغلاء معظم السلع الغذائية، من جراء توقف دخول المساعدات، وبالأخص من خلال معبر “باب الهوى” الحدودي، الذي يربط محافظة إدلب ومناطق في ريف حلب الغربي مع الأراضي التركية، وفق الشبكة الحقوقية.
في غضون ذلك رصد تقرير لفريق “منسقي الاستجابة في الشمال السوري” توقفا كاملا لبرنامج الأمن الغذائي للنازحين، حيث اضطرت آلاف العائلات إلى تخفيض عدد الوجبات إلى واحدة فقط يوميا. كما رصد “انقطاع مادة الخبز عن المخيمات، مما اضطر النازحين إلى حذف الوجبات الغذائية المعتادة لتأمين كفاية الخبز اليومية من الشراء”.
وقال الفريق الإنساني في تقريره إنه وثق تراجعا ملحوظا لكمية المياه في المخيمات، بالتزامن مع زيادة الحاجة بشكل أكبر للمياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
كما وثّق توقف دعم العديد من المشافي والنقاط الطبية المنتشرة في شمال غرب سوريا، في وقت انخفضت كمية المستهلكات الطبية فيها، الأمر الذي زاد من الأعباء على المشافي للعمل وفق الطاقة المحددة.
وحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن 15.3 مليون سوري سيكونون بحاجة لحماية ومساعدات إنسانية خلال 2023، وهو أعلى رقم منذ بدء الصراع في عام 2011.
ماذا وراء التعليق؟
وفي تعليق لموقع “الحرة” أوضح نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق أنهم “يعملون على وضع الترتيبات اللازمة لاستخدام معبر باب الهوى في عملية إيصال المساعدات”.
وردا على سؤال يتعلق بالأسباب التي تقف وراء عدم عبور القوافل الإغاثية رغم التفاهم أضاف حق: “نحن ببساطة نعمل على وضع الترتيبات مع الأطراف”.
وأشار إلى أنهم “يأملون في إيصال المساعدات إلى شمال غرب سوريا في الأيام المقبلة، وعبر أكبر عدد ممكن من نقاط العبور”.
من جهته، يشير الطبيب السوري والناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة، محمد كتوب، إلى معلومات منذ الأسبوع الماضي تفيد بأن “هيئة تحرير الشام لا تتجاوب مع الأمم المتحدة”.
ويقول لموقع “الحرة”: “يبدو أن الأمم المتحدة نسقت مع النظام ولم تنسق معهم”، وأن الصورة التي كانت عليها قضية عدم إيصال المساعدات خلال الأسبوع الماضي تتعلق بـ”مشكلة تجاوب”.
وخلال الفترة الماضية وفي أعقاب “التفاهم” كانت الأمم المتحدة تبحث عن جهة “تساعدها لاستئناف الإيصال إلى شمال غرب سوريا”.
لكن الطبيب كتوب يضيف أن “المنظمات الإنسانية في إدلب لا قدرة لها للضغط على هيئة تحرير الشام، ولن تضغط أيضا في مسار تطبيق عملية الإيصال بموافقة النظام السوري”.
و”لم يكن هناك تنسيق مع كل الأطراف بشأن تفاهم عبور المساعدات من المعابر الحدودية، ويبدو أن تحرير الشام لم يتجاوبوا حتى الآن”، بحسب ما يؤكد الطبيب السوري.
وكان “التفاهم” الذي توصلت إليه الأمم المتحدة مع النظام السوري قد أثار مخاوف عمال إغاثة سوريين في شمال غرب سوريا، إذ اعتبروا أن ما حصل “عبارة عن رضوخ للأخير وقد يضع ملف المساعدات بيد الأسد”.
وفي أعقاب الإعلان عن “التفاهم” في بداية أغسطس الماضي أشارت الأمم المتحدة إلى أنه، وخلال الأشهر الستة المقبلة، سيكون “معبر باب الهوى” الحدودي متاحا بموجب “التفاهم”، وسيسمح للمساعدات التي تشتد الحاجة إليها بالوصول إلى ملايين الأشخاص في شمال غرب سوريا.
كما تضمن ما توصلت إليه الأمم المتحدة مع النظام السوري استخدام معبري باب السلام والراعي الحدوديين لمدة ثلاثة أشهر إضافية، بعدما افتتحا في الأصل في وقت سابق من هذا العام، كجزء من الاستجابة الطارئة لكارثة زلزال فبراير المدمّر. وقال نائب الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، في بيان رسمي، حينها، إن إعادة فتح المعابر جاء بعد “تفاهم تم التوصل إليه مع الحكومة السورية، وفي أعقاب محادثات أجراها مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية”.
وأضاف حق أن “الخطوة تأتي لأغراض السعي إلى وصول المساعدات الإنسانية بطريقة تحمي الاستقلال التشغيلي للأمم المتحدة”.
“شروط وتفاهم”
ولم تكشف الأمم المتحدة عن تفاصيل “التفاهم” الحاصل، وكذلك الأمر بالنسبة لـ”الشرطين”، اللذين وضعهما النظام السوري مؤخرا أمام السماح بأي عملية إيصال للمساعدات عبر الحدود.
وشملت الشروط التي وضعها النظام، في يوليو الماضي، منع الأمم المتحدة من التعامل مع ما تسميه “المنظمات الإرهابية” في المنطقة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا.
كما حدد في رسالة، سبق أن نشرت تفاصيلها وكالات غربية، من يمكنه الإشراف على عمليات التسليم، وتسليمها إلى “الهلال الأحمر العربي السوري” (SARC) و”اللجنة الدولية للصليب الأحمر” (ICRC).
وتم استخدام “باب الهوى” منذ عام 2014، عندما أجاز مجلس الأمن الدولي تسليم شحنات الإغاثة عبر الحدود. ومنذ ذلك الحين، مرت حوالي 85 في المئة من شحنات المساعدات عبر هذا المنفذ من تركيا، وفق الأمم المتحدة.
لكن شحنات المساعدات كانت توقفت، في يوليو الماضي، عندما فشلت القوى الغربية وروسيا الحليف الرئيسي للنظام السوري في الاتفاق على تمديد تفويض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للعملية.
بعد ذلك أعطى النظام في دمشق موافقة أحادية الجانب ولكن بشروط رفضتها الأمم المتحدة باعتبارها “غير مقبولة”، لتعلن في أغسطس الماضي عن “التفاهم”، دون أن تحدد توقيتا لبدء عبور شاحنات الإغاثة.
وسبق أن أوضحت منظمات حقوق إنسان دولية أن المساعدات إلى شمال غرب سوريا يمكن أن تمر دون إذن من مجلس الأمن أو حتى موافقة النظام السوري، وبشكل قانوني.
ووفقا لتحليل قانوني نشرته منظمة “العفو الدولية”، في مايو الماضي، فإن تسليم المساعدات الإنسانية غير المتحيزة عبر الحدود السورية إلى المدنيين الذين هم في حاجة ماسة إليها دون تصريح من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو موافقة الحكومة السورية أمر قانوني، بموجب القانون الدولي. وذلك “بسبب عدم توفر بدائل أخرى ونظرا لضرورة عمليات الإغاثة عبر الحدود التي تقوم بها الأمم المتحدة للحد من معاناة السكان المدنيين، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في شمال غرب سوريا”.