الجزائر- خرجت -أول أمس الأربعاء وأمس- ندوة دولية عقدت في الجزائر بعنوان “العدالة للشعب الفلسطيني” بجملة من القرارات العملية، ضمن مبادرة حقوقية للملاحقة القضائية لممارسات الاحتلال الإسرائيلي ولجرائمه في قطاع غزة إثر عملية “طوفان الأقصى”.
وقرّرت هذه الندوة الدولية تقديم بلاغات إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وفقا لما تم تقريره وللخطة القانونية الموضوعة. وانتظمت فعالياتها بمبادرة من النقابة الوطنية للقضاة الجزائريين والاتحاد الوطني لمنظمات المحامين.
وشهدت مشاركة وفود من عدة دول عربية وأجنبية، على غرار نقيب منظمة المحامين الأردنية، وممثل المحامين العرب النقيب يحيى أبو العود، وعميد المحامين التونسيين حاتم مزيو، ونقيب المحامين الموريتانيين حسن البونة، والمحامي الفرنسي جيل ديفير وسفير دولة فلسطين بالجزائر، وسامي أبو زهري القيادي بحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ملاحقة الاحتلال
ونص “إعلان الجزائر” -المنبثق عن أشغال الندوة- على إقامة دعاوى جزائرية ضد مرتكبي الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، ومخاطبة المنظمات والهيئات الدولية لمحاصرة هذا الاحتلال وملاحقته.
واتفق المشاركون على تشكيل لجنة لتنفيذ قرارات الندوة، وتتكون من رئيس الاتحاد الوطني للمحامين للجزائريين، ورئيس النقابة الوطنية للقضاة الجزائريين، ونقيب المحامين الأردنيين، ونقيب محاميي فلسطين.
وجاء “إعلان الجزائر من أجل العدالة للشعب الفلسطيني” استجابة لدعوة رئيس البلاد عبد المجيد تبون، خلال إشرافه على افتتاح السنة القضائية الجديدة، يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
ودعا تبون “أحرار العالم والعرب والهيئات الدولية إلى رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية والمنظمات الحقوقية الدولية ضد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني”.
وبحث المشاركون انتهاكات مسؤولي الاحتلال وقياداته لأحكام القانون الدولي الإنساني في فلسطين -خاصة في قطاع غزة- وسبل تقديم الشكاوى أمام المحاكم الدولية إزاء هذه الجرائم غير المسبوقة، على حد وصف القائمين على المبادرة.
وشهد اليوم الثاني جلسة أولى بـ5 محاضرات، ركّزت على الانتهاكات الجسيمة لأحكام القانون الدولي الإنساني من طرف مسؤولي الاحتلال الإسرائيلي في غزة، ومهمة المدعي العام للجنائية الدولية في الأحداث المأساوية بفلسطين.
كما تطرقت الندوة إلى الآليات المتاحة لإحالة الحالة الفلسطينية، وآليات إخطار المنظمات الدولية بالانتهاكات الجسيمة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، قبل عرض قراءة في تعامل الجنائية الدولية بين قضية فلسطين والحرب في أوكرانيا.
توثيق جرائم الاحتلال
وواصل المشاركون النقاش المفتوح عبر مجموعة من الندوات التي تمحورت حول الواجب الجماعي للمحامين في محاكمة مرتكبي جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، ومدى نجاعة نقل الحالة الفلسطينية أمام المحاكم الوطنية تطبيقا لمبدأ “عالمية العقاب”.
وأبرزت الندوة كذلك تقنيات توثيق الجرائم الدولية المرتكبة من طرف الاحتلال الإسرائيلي في غزة، مع تسليط الضوء على ما وصفته بـ “الهولوكوست الجديد بين القوة والقانون”.
وقال رئيس النقابة الوطنية للقضاة الجزائريين العيدي عوداش -للجزيرة نت- إن الندوة جاءت في وقت مهم جدا، حيث تفرض الظروف الإقليمية والدولية على كل الحقوقيين في العالم التحرك، كلا على مستواه وبما يستطيع.
وأضاف “أخذنا المبادرة بتنظيم ندوة دولية، وجمع الخبراء من دول عربية وأجنبية، حيث وضعنا خارطة طريق ومحاور رئيسة، تمت دراستها في عدة ورشات تُوجت بإعلان الجزائر من أجل العدالة للشعب الفلسطيني”.
وأكد عوداش أن “الندوة سارت مبدئيا بنجاح كامل، مثلما خططنا لها، نحن راضون عن الأداء في انتظار الأصداء، وهناك لجنة متابعة تعنى بتفعيل الآليات الممكنة لتطبيق مخرجات الندوة تطبيقا سليما وفق معايير القانون الجنائي الدولي”.
وأوضح أن لجنة المتابعة تبقى في حالة انعقاد دائم، و”سنضع الرأي العربي والدولي في صورة نتائج عملها أولا بأول في الوقت المناسب، لأن المعركة القانونية ستكون طويلة، ولكل محطة معطياتها وتقييمها للمراجعة”.
وعن الدعم الرسمي للندوة، كشف عوداش أن الوفود الحقوقية المشاركة في الجزائر ساهمت بفعالية عالية في بلورة نقاشات الندوة بكل استقلالية ومسؤولية، مما يؤكد أنها “تتمتع بهامش كبير من الحرية والقرار في بلدانها، والأيام القادمة ستفرز المواقف الرسمية”.
مهمة دقيقة
وبخصوص الآجال الزمنية لاستكمال إيداع الشكوى، أفاد المتحدث بأن عمل لجنة المتابعة ينطلق في الأول من ديسمبر/كانون الأول الحالي، وهي تضم نقابتي القضاة والمحامين الجزائريين، مع اتحاد المحامين العرب، إضافة إلى نقابة المحامين الفلسطينيين، مؤكدا أنها مفتوحة للانخراط أمام أيّة هيئة حقوقية أخرى.
وشدد رئيس نقابة القضاة الجزائريين على أن مأموريّة (مهمّة) اللجنة ستكون تقنيّة ودقيقة وصعبة للغاية، وفق ما يؤول للمحامين من اختصاصات والخبراء القانونيين من مهام “دون التقيد بزمن محدد، لأن الآجال محكومة بآليات عمل هيئات التقاضي الدولي”.
وختم قائلا “ما أسهل أن يتم إيداع بلاغ لدى المحكمة الجنائية الدولية، لكن نحن نريد تأسيسه بالأدلة والتوثيق والإسناد القانوني، ضمن عمل تكاملي محترف”.
واجهة جديدة
من جانبه، اعتبر القيادي في حركة حماس سامي أبو زهري الندوة “واجهة جديدة في المواجهة مع العدو، لا تقل أهمية عن المعركة الميدانية” مشددا على “تطوير هذا المسار وضرورة تفعيله وترجمة مخرجاته”.
وقال أبو زهري لوسائل الإعلام إن “ما يزيد من قيمة الندوة سياسيا وقانونيا أنها تأتي ضمن توجيهات الرئيس عبد المجيد تبون”.
وكانت قد أُودعت شكوى ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث وكّل فيها المحامي الفرنسي جيل ديفير رفقة محامين من عدة بلدان.
وعقب الإيداع، صرح ديفير لوكالة الأنباء الجزائرية بأن “الشكوى لها حظوظ وافرة في تحقيق النجاح” معتبرا “ألا خيارات كثيرة أمام هذه المحكمة، لأنه في حال فشل الشكوى ستفقد مصداقيتها لدى المجتمع الدولي ولن يكون لها أي مستقبل”.
وأكد أن “اعتراف المحكمة الجنائية الدولية بفلسطين كدولة في فبراير/شباط 2021، وسيادتها على غزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، يمثل أوراقا رابحة جدا”.
وأضاف أن الهدف من الشكوى، التي بادرت بها 120 جمعية مهمة وحظيت بدعم 300 محام، يكمن في تحقيق 3 أهداف:
- حمل وكيل المحكمة الجنائية الدولية على مباشرة تحقيقه.
- إبلاغ الفلسطينيين بأنهم ليسوا بمفردهم.
- استقطاب اهتمام المجتمع الدولي وحثه على المزيد.