منذ سنوات يرتبط إصدار “مارفل” لفيلم جديد بـ4 ثوابت، الإيرادات العالية، والحماس الجماهيري الجارف، والتقييمات المرتفعة من المشاهدين، التي تقابلها أخرى متدنية من النقاد. إلا أن هذا الحال تغير اليوم، إذ بدأ المشروع الناجح الذي تمتلكه “ديزني” يتعثر، وقد جاء إخفاق فيلم “ذا مارفيلز” (The Marvels) ليظهر عمق الأزمة.
يحمل فيلم “ذا مارفيلز” رقم 33 بين أفلام “مارفل”، وهو من إخراج نيا داكوستا، وبطولة كل من بري لارسون وإيمان فيلاني وتيونا باريس. وقد كلّف العمل ميزانية كبيرة بلغت 274 مليون دولار، إلا أنه لم يحقق حتى الآن سوى 161 مليونا فقط، بأقل افتتاحية لفيلم في السلسلة في أول نهاية أسبوع بـ47 مليون دولار فقط.
لا جديد
يبدأ فيلم “ذا مارفيلز” -مثل الكثير من المسلسلات والأفلام التي تنتجها الشركة- حيث انتهى عمل آخر، وبالتحديد من ختام مسلسل “ميس مارفل” (Ms. Marvel) الذي عُرض على منصة “ديزني بلس” في العام 2022، وتعرفنا خلاله على أول بطلة خارقة مسلمة وهي كاملا خان، التي حصلت على قواها الخارقة باستخدام سوار أرسلته لها جدتها من باكستان إلى الولايات المتحدة حيث تقيم “كاملا” مع عائلتها الباكستانية الأصل.
وتتشابه قوى كاملا مع تلك التي يتمتع بها “كابتن مارفل” و”مونيكا رامبو” التي شهد مسلسل “واندا فيجن” (WandaVision) بحصولها على قواها.
يفتتح فيلم “ذا مارفيلز” بفوضى تحدث بسبب تشابه قوى البطلات الثلاث، مما يؤدي إلى تبادل أماكنهن عبر الكون الواسع، مما يعني أن كابتن مارفل انتقلت إلى منزل كاملا خان، بينما حلت الأخيرة محل مونيكا رامبو.
وكلما استخدمت كل منهن قواها حدث انتقال آخر، وبالتالي تحول المشهد إلى هرج ومرج، خاصة وأن كابتن مارفل كانت تخوض معركة مع مقاتلي كوكب “كري” وقد دمرت البطلة عن طريق الخطأ الذكاء الاصطناعي الذي يحكم عالمهم في مغامرة سابقة لها، وعزموا على الانتقام منها ومن كوكب الأرض بالكامل.
كالمعتاد، يصبح على بطلات مارفل إنقاذ العالم، وللقيام بذلك عليهن التخلص من هذا الارتباط بين قواهن، أو على الأقل التنسيق فيما بينهن. وبالتالي بدؤوا في تدريب شاق لتعلم العمل معًا في فريق واحد لهزيمة “دار بين” قائدة شعب الـ “كري” التي تنوي سرقة شمس كرتنا الأرضية لتعيد الحياة لشعبها وتقضي على حياة البشر.
تلعب المؤثرات البصرية في “ذا مارفيلز” -وأغلب أفلام مارفل- دورا رئيسيا لنقل الحبكة إلى صورة سينمائية، خاصة مع عرض الفيلم بالتقنية الثلاثية الأبعاد 3D، لذلك تم تصوير معظم مشاهد الفيلم مصورة على خلفية خضراء مع حركة الممثلين أمامها، باستثناء المشاهد المصورة في منزل كاملا خان، التي بدت شديدة الأصالة عند مقارنتها مع المؤثرات البصرية المصطنعة.
ويؤدي الإفراط في استخدام المؤثرات البصرية لصبغ الأفلام كلها بالتفاصيل البصرية ذاتها، فلا يمكن التفريق بين أحدها والآخر سوى بالأبطال الذين يظهرون فيها، خاصة وأن الحبكات ذاتها متكررة، وذلك ما يجعل أفلام “بلاك بانثر” -على سبيل المثال- متميزة بين أعمال “مارفل” لصورتها السينمائية المميزة ورجوع صناعها إلى الثقافة الأفريقية في تصميم المؤثرات البصرية والديكورات والملابس.
فشل بسبب التكرار أم لغضب الجمهور؟
يتعرض فيلم “ذا مارفيلز” لهجوم عنيف ودعوات مقاطعة على مواقع التواصل الاجتماعي حتى قبل عرضه في صالات السينما لأسباب سياسية في معظم الأحيان، فقد اتهم عدد كبير من محبي أفلام “مارفل” العمل بالتحيز العنصري والتمييز.
ويستخدم هذا الاتهام مؤخرًا على مواقع التواصل للإشارة إلى الأعمال التي تراعي الأقليات أكثر من اللازم من وجهة نظر بعض المستخدمين، وفي السياق ذاته هاجم جمهور “مارفل” مخرجة الفيلم ذات البشرة السمراء، وبطلات الفيلم من النساء، خاصة أن واحدة منهن ذات أصول أفريقية، والأخرى مسلمة.
على الجانب الآخر، ظهرت أصوات تهاجم هذا الرأي وتتهم أصحابه بالتعصب ضد كل من هو مختلف، منها مقال مارك هيوز على موقع “فوربس” الذي أشار إلى الانسجام بين بطلات الفيلم المتعددات عرقيًا وأنه من أهم أسباب تميز العمل عن أعمال (مارفل) المتشابهة الأخرى”، وندد بما أطلق عليه “الشائعات والاتهامات الكاذبة والدعم الكبير للعنصرية وكراهية النساء”.
بالفعل لسنوات كانت “مارفل” متحيزة للرجل الأبيض على وجه الخصوص، بأفلام تروج لأبطال خارقين من العرق الأبيض، مع وجود نسائي ضعيف، وحققت هذه الأفلام شعبية واسعة بين المشاهدين من الشباب. وعندما قررت الشركة إحداث تغييرات بطبيعة أبطالها وضم الملونين والنساء بشكل واضح، بدأت تلك الشريحة ذاتها من الجمهور بإظهار غضبها تجاه هذه التغيرات التي اعتبروها خيانة لما ألفوه لسنوات.
وعلى الرغم من هذه الأصوات الغاضبة فإن من أهم ما يميز فيلم “ذا مارفيلز” بالفعل هو التنوع بين البطلات، ليس فقط من ناحية العرق أو الدين، ولكن أيضًا في الفئات العمرية والشخصية؛ فكبراهن عمرًا وخبرة كابتن مارفل تتولى القيادة، وبجوارها مونيكا رامبو المخلصة والتي يجمعها تاريخ قديم بكابتن مارفل التي كانت صديقة والدتها، بينما تضفي كاملا خان خفة الظل على الفريق وعالم “مارفل” بالكامل.
لا يمكن النظر كذلك لضعف إيرادات فيلم “ذا مارفيلز” بمنأى عن تراجع شعبية السلسلة بشكل عام، الذي بدأ منذ العام 2019، بموت “آيرون مان” وغياب “كابتن أميركا” وبالتالي اضطر صناع السلسلة لتصعيد أبطال جدد لم يلاقوا نفس الإعجاب.
لكن هناك أسباب أخرى بذات القدر من الوجاهة، أهمها وباء كورونا الذي اعتاد بسببه المشاهدون على انتظار صدور الأفلام على المنصات الإلكترونية، وكذلك افتتاح منصة “ديزني بلس” التي تصدر عليها أفلام “مارفل” متأخرة بشهور قليلة عن العرض السينمائي، وأيضًا إتخام المشاهدين بهذا العدد الكبير من مسلسلات وأفلام أبطال “مارفل” الخارقين، فلم يعد صدور عمل جديد حدثًا سعيدًا ينتظره المتفرجون، بل شيئًا اعتياديًا يتكرر كل شهر تقريبًا.
سقط فيلم “ذا مارفليز” ضحية لعدة عوامل، أهمها أن الاستوديو نفسه فقد بوصلته، واعتمد على إعادة إنتاج الأفلام الناجحة بنفس النهج، غير واضع في الاعتبار أن العالم بالكامل وعالم الترفيه بشكل خاص تغيرا كثيرًا في السنوات الثلاث الماضية.