أورد تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن الإسرائيليين لا يتوقفون عن مشاهدة مقاطع فيديو لهجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي التي يتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية، قائلا إن عواقب ذلك مدمرة نفسيا لهم.
ويقول كاتب التقرير يائيل حلاق إن من يشاهدون هذه المقاطع يعانون من أعراض “اضطراب ما بعد الصدمة” بسبب المشاهدة المكثفة، وبإدمان؛ للصور التي يتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية.
وينقل الكاتب عن إحدى الإسرائيليات قولها إنها لم تتعرض أبدا بشكل مباشر، وبهذا التفصيل، لفظائع من هذا النوع.
آلاف يطلبون المساعدة
ونقل التقرير عن الدكتور شيري دانيلز مدير منظمة تشرف على “خط عيران الساخن للإسعافات الأولية العاطفية” الإسرائيلي القول إنه منذ بداية الحرب استجاب الخط لأكثر من 50 ألف مكالمة، مضيفا أن معظم المكالمات من أشخاص لم يتأثروا بشكل مباشر بهجمات حماس.
وأوضح أن هذا العدد من المكالمات يمثل ارتفاعا بنسبة 100% مقارنة بالأوقات الروتينية، مشيرا إلى أنه خلال الأيام القليلة الأولى، تلقى الخط 3500 مكالمة في اليوم، وما زال يتلقى 1500 مكالمة يوميا. ويبلّغ الأشخاص الذين يتواصلون معه عن أعراض الصدمة التي يعانون منها من مشاهدة مقاطع الفيديو.
انهيار وتوقف عن الأكل
ومن بين المكالمات المعنية، يقول التقرير، تحدثت إحدى الأمهات عن ابنتها التي توقفت عن الأكل بعد مشاهدة مقاطع الفيديو”، وقال دانيلز “ذكرت طالبة أنها انهارت بعد رؤية مقطع. وقال رجل إنه تجاهل توصيات الخبراء، ولم ينم جيدا منذ مشاهدة لقطات الفيديو”.
ونقل عن الدكتورة نيريت غوردون، مختصة علم النفس الإكلينيكي المتخصصة في علاج الصدمات، في إشارة إلى الأعراض التي يراها زملاؤها في عياداتهم، قولها إن الناس “لا يأكلون، لا ينامون، غير قادرين على الكلام وتتدهور قدراتهم على الأداء”.
ويضيف المعالج غاليت فيلدمان، الذي يعمل مع الأفراد والأزواج والعائلات بأن لا أحد في البلاد ينام، “يقول لي المرضى “أنا لا أنام”، أو “أنام وأستيقظ بسبب كابوس”. ويعلق فيلدمان على ذلك بأنها أعراض جماعية، وليس هناك شك في أنها مرتبطة بشكل مباشر ووثيق بالمشاهدة الهائلة لمقاطع الفيديو هذه”.
يؤثر على الأزواج والأطفال
ويستمر فيلدمان قائلا إن التعرض لصور الحرب العنيفة له آثار تتجاوز قدراتنا النفسية، ويؤثر على العلاقات مع شركائنا وأيضا على علاقات الأبوة والأمومة، إذ يلاحظ الأطفال تعبيراتنا عندما نشاهد المقاطع، و”إذا نقلنا الصدمة فقط ولم نتوسط فيها برسائل أمل، فقد يكون لها تأثير سلبي على أطفالنا”، حيث عادة ما يستمد الأطفال الثقة والمرونة من مشاهدتنا.
ويضيف فيلدمان بأن الأطفال عندما يشاهدون والديهم يتأقلمون ويظلون متفائلين ويتعاملون مع التحديات، فإنهم يقلدون تلك السلوكيات، ومن ناحية أخرى، إذا رأوا والديهم يبكون ويتألمون، على سبيل المثال، بعد مشاهدة تقارير وسائل الإعلام، فسيصعب عليهم التغلب على مثل هذه المواقف بأنفسهم.
انخفاض الأداء الجنسي
ويلفت التقرير إلى أن دراسة إسرائيلية جديدة لم تنشر بعد عن الحرب الحالية في غزة وجدت أن التعرض لفترات طويلة للصور أو المحتوى المتعلق بأحداث الحرب يتسبب في انخفاض الأداء الجنسي، والأعراض المؤلمة، اليقظة المفرطة، والشعور باستمرار بأن الشخص “يقظ” باستمرار، وذكريات الماضي، ومشاعر الانفصال عن الواقع، والقلق، وما إلى ذلك.
وأعرب فيلدمان عن خشيته من حدوث موجة من العنف بعد الحرب، ومن العدوانية والعنف المنزلي، مشيرا إلى أن الدماغ يتعلم ويقلد، ويصبح هذا جزءا لا يتجزأ منا بدون وعي، إذ يؤدي التعرض لمحتوى عنيف بمرور الوقت إلى انخفاض الحساسية.
ويقول “نحن نطور السلبية، وتصبح الأمور طبيعية، ويعتاد دماغ مجتمع بأكمله على السادية والعنف على مستوى جديد ومتطرف، وسنصبح أقل حساسية للاحتياجات، وللضيق، وسنكون أقل تعاطفا مع الآخر”.
منع توزيع فيلم الهجوم
وقال التقرير إن السلطات الإسرائيلية، إدراكا منها للعواقب النفسية القاسية المحتملة، منعت حتى الآن توزيع الفيلم الذي يستغرق 45 دقيقة لهجوم حماس والذي جمعته وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي.
ويقوم المسؤولون بعرض الفيلم، بإشراف وعلى أساس محدود، للصحفيين وصناع القرار في مختلف البلدان، من أجل إظهار ما حدث بالفعل وحشد الدعم الدولي لإسرائيل.
وحث ممارسو الصحة العقلية الحكومة الإسرائيلية على عدم إتاحة الفيلم الكامل للجمهور بشكل عام. وقبل بضعة أسابيع، كتب البروفيسور إيال فروشتر، رئيس المجلس الوطني الإسرائيلي لاضطراب ما بعد الصدمة محذرا من أن “مشاهدة الفيلم قد تضر بالمشاهد، وإذا تم تسريب الفيلم أو مشاهدته من قبل جمهور واسع، فسيكون ذلك ضارا بهم”.