يورغن موليمان.. وزير ألماني دافع عن فلسطين ومات في ظروف غامضة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

بعد أكثر من 20 عاما على وفاته، لا تزال تصريحاته حول فلسطين تثير إعجابًا كبيرًا لدى متصفحي الإنترنت، خصوصا مقاطع فيديو لقاءاته التي يعاد نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ذلك قوله “لا توجد دبابات فلسطينية في تل أبيب أو القدس، بل توجد دبابات إسرائيلية في فلسطين”، كما يقول في مقطع آخر “يجب أن تكون قادرًا على انتقاد السياسات الإسرائيلية دون أن يتم دفعك إلى الركن”.

إنه بيورغن (أو يورغين) موليمان، الذي كان وزيرا للتعليم، ثم وزيرا للاقتصاد، كما كان نائبا لمستشار ألمانيا لفترة مؤقتة، كل هذا في الفترة ما بين 1987 و1993، فضلا عن قيادته الحزب الديمقراطي الحر ذا التوجهات الليبرالية، لفترة طويلة في ولاية شمال الراين ويستفاليا، كما كان عضوا في البرلمان الاتحادي عن هذا الحزب لحوالي 29 سنة.

موليمان تحدث عن “ابتزاز إسرائيلي” مورس بحق الحزب الديمقراطي من أجل التخلي عنه (غيتي)

صديق الفلسطينيين والعرب

يعود الإعجاب بأقواله لسبب واضح بالنسبة لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية في ألمانيا، هو كون خطابه صار نادرا للغاية فيها خلال السنوات الأخيرة، حيث تجتمع جلّ الأحزاب على دعم إسرائيل، وحتى حزب اليسار الألماني يتخذ خطابا متوازنا لا يجعله يظهر كصوت للفلسطينيين، خصوصا مع مخاوف ربط انتقاد إسرائيل بمعاداة السامية.

ومما أسهم في شهرة موليمان طريقة موته، فهوايته الهبوط بالمظلة تحولت إلى سبب لمقتله عندما قفز من طائرة دون أن يَسحب أو يُسحب الحبل الخاص بإطلاق المظلة، مما أدى إلى ارتطامه على الأرض بقوة، وبقي موته يثير الكثير من الأسئلة.

كان يورغن موليمان رئيس جمعية الصداقة العربية-الألمانية، عندما كانت هذه الجمعية في أوجها وتحظى بدعم واسع، كما كان لها في عهده علاقات قوية مع الدول العربية، وأدت انتقاداته القوية لإسرائيل ووصفه بأنها “دولة إرهاب” إلى انسحاب أعضاء ينتمون لأحزاب أخرى من الجمعية.

رفض موليمان غزو الولايات المتحدة للعراق، وانتقد بقوة الموقف الألماني واصفا إياه بالجبان، رغم أن برلين عارضت الغزو، وقال إن أهداف الغزو مالية لأجل ضمان أرباح بالمليارات لاقتصاد أميركا وحلفائها.

كما وقف ضد التشهير بالمسلمين في أعقاب هجمات “11 سبتمبر”، وحذر من اعتبار المسلمين والعرب “أعداءً جماعيين”، لافتا إلى ضرورة تجنب خلق عداء مفترض بين الغرب والإسلام، وأنه في كل المجتمعات الدينية هناك مجرمون.

“معاداة السامية” تلاحقه

من أكبر المعارك التي اشتهر بها موليمان، تلك التي جمعته بميشيل فريدمان عام 2002، الذي كان حينها نائب رئيس المجلس المركزي لليهود، وهي جهة داعمة لإسرائيل.

وزع موليمان منشورات في الحملة الانتخابية تنتقد بحدة حكومة الإسرائيلي أرييل شارون، وذكر حينها أن هذه الحكومة ترسل الدبابات إلى مخيمات اللاجئين، في تناقض مع قرارات مجلس الأمن الدولي.

قال موليمان إن فريدمان يدافع عن حكومة شارون، وإنه يحاول تنميطه على أساس أنه “معاد للسامية ولإسرائيل”، وهي التهمة التي تلاحق كل من انتقد سياسات إسرائيل، كما وصلت اتهامات موليمان، الذي كان حينها نائب رئيس الحزب الديمقراطي الحر، لفريدمان درجة القول إنه “لا يوجد أفضل من لعب دور العداء للسامية من شارون وفريدمان”.

اعتذر موليمان لاحقا عن كلامه، لكنه قال إن الاعتذار موجه لليهود وليس لفريدمان، واستمر ينتقد هذا الأخير، وتبرأت قيادة الحزب الديمقراطي الحر من تصريحات موليمان، كما انتقدته شخصيات من أحزاب أخرى، وكذلك قيادة المجلس المركزي لليهود التي اعتبرت أن “تصريحاته دليل أن الهجمات المعادية للسامية جزء من إستراتيجيته لكسب نقاط لدى اليمين”.

ارتبط اسم يورغن موليمان كذلك باسم جمال قارصلي، النائب في حزب الخضر، الذي انسحب منه بعد استخدام عبارة “أساليب نازية” للإشارة إلى الجيش الإسرائيلي، وهو التشبيه الممنوع قانونيا في ألمانيا.

ساعد موليمان قارصلي على الانضمام إلى الحزب الديمقراطي الحر، ودافع عنه بقوة في وجه المنتقدين، لكن هذا الانضمام لم يدم طويلا، وانتهى الأمر بقارصلي إلى تأسيس حزب صغير اسمه فاكت، لكن المحاولة بدورها لم تنجح، وحُلّ الحزب لاحقا.

موليمان فقد الحصانة البرلمانية إثر تحقيق معه بشبهة التهرب الضريبي في نفس اليوم الذي أُعلن فيه عن مقتله في حادث سقوط المظلة (غيتي)

نهاية السياسة والحياة

حقق الحزب الديمقراطي الحر نتائج سلبية في الانتخابات الفدرالية لذلك العام، وحمّل قياديون في الحزب موليمان هذه النتائج بسبب “تصريحاته العدائية”، فكانت تلك بداية نهاية موليمان سياسيا.

استقال من منصب نائب رئيس الحزب، ثم تفجرت ما اعتبرت حينها فضيحة تمويل حملته الانتخابية بحوالي 840 ألف يورو، خصوصا المنشورات المنتقدة لإسرائيل التي بلغت 8.5 ملايين نسخة، وقال الحزب إن المال جُمع بتبرعات غير قانونية وبطرق ملتوية من مصادر مجهولة.

دافع موليمان بالقول إن الأموال جاءت من أصوله الخاصة، وقام بتحويلها إلى خزائن الحزب، كما تحدث عن محاولة للإيقاع به من طرف قيادة حزبه حتى “يموت سياسيا”، انتهت علاقته تماما بالحزب عندما استقال منه عام 2003 إثر تزايد الضغوط عليه، ثم فقد الحصانة البرلمانية يوم السادس من شهر يونيو/حزيران إثر تحقيق معه بشبهة التهرب الضريبي، وفي ذلك اليوم تحديدا، أُعلن عن مقتله في حادث سقوط المظلة.

كان موليمان خبيرا بالقفز بالمظلة، وكان من المنتظر أن يفتح المظلة الاحتياطية بعد التخلي عن المظلة الرئيسية، لكن ذلك لم يحدث، أوضح التحقيق الجنائي أنه لم يكن هناك أيّ مشكل تقني بالمظلة، وأن الراحل كان واعيا لحظة القفز.

لكن رغم هذا التحقيق، بقيت واقعة مقتله تثير كلاما كثيرا، خصوصا في المجالس الخاصة، حيث تدور أحاديث عن أنه قُتل، لكن التقرير الرسمي رجح بقوة فرضية الانتحار، كما أن من كانوا معه لحظة القفز لم يدلوا بأي شيء يؤكد وجود طرف ثالث متسبب في موته.

“عين الموساد تراقبني”

خلقت الوصية التي أعطاها موليمان لصديق له قبل شهر من وفاته مزيدا من الجدل، حيث ذكر فيها اسم زوجته كوريثة لأملاكه داخل وخارج ألمانيا، بينما صرّح صديقه بأن موليمان كان في ذلك اللقاء قلقا للغاية، وكان يقول “إنهم يحاولون الوصول إليه”، دون أن يوضح هوية هذه الجهة، سواء في كلامه مع صديقه أو في الرسالة، لكن صديقه أكد أنه هو الآخر يرجح فرضية الانتحار.

لاحقت الزعيم الليبرالي موليمان اتهامات بأنه حصل على أموال من السعودية، نظير تمرير صفقات أسلحة بداية التسعينيات، وأن تفتيش منزله كفيل بإيجاد وثائق معينة، لكن لم يثبت هذا الكلام قضائيا ولم يعثر على ما يدينه في القضية، وبقي كلام صحف.

تحدث موليمان بشكل واضح في كتابه “كلار تيكست” (نص واضح)، الذي صدر قبل 3 أشهر من وفاته، أن مسؤولاً من الموساد أخبر رئيس الحزب الديمقراطي الحر حينها، غيدو فيسترفيله، في زيارته لإسرائيل عام 2002 بأن “الحكومة الإسرائيلية تريد رأسي السياسي”، أي إنهاء مساره السياسي تماما، وتحدث موليمان عن “ابتزاز إسرائيلي” مورس بحق الحزب من أجل التخلي عنه.

رحل موليمان وهو في عز جدله السياسي، وعمره لا يتجاوز 57 عاما، وكان الرجل يريد مقاومة كل الضغوط وتأسيس حزب جديد، لكن واقعة المظلة أنهت كل شيء، وأنهت معها قصة آخر مسؤول ألماني كان يدافع عن الفلسطينيين، ويرفع الصوت عاليا ضد الحكومة الإسرائيلية.

لكن هناك من يقول إن الطريقة التي غادر بها موليمان العالم والتحقيقات الجنائية التي لاحقته، مثلتا عاملين إضافيين للسياسيين الألمان لأجل إبداء حذر كبير تجاه القضية الفلسطينية، والبقاء في مساحة آمنة تضمن لهم مسارا سياسيا دون مشاكل، ولو كان ذلك بدعم منحاز للاحتلال، وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *