حسابات مزيفة تنتحل صفة مواقع إخبارية رائدة، ومقاطع قديمة يتم تقديمها على أنها مصورة حديثا، واستخدام عالي الجودة للذكاء الاصطناعي من أجل تغيير الحقائق.
هذا جزء من مشهد التضليل الإعلامي الحالي في حرب إسرائيل وغزة الذي تتعدد تفاصيله.
ومن أبرز وسائل التزييف، التي كشف عنها باحثون عودة ما يعرف باسم Doppelganger التي كانت قد ظهرت في يونيو الماضي، وهذ المصطلح يعني إنشاء مواقع تشبه تماما المنصات الأصلية، وبالتالي إصدار معلومات تبدو وكأنها صدرت عن المصادر الأصلية في حين أن الواقع مغاير تماما.
صحيفة هآرتس الإسرائيلية وباحثون كشفوا عن عودة هذه الحملة بعد حرب إسرائيل وحماس.
وكانت الحكومة الفرنسية قد أعلنت، في يونيو الماضي، أنها رصدت حملة مشابهة مرتبطة بالحكومة الروسية، إذ تم استهداف منافذ إعلامية كبيرة مثل صحف لو باريزيان ولوفيغارو ولوموند، وفي ألمانيا تم استهداف دير شبيغل وبيلد.
وبهذه الطريقة، يتولى المتسللون تصميم مواقع تشبه المواقع الأصلية وحتى نطاق الموقع يكون شبيها أيضا.
وعلى سبيل المثال، اسم النطاق الحقيقي لـ Le Parisien هو leparisien.fr بينما كان اسم النطاق المقلد وقت انطلاق الحملة هو leparisien.ltd.
وتقول هآرتس إن القائمين على هذا النوع من حملات التزييف نجحوا في إنشاء “نسخ شبه مثالية” للمواقع الخاصة بوسائل الإعلام ذائعة الصيت في جميع أنحاء العالم على مدار العامين الماضيين.
“حرب هجينة” على الإنترنت.. فرنسا تكشف “حملة تلاعب روسية”
أعلنت فرنسا، الثلاثاء، الكشف عن حملة تضليل كبيرة تنفذها روسيا وتنطوي على نشر أخبار كاذبة معادية لأوكرانيا تبدو وكأن وسائل إعلام فرنسية بارزة نشرتها.
وفي الوقت الحالي، تنتشر على نطاق واسع المعلومات المضللة عن حرب غزة، من حسابات زائفة تنتحل شخصية صحفيين، إلى مشاهد من ألعاب فيديو حربية تُنشر على أنها حقيقية، وصور أسرى غير حقيقية، مع صعوبات عارمة تواجه منصات التواصل الاجتماعي لاحتواء هذه الموجة من المعلومات المضللة.
ووفق ما أوردت هآرتس، وجد الباحثون الذين اطلعوا على مواد مزيفة منشورة تخص الصراع الحالي أن الحملة الجديدة على صلة أيضا بشبكة واسعة مرتبطة بالكرملين، بهدف إثارة الفوضى ومعادة السامية، وذلك بنشر قصص كاذبة عن الحرب.
ومن أهم ما يميز هذه الحملة “القدرات التكنولوجية الجديدة التي تسمح لها بتوسيع نطاق شبكتها من الحسابات المزيفة واستخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى”.
ومن أهم المواقع التي تعرضت لعملية التزييف في الحملة الجديدة موقع قناة فوكس نيوز الأميركية، وصحيفة دير شبيغل، وصحيفة لا باريزيان، وتم أيضا تزوير موقع “والا” الإسرائيلي الشهير، ونشرت أربعة تقارير على الأقل للموقع تحتوي على معلومات مضللة عن الحرب وتعليقات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باللغة العبرية.
من أبرز الأمثلة، استخدمت المواقع المقلدة صورة لنجمة داوود ظهرت كغرافيتي في باريس، وكشفت صحيفة لوموند أن من رسمها مواطنان من مولدوفا حصلا على أموال مقابل القيام بذلك من قبل مواطن أجنبي، وفق اعترافاتهما. وكان الهدف هو إثارة المخاوف المعادية للسامية في البلاد.
تصميم موقع والا تم بشكل مثالي للغاية، وتم استخدام نطاق مشابه لإضفاء المصداقية، بل واحتوت تقارير الموقع الموازي على أسماء طاقم التحرير الأصليين وبتاريخ حديث.
وجاء في أحد تقارير والا المزيفة أن “الغوغاء المعادين للسامية الذين هاجموا الإسرائيليين واليهود في مطار داغستان” كان عملهم نتيجة “عملية ناجحة قامت بها المخابرات الأوكرانية والوكالات التركية”.
وجاء في أحد المنشورات المزيفة أن بايدن “فر من البيت الأبيض” خلال مسيرة مؤيدة للفلسطينيين في واشنطن، وأشار تقرير آخر إلى أن “معاداة السامية والطريق إلى إبادة إسرائيل جزء لا يتجزأ من الأيديولوجية الليبرالية اليسارية” في الولايات المتحدة.
وفي حين ركزت المعلومات المضللة باللغة العبرية على المخاطر التي تتعرض لها إسرائيل، فإن المعلومات المضللة التي نشرتها الحملة الروسية بلغات أخرى استخدمت الحرب للتحريض ضد إسرائيل.
على سبيل المثال، زعم تقرير مزيف لفوكس نيوز أن المشرعين الأميركيين قرروا “إعادة توجيه المساعدات المالية من أوكرانيا إلى إسرائيل. وقد بدأت كييف بالفعل بابتزاز واشنطن بخسارة الحرب ضد روسيا”.
وحاول تقرير في صحيفة ألمانية ربط حرب غزة بارتفاع أسعار الطاقة في ألمانيا، واعتبر أن السياسات الإسرائيلية تساهم في أزمة الطاقة التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي.
واللافت أن التقارير الكاذبة في يونيو الماضي قدمت رواية مماثلة، إذ قالت إن دعم الدول لأوكرانيا يضر باقتصاد هذه الدول، والهدف كان واضحا وهو تقويض الدعم الشعبي والسياسي في فرنسا وألمانيا وإسرائيل أوكرانيا بمواجهة روسيا.
وتمتد حملة المعلومات المزيفة إلى مجموعات وقنوات تيليغرام، والعديد من منصات التواصل الاجتماعي، وعشرات المواقع الإلكترونية المزيفة، ووكالات الأنباء المزيفة التي تستغل وسائل التواصل الاجتماعي، والحملات لشراء الإعلانات، لنشر محتوى مزيف على منصات مثل فيسبوك وغوغل.
وكانت مقاطع الفيديو، بدرجات متفاوتة من الصحة، جزءا من المعلومات المزيفة والحرب النفسية وشملت جميع الأطراف: حسابات إيرانية نشرت نظريات مؤامرة عن خيانة الجيش الإسرائيلي لإسرائيل، ومعلومات مزيفة مؤيدة للفلسطينيين، ومقاطع عدة نشرها مؤيدون لإسرائيل، لم يتم التحقق منها وساهمت في الفوضى الرقمية.
وهذه الأمور تم تضخيمها بشكل كبير بعد التغييرات التي أجراها مالك “أكس”، إيلون ماسك، على منصته، التي قصلت من آليات مكافحة المعلومات المزيفة، مثل إعادة تفعيل حسابات تروج لمؤامرات زائفة، ووضع برنامج لمشاركة عائدات الإعلانات مع صانعي المحتوى، يقول خبراء لوكالة فرانس برس، إنه يحفز البحث عن التفاعل بدلا من توخي الدقة.
وبعدما كانت علامة التوثيق الزرقاء مجانية، ومخصصة لحسابات المشاهير والشركات والكيانات الرسمية، صارت متاحة للجميع مقابل اشتراك شهري، مما جعل المنصة أقل موثوقية، وفق هآرتس، إذ ظهرت “عاصفة من المعلومات المضللة، وأغرقت الحسابات الموثقة المشتراة الإنترنت بمعلومات كاذبة مستغلة أنها “موثقة”.
وتعمقت المشكلة خلال النزاع الحالي بين إسرائيل وحماس، إذ أن العديد من الحسابات المزيفة، رغم كونها “موثقة”، تعمل على “إرباك المشهد وتبث صورا من نزاعات سابقة، وتروج لاستنتاجات متسرعة بناء على مقاطع لم يتم التحقق منها”.
وفي هذا السياق، أعلنت المفوضية الأوروبية في 12 أكتوبر فتح تحقيق بشأن شبكة التواصل الاجتماعي بشبهة نشر “معلومات كاذبة” و”محتوى عنيف وإرهابي” و”خطاب كراهية” بعد هجمات حماس على إسرائيل.
ورغم أن الأحداث العالمية الكبرى عادة ما تثير موجة هائلة من المعلومات المضللة، قال باحثون لفرانس برس إن حجم وسرعة انتشارها عبر الإنترنت في أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر لم يسبق له مثيل.
ويقول خبراء إن هذا النزاع يلقي الضوء على تضاؤل قدرة المنصات البارزة مثل فيسبوك وأكس على مكافحة المعلومات الكاذبة، في مناخ يُهيمن عليه تسريح الموظفين وخفض التكاليف.
ويخشى الخبراء أن تكون هذه الإجراءات زادت من خطر صناعة المعلومات المضللة الكثير من الأضرار، على غرار مفاقمة الكراهية والعنف خصوصا في ظلّ سيناريو أزمة سريعة التطور مثل الذي يتكشف في إسرائيل وغزة.