نابلس – شكل واحد من التعذيب على الأقل تعرَّض له مئات الفلسطينين الذين اعتقلهم الاحتلال الإسرائيلي بالضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومن لم يحالفه الحظ، ذاق أصنافا شتى من العذاب ومرَّ بسلسلة من الانتهاكات من لحظة اعتقاله وأثناء التحقيق معه حتى دخوله المعتقل. وأفضى هذا إلى القتل المباشر أحيانا.
ومنهم من جمع الأمرين معا، فذاق فوق التنكيل والشبْح والضرب أسوأ أنواع الانتقام الإسرائيلي الذي يهدف إلى كسر معنويات الأسير وإذلاله والنيل من كرامته، فيُجبر مثلا على تقبيل العلم الإسرائيلي أو سماع النشيد الرسمي لدولة الاحتلال لأيام، فضلا عن تعرية الأسرى فرادى وجماعات، والتهديد بالاغتصاب وغير ذلك.
وأمام هذا كله، طُرحت تساؤلات عن سر “العقاب النفسي والمعنوي” للأسرى، حسب ما يقول كثيرون، إذ لم يكتف الاحتلال بالنيل من أجسادهم بالتنكيل والضرب والقتل، بل عمد إلى النيل من كرامتهم.
من يرفض يواجه الويلات
وهذه التجربة في النيل من معنويات الأسرى عاشها الفلسطيني خالد صوصة (62 عاما) بعد اعتقاله لثمانية أيام في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ داهم الاحتلال منزله فجرا وضرب ابنه واقتاده من بين أفراد عائلته “مكبلا ومطأطأ الرأس”، مع توجيه شتائم بألفاظ نابية.
ويقول صوصة للجزيرة نت إنه تنقل بين عدة سجون حتى استقر به الحال بعد أيام في معتقل مجدو شمالا، وهناك يجبر الأسرى على تقبيل العلم الإسرائيلي فيما تعرف بـ”غرفة العلَم”، ومن يرفض ينهالون عليه بالضرب المبرح. ويضيف “بمجرد أن يقول الأسير لا، يهاجمه ما لا يقل عن 15 جنديا بمن فيهم ممرض السجن، ويبرحونه ضربا”.
ويضيف خالد صوصة المنحدر من مدينة نابلس “يتم تصوير عملية تقبيل العلم على وقع نشيد دولة الاحتلال، ويجبر الأسير على قول: دولة إسرائيل قوية”.
وإضافة لتقبيل العلم، تعمّد الجنود شتم الأسير صوصة بألفاظ نابية، وسبق ذلك تفتيشه عاريا، حيث يدخلون الأسير إلى غرفة صغيرة ويجبرونه على خلع جميع ملابسه وسط تفتيش مهين، وإضافة لكل ذلك يتعرض أي أسير مكرها لسماع الموسيقى الصاخبة.
ومنذ بداية الحرب، اعتقلت إسرائيل نحو 3 آلاف أسير فلسطيني، ووثقت مشاهد كثيرة لتعرضهم لتنكيل وتعذيب غير مسبوق أدى لاستشهاد 6 منهم حتى الآن، وجلهم تمت تعريتهم أثناء التحقيق معهم وخلال نقلهم عبر “البوسطة” (حافلة السجن).
في هذه الأثناء، يواجه الأسرى عموما عقوبات جماعية تمثل أهمها في قطع الكهرباء والاتصال والماء ومنع لقاء المحامين، وتقليص الطعام والشراب، ومنع الدواء عن أكثر من 70% من الأسرى المرضى، وفق ما قالته هيئة شؤون الأسرى والمحررين.
انتهاكات داخل السجون وخارجها
وتحت الضغط النفسي والمعنوي، وُضع الأسير فؤاد يوسف حسن من بلدة قصرة جنوب نابلس، بعد أن اعتقله الاحتلال مع عدد من أشقائه للضغط على شقيق آخر لهم لتسليم نفسه للاحتلال، وحاول اعتقال والدتهم المسنة وشقيقتهم الصغرى أيضا.
واعتقل حسن في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري لعدة أيام، إلا أنه عاش تجربة القمع الإسرائيلي بكل مراحلها، بدءا من التنكيل بالمنزل وداخل الآلية العسكرية، وصولا لمعسكرات ومراكز التوقيف والتحقيق حيث التعرية الكاملة والتفتيش، وانتهاء بسجن مجدو، حيث يجبر الأسرى على تقبيل العلم الإسرائيلي ويتعرض لانتهاكات كثيرة تهدف لكسر معنويات الأسير وصموده.
ويقول حسن للجزيرة نت “أجبروا الأسرى على تقبيل العلم وعلى النبح مثل الكلاب، ويتم توثيق ذلك بالتصوير، وعندما رفضت هاجموني وضربوني بقوة مفرطة وكسَّروا عظامي، وغالبا يضربون من قبَّل العلم أو رفض”.
وليس داخل السجون فحسب، بل يواجه الأسرى إجراءات الاحتلال من تقبيل العلم وتوجيه شتائم للمقاومة خلال اعتقالهم في الطرقات، كما حصل بمدينة القدس، التي عمد فيها الاحتلال منذ بدء الحرب لرفع الأعلام الإسرائيلية بكثافة بين أزقتها وحواريها لا سيما في البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى.
ويقول الناشط في الدفاع عن الأسرى بالقدس ناصر حمَّاد إن الاحتلال صعَّد من اعتقاله للشبان والأطفال داخل المدينة، واعتدى عليهم بالضرب والتنكيل المبرح، وأجبرهم على تقبيل العلم الإسرائيلي في الطرقات وحمله، وتصويرهم بهذا المشهد داخل أقبية التحقيق.
ويضيف حمَّاد أنه تتم إهانة الأسرى وضربهم والتنكيل بهم عن طريق مجندات يمارسن الاستهزاء والسخرية بحقهم، ويتم جرهم على ظهورهم وهم عراة أمام المجندات.
حقد دفين
وكل ذلك يعزوه حمَّاد إلى الشعور بالنقص لدى جنود الاحتلال بشأن السيادة الإسرائيلية وخاصة في القدس، لكنه عائد أيضا إلى التعليمات التي أعطيت لهم واستغلال حالة الطوارئ في الحرب بأريحية تامة، وبالتالي “يتعمدون النيل من عزيمة الأسير الفلسطيني بشكل ينمّ عن حقد دفين غذَّته معتقداتهم الدينية”، يضيف موضحا.
ولم يترك جيش الاحتلال أي أسلوب إلا استخدمه لوضع الأسرى في ظروف مهينة لكرامتهم الإنسانية، ولا يكتفي بالضرب المبرح بكل أنواعه أو حتى بالقتل، كما تقول مسؤولة الإعلام بنادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة.
ويعمد الاحتلال، حسب سراحنة، إلى “ترقيم الأسرى” بإشارات وأرقام على أجسادهم أثناء اعتقالهم في أسلوب “نازي يهدف للمس النفسي بالأسير”، واستولى على صفحاتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي ونشر معلومات مضللة وضد قناعات وفطرة الإنسان الفلسطيني.
وأوضحت سراحنة أن ما تظهره عمليات الاعتقال يؤكد أن هدف الاحتلال فقط إذلال الناس والانتقام الجماعي منهم والتنكيل بهم، وأكدت أن معظم من اعتقل منذ بدء الحرب على غزة حُوِّل للاعتقال الإداري، وجزء بسيط منهم وجهت إليهم لوائح اتهام.