القاهرة- بينما أعلنت الحكومة المصرية إجراءات مواجهة القفزات الكبيرة في أسعار سلعة السكر، كان السائق الخمسيني عبد الله محمود يحتج على الحكومة، وهو يقلب آخر ما تبقى من السكر في كوب الشاي الصباحي الذي يفضله.
يقول السائق الخمسيني للجزيرة نت إنه تذكر نصيحة زوجته ببدء الاقتصاد في تناول السكر الذي وصل سعره في السوق إلى 50 جنيها (الدولار = 30.90 رسميا و50 جنيها في السوق السوداء) وسط ندرة في هذه السلعة الإستراتيجية.
ودفع هذا الوضع البعض إلى السخرية، معتبرين أن سعر السكر بات شبيها بتغيرات سعر صرف الدولار.
ويأتي هذا الغلاء رغم أن إحصائيات صادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية) مايو/أيار الماضي تتحدث عن أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من السكر بنسبة 100.1% خلال العام الماضي، إذ بلغ إجمالي إنتاج البلاد من المحاصيل السكرية ما يقرب من 30 مليون و6 آلاف طن عام 2022 مقابل 25 مليون و62 ألف طن عام 2021 بنسبة زيادة قدرها 17.3%.
وألقى وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي -في تصريحات تلفزيونية- باللائمة على بعض المواطنين الذين يلجؤون إلى تخزين السكر بكميات كبيرة، في حين يرى مراقبون تحدثوا للجزيرة نت أنه يقف وراء الأزمة تجار محتكرون بجانب غياب للرقابة الحكومية، وفق تعبيرهم.
رحلة البحث عن كيس سكر
في جولة ميدانية، قام بها في الساعات الأخيرة مراسل الجزيرة نت بمدينة 6 أكتوبر الشهيرة، ضمت 5 سلاسل تجارية شهيرة ومنافذ بيع محلية، أحدها حكومي، كشفت رحلة البحث عن كيس سكر عن أزمة حقيقة، وفق تأكيدات عاملين في التجارة.
ففي 3 منافذ لسلاسل تجارية شهيرة وسط المدنية، كانت الأرفف وممرات المنافذ تمتلئ بكل السلع الغذائية الأساسية، ما عدا السكر، وبسؤال الباعة، أكدوا للجزيرة نت أنه لا يوجد موعد لوصول هذه السلعة الإستراتيجية، كما أنه فور وصولها تنفد الكمية.
في المقابل، كانت الأرفف تمتلئ بعروض جذابة لأكياس السكر المحلى دون سعرات حرارية (سكر الرجيم) بأسعار مرتفعة، إذ وصل سعر العبوة 400 غرام إلى 260 جنيها، في حين عرضت سلسلة تجارية عبوات صنعتها خصيصا باسمها لسكر المكعبات ذي اللون البني، وزن 500 غرام ، بسعر 39 جنيها، بجوار أظرف شركات محلية أخرى بأسعار تراوحت بين 81 جنيها و163 جنيها.
على الجانب الآخر، تقف سيارتان لبيع السلع الغذائية بسعر مخفض، خلف مسجد الحصري الشهير، وتعرض عددا محدودا من أكياس السكر، أحدها وزن 600 غرام لشركة مغمورة بسعر 33 جنيها، وآخر بوزن 900 غرام للنوعية نفسها من إنتاج شركات غير معروفة بسعر يصل إلى 42 جنيها.
وفي منفذ حكومي يقع بالقرب من مسجد الحصري، يباع كيلو السكر الفاخر بسعر 45 جنيها. وبسؤال البائع، عن السكر المدعم الذي أعلنته الحكومة بسعر27 جنيها، قال للجزيرة نت: “لم يصل، وأي سعر منخفض عن سعرنا يكون وزنه وجودته أقل”.
وفي نهاية الجولة، استطعنا الحصول على كيس سكر واحد من سلسلة تجارية شهيرة أخرى بالقرب من ميدان الحصري، تقدم -حسب البائع- عرضين‘ إذ تقدم نوعا مدعما بسعر 27 جنيها بعد خصم 9 جنيهات من سعره الأصلي لوجوده في مبادرة تخفيض الأسعار الرئاسية، ويحق للمستهلك الحصول على كيس واحد منه فقط، ونوعا فاخرا -حسب وصف البائع- بسعر40 جنيها، ويحق للمستهلك الحصول على كيسين منه.
هذه الأسعار وصل صداها إلى سائق الميكروباص الشاب أحمد مصطفى، الذي قال للجزيرة نت إنه كان يشرب كوب شاي بمبلغ 8 جنيهات في أحد المقاهي الشعبية قبل ارتفاع سعر السكر، بينما بات يدفع 10 جنيهات حاليا، في حين ارتفع سعر فنجان القهوة لدى الباعة على الطريق من 10 جنيهات إلى 12 جنيها، وفق المتحدث ذاته.
محتكرون
يقول رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء محمود العسقلاني للجزيرة نت “يقف عدد من المحتكرين وراء تلك الأزمة”، مؤكدا أن بعض التجار حصلوا على إنتاج عدد من مصانع السكر، بجانب استيرادهم كميات كبيرة منه، بهدف احتكار السوق، مما أدى إلى قفزات كبيرة في سعره من 20 جنيها “كسعر عادل” إلى 50 جنيها.
ويشير رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء إلى أنه تقدم ببلاغ رسمي إلى جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لفتح تحقيق فوري، فيما يحدث، وإحالة المتورطين إلى المحاكمة، موضحا أن هناك “اتفاقات أفقية مسبقة بين عدد من التجار يحظرها قانون حماية المنافسة رقم 3 لسنة 2005، حيث يحددون الزيادة ويجرى تنفيذها بالتنسيق عبر مجموعة على تطبيق واتساب، ضمن تنظيم عنقودي من التجار الوسطاء في جميع المحافظات”، حسب نص بلاغه.
ويرى رئيس النقابة العامة لصغار المزارعين الفلاح هاشم فرج أن المفترض -في ضوء الاكتفاء الذاتي لمصر من المحاصيل السكرية- أن يصل سعر بيع كيلو السكر إلى 10 جنيهات فقط.
ويشير في حديث للجزيرة نت إلى أن وزارة التموين تبيعه في منافذها بسعر 13 جنيها، لكن ما يحدث في الأسواق -والكلام لفرج- جشع تجار بدون رقابة حكومية.
وكان حسن الفندي، رجل الأعمال ورئيس شعبة السكر في غرفة الصناعات الغذائية المصرية، أكد في تصريحات صحفية أن ارتفاع سعر السكر خلال الفترة الحالية غير مبرر، ويقف وراءه تلاعب بعض التجار.
قرارات حكومية
وفي محاولة لمواجهة أزمة غلاء السكر، اتخذت الحكومة المصرية بعض الخطوات:
- التعاقد على 100 ألف طن سكر أبيض لتعزيز المخزون الإستراتيجي منه، ومن المفترض أن يكفي حتى أبريل/ نيسان 2024، حسب الحكومة.
- ضخ ما بين 2000 إلى 3000 طن سكر في منافذ صرف السلع التموينية، حيث يتم طرحه على بطاقات التموين بسعر 12.60 جنيها للكيلوغرام الواحد.
- الاتفاق الحكومي مع السلاسل التجارية الخاصة على عدم السماح ببيع أكثر من 3 كيلوغرامات سكر للشخص الواحد.
- ضخ كميات كبيرة من السكر بمنافذ المجمعات الاستهلاكية (حكومية) لطرحه ضمن مبادرة تخفيض الأسعار الرئاسية الحالية، بسعر27 جنيها للكيلوغرام.