سلط تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الضوء على ما وصفه بتراجع حرية التعبير في الأردن، الذي يعد واحدا من الدول القليلة في الشرق الأوسط التي حافظت على هامش من الحريات خلال السنوات الماضية.
وقالت الصحيفة إن الأردن، الحليف المهم للولايات المتحدة وأحد الدول الأكثر استقرارا في منطقة مضطربة، قدم منذ فترة طويلة شكلا أكثر حرية مقارنة بالدول المجاورة، مثل سوريا والعراق والسعودية.
لكن في الآونة الأخيرة، اتخذت الحكومة الأردنية خطوات لكبح جماح حرية التعبير، بما في ذلك إقرار تشريع جديد يمكن استخدامه ضد منتقدي النظام الملكي وحجب موقع إلكتروني ساخر، وفقا للصحيفة.
وبينت الصحيفة أن السلطات الأردنية حجبت في يوليو الماضي موقع “الحدود” الساخر، مما جعله الضحية الأحدث في حملة قمع متصاعدة ضد حرية التعبير في البلاد.
جاء الحجب بعد نحو شهر من نشر الموقع سلسلة مقالات حملت سخرية من الزفاف الملكي لولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، بحسب الصحيفة.
تنقل الصحيفة عن مؤسس الموقع عصام عريقات، الذي يعيش الآن في لندن، القول إن “عرض التباهي بالثروة (الزفاف الملكي) في بلد ينتشر فيه الفقر على نطاق واسع جعله هدفا لا يقاوم للسخرية”.
وأضاف عريقات البالغ من العمر 39 عاما: “طوال السنوات العشر التي قضيناها، تجاوزنا الحدود.. إن الأمر يتجاوز مجرد حرية التعبير فهم يقمعون الجميع بأقصى ما يستطيعون”.
تزامن ذلك مع تشريع مجلس النواب الأردني قانون الجرائم الإلكترونية، الذي ينص على فرض عقوبة تصل إلى السجن ثلاث سنوات أو غرامة تصل إلى 28 ألف دولار بحق كل من ينشر محتوى “يقوض النظام العام أو يثير الفتنة أو لا يحترم الدين”.
ويواجه الأردنيون كذلك الذين يتهمون بنقل أو الترويج للأعمال الإباحية والجنسية عبر الإنترنت عقوبة السجن لمدة ستة أشهر على الأقل وغرامة قدرها 21 ألف دولار.
دافع وزير الإعلام الأردني فيصل الشبول عن التشريع الجديد باعتباره ضروريا لمكافحة انتشار “الأخبار الكاذبة” وخطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال إن العديد من العقوبات كانت موجودة بالفعل في ضوابط تنظيم عمل وسائل الإعلام المطبوعة، لكن لم يتم تطبيقها بعد على ما يجري نشره في الإنترنت.
وأضاف الشبول، الذي أصر على أن القانون سيساعد في الحفاظ على “التماسك الاجتماعي والسلام الداخلي”، أن “هناك جيلا كاملا من الأردنيين الذين يعتقدون أن القذف والتشهير جزء من حرية التعبير”.
وفي انتقاد علني نادر للأردن، وصفت الولايات المتحدة القانون بأنه فضفاض للغاية “ويمكن أن يقوض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الأردن”.
وقالت جماعات حقوق الإنسان إن القانون يمنح المدعين العامين مزيدا من الصلاحيات لقمع المعارضين وأفراد مجتمع الميم بشكل تعسفي.
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله قال في وقت سابق إن الأردن سيحمي حرية التعبير ويدرس تعديل القانون إذا لزم الأمر، مضيفا أن “الأردن لم يكن أبدا دولة قمعية ولن يكون كذلك أبدا”.
لكن الصحيفة ذكرت أن “الأردن رسم منذ فترة طويلة خطوطا حمراء واضحة لمواطنيه، حيث قام بحجب العشرات من المواقع الإلكترونية ومنع انتقاد النظام الملكي والأجهزة الأمنية”.
ومع ذلك بينت الصحيفة أن السلطات تسامحت أيضا مع قدر ضئيل من المعارضة، بما في ذلك منح الحرية للتحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك لم تقم بسجن المعارضين واكتفت بمضايقتهم فقط.
وتنقل عن المدافع عن حرية الإعلام في الأردن نضال منصور القول إن السلطات الأردنية سمحت منذ فترة طويلة “بهامش من حرية التعبير، لكن يجري حاليا تضييق هذه المساحة شيئا فشيئا”.
في ديسمبر، حظرت السلطات مؤقتا تطبيق “تيك توك” بعد انتشار مقاطع فيديو للاحتجاجات التي قُتل فيها ضابط شرطة جنوبي البلاد.
وتشير الصحيفة إلى أنه بعد تسعة أشهر من الإجراء، لا تزال إمكانية الوصول للتطبيق غير متوفرة على نطاق واسع في الأردن.
ويؤكد صحافيون أردنيون التقتهم الصحيفة، بينهم رسام الكاريكاتير الشهير عماد حجاج، إن الفنانين والصحفيين يواجهون ضغوطا متزايدة من أجل عدم تحدي السلطات أو مواجهة العواقب.