نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا لجوش بول -وهو مدير سابق في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية الأميركية- الذي يشرف على عمليات نقل الأسلحة الأميركية، قال فيه إنه استقال من الوزارة في 18 أكتوبر/تشرين الأول لأنه لم يستطع دعم توفير الأسلحة الأميركية لإسرائيل خلال الحرب على غزة، حيث كان يعرف أنها ستُستخدم في قتل آلاف المدنيين.
ولفت بول إلى أن الولايات المتحدة تقدم حاليا لإسرائيل ما لا يقل عن 3.8 مليارات دولار من المساعدة العسكرية السنوية، وهو أكبر مبلغ تقدمه لأي دولة سنويا، باستثناء أوكرانيا مؤخرا.
وذكر أن المستويات العالية من المساعدات تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وتعكس اتفاقا أميركيا طويل الأمد مع إسرائيل بشأن الأمن مقابل السلام. وهي فكرة مفادها أنه كلما شعرت إسرائيل بالأمان، تمكنت من تقديم المزيد من التنازلات للفلسطينيين.
ومنذ منتصف التسعينيات كانت الولايات المتحدة أيضا راعيا رئيسيا لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله، حيث قدمت التدريب والمعدات على أساس النظرية القائلة بأنه عندما ينهض الفلسطينيون، يمكن أن يتنحى الإسرائيليون. وفي كلتا الحالتين، كما يقول بول، فإن الأساس المنطقي للمساعدات الأمنية الأميركية معيب بشكل قاتل.
الضمانات الأمنية الأميركية
وأوضح أنه على الجانب الإسرائيلي لم توفر الضمانات الأمنية الأميركية العمياء طريقا للسلام. وبدلا من ذلك زودت إسرائيل بالتطمينات بأنها قادرة على الانخراط في جهود هدامة بشكل متزايد، مثل توسيع المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية، من دون عواقب حقيقية.
وفي الوقت نفسه تفتخر إسرائيل بواحد من أكثر الجيوش تطورا تكنولوجيا في العالم. وبالتالي خلقت كل هذه العوامل شعورا بين صنّاع السياسة الإسرائيليين بأنهم قادرون على احتواء القضية الفلسطينية إلى أجل غير مسمى ماديا وسياسيا.
ولم تتجاهل المساعدة العسكرية الأميركية لإسرائيل في السنوات الأخيرة سياق السياسة الإقليمية فحسب، بل تجاهلت أيضا الإطار الذي تعتمد عليه واشنطن للنظر في مخاوف حقوق الإنسان في كل مكان آخر تقدم فيه هذه المساعدة.
وبموجب قانون “ليهي”، يحظر على الولايات المتحدة تقديم المساعدة الأمنية لأي كيان متهم بشكل موثوق بارتكاب انتهاك جسيم لحقوق الإنسان.
انتهاكات حقوق الإنسان
وعلى عكس جميع المستفيدين الآخرين تقريبا، الذين يتم فحصهم على هذا المنوال قبل تلقيهم المساعدة، فإن العملية بالنسبة لإسرائيل معكوسة، وهي أن المساعدة تُقدم، ثم تنتظر واشنطن تلقي تقارير عن الانتهاكات، وتقييم مصداقيتها من خلال عملية معروفة باسم منتدى ليهي إسرائيل للتدقيق، والذي يتضمن التشاور مع حكومة إسرائيل.
وحتى الآن لم يتوصل المنتدى إلى توافق في الآراء على أن أي وحدة أو جندي من قوات الأمن الإسرائيلية قد ارتكب انتهاكا جسميا لحقوق الإنسان، رغم النتائج التي توصلت إليها منظمات حقوق الإنسان الدولية التي تشير إلى خلاف ذلك.
وخلص بول إلى أنه استقال من وظيفته لأنه لا يعتقد أنه ينبغي تقديم الأسلحة الأميركية في موقف نعلم منه أنه من المرجح أن يؤدي، على حد تعبير السياسة التوجيهية لإدارة بايدن، إلى انتهاكات لحقوق الإنسان أو يفاقم خطرها، بما في ذلك إلحاق أضرار واسعة النطاق بالمدنيين والموت. وهذا هو الحال تماما فيما يتعلق بالذخائر الأميركية التي تنهمر حاليا على قطاع غزة.
وختم بأن هذا هو الحال أيضا على نطاق أوسع وسيظل كذلك طالما اتبعت الولايات المتحدة نهجا تجاه إسرائيل يتجاهل عواقب تلك المساعدة، الذي يمكن مع استمرار انتهاكات حقوق الفلسطينيين في جميع أنحاء غزة والضفة الغربية، وعلى المدى الطويل لا يفعل شيئا لتوفير الأمن والسلام الدائمين لإسرائيل الذي يستحقه جمع المدنيين.