أطلقت منصة “نتفليكس” الفيلم الوثائقي “سلاي” (Sly) بعد عرضه الأول في ختام مهرجان تورنتو السينمائي، والذي يستعرض أهم محطات حياة الممثل الأميركي سلفستر ستالون، ويحاول الإجابة عن سؤال مركزي: كيف تحول الشاب ذو الأصول الإيطالية المصاب بشلل في نصف وجهه إلى أحد أهم نجوم هوليود؟
الفيلم من إخراج توم زيمني، ويظهر فيه ستالون وعدد من الضيوف؛ أهمهم منافسه العتيد آرنولد شوارزنيغر، وفرانك ستالون، وزميلة الكفاح تاليا شاير التي قدمت معه 5 أجزاء من سلسلة أفلام “روكي” (Rocky)، إلى جانب المخرج كوينتين تارنتينو.
طفولة تعيسة ألهمته أهم أفلامه
تم تصوير فيلم “سلاي” قبل انتقال سلفستر ستالون من منزله الضخم في لوس أنجلوس إلى نيويورك، على عكس تلك الرحلة التي مرّ بها في شبابه، عندما هجر المدينة التي وُلد وقضى معظم شبابه فيها إلى “أرض الأحلام” السينمائية باحثا عن فرصة تحقق له الشهرة والنجاح.
يعود ستالون -الذي تجاوز الـ77 من عمره- خلال الفيلم إلى طفولته ومراهقته، فيشرح تاريخ أسرته الصغيرة التي أثرت على حياته، إذ كانت أمه وأبوه ينتميان إلى الطبقة الفقيرة في نيويورك، ويجتهدان لكسب قوت عيشهما، وكانا منخرطين في حياتهما الخاصة بدون أن يباليا بالابنين اللذين أنجباهما.
تربى كل من سلفستر وفرانك في منزل مبني على عدم الاهتمام والفقر والعنف الأسري، وعندما قرر الأب والأم الانفصال، أخذ الأب سلفستر وهو على أعتاب المراهقة لمدينة ريفية، بينما حصلت الأم على حقوق رعاية الطفل الآخر ونقلته معها إلى فيلادلفيا.
يكشف الفيلم عبر الحوارات التي أجراها المخرج مع الشخصية الرئيسية وأخيه فرانك عن طفولة ستالون القاسية في رعاية أب دأب على تعنيفه جسديا، فيقول في أحد المقاطع “تربيت على تحمل الألم الجسدي، وقررت ألا أجعل ذلك يكسرني”. وفي مرحلة لاحقة من حياته تحول العنف البدني إلى نفسي، فأصبح الوالد يغار من نجاح ابنه، فعلى سبيل المثال بعدما نال فيلم “روكي” (Rocky) الأوسكار، كتب الوالد فيلما وأرسله لنفس المخرج في محاولة لمنافسة ابنه.
لم يقدم “سلاي” إجابات جاهزة ولم يتحدث بصراحة عن تأثير والده الكبير على أفلامه، بل عبر حوار سلس وتداعي الأفكار، ترك المخرج للمشاهد حرية فهم هذا التأثير، وهو أسلوب يعكس وعي صانع الفيلم الوثائقي بأهمية ترك مساحة للشخصية الرئيسة والمتفرج للتلاقي بدون توجيه متعمد يجعل العمل قابلا لتأويل واحد فقط، فهذه المساحة تضفي عليه تأويلات متعددة ومفتوحة.
ويتتبع الفيلم كذلك مراحل صناعة “روكي” الذي كتبه سلفستر ستالون وأدى دور ببطولته وكان نقطة البداية الحقيقية لمسيرته، لكنه استعرض قراءة أخرى للعمل وعرضه كرحلة موازية لرحلة البطل نفسه؛ فكل من روكي وستالون إيطاليان أميركيان مهمشان، عاشا حياة جافة مهنيا وعاطفيا بعيدا عن الرعاية الأسرية، بلا أمل حقيقي في التقدم، لكنهما شقا طريقهما إلى النجاح عبر الحفر في الصخر.
على الجانب الآخر مثلت شخصية مدرب روكي “ميكي” صورة موازية لوالد ستالون، لكن في العمل السينمائي يستطيع روكي في النهاية التواصل مع ميكي، الذي يصبح بمثابة مرشده الروحي وبديلا عن الأب الغائب.
مسيرة مهنية بين الفنية والتجارية
استطاع الممثل الأميركي الصمود طوال مسيرة طويلة وممتدة لعقود وذلك على عكس غيره من نجوم الأكشن في الثمانينيات والتسعينيات الذين خرجوا من دائرة الضوء بعد سنوات، والأسباب وراء استمراريته كانت أحد الأسئلة التي حاول الفيلم الإجابة عنها.
لم يركز “سلاي” على الممثل فقط، بل نظر إلى زوايا أخرى شكلت بالفعل أهم نقاط قوته، مثل مهارته ككاتب سيناريو ومخرج، وهما المهنتان اللتان جعلاه قادرا على صبغ الأفلام التي يعمل فيها -حتى لو لم تكن من إخراجه- بصبغته الخاصة والتي أحبها الجمهور منذ فيلم “روكي” وحتى الآن.
يلقي الفيلم الوثائقي الضوء على بدايات الممثل المتواضعة، وقد أجبره شلل أصيب به في وجهه خلال ولادته العسيرة على الحديث بصعوبة، بالإضافة إلى أصوله الإيطالية ولياقته البدنية العالية، وهي 3 عوامل حصرته في أدوار صغيرة لا تبرز بأي حال مواهبه التمثيلية، فكان عليه كتابة فيلم بنفسه ولنفسه، ومن هنا جاءته فكرة فيلم “روكي” الذي أصرت شركات الإنتاج على شرائه لكن بدون أن يمثل فيه دور البطولة، فرفض كل العروض، حتى وافق استوديو وحيد، وفاز الفيلم بعدد كبير من الجوائز، وجعله محبوب الملايين حول العالم.
ركز فيلم “سلاي” على أهم نجاحات البطل، لكنه ركّز أيضا على الإخفاقات -وهي كثيرة بالفعل-، فقد وقع ستالون في فخ ضغط الاستوديوهات لإعادة تقديم أدواره الناجحة في أفلام جديدة، لكن بعد كل كبوة كان يستفيق ليعيد مسيرته إلى المسار الصحيح بتقديم أدوار تستفز قدراته التمثيلية، وفي ذات الوقت لا يخرج فيها عن النمط الذي يبرع فيه والذي أحبه الجمهور.
ومثلما يعد فيلم “روكي” تناصا بين الحياة الشخصية والفيلمية للممثل، أدى فيلم “رامبو” ذات الدور في مرحلة تالية من مسيرته، فالممثل الذي حصل فيلمه على أوسكار أفضل فيلم أصبح محل هجوم النقاد والصحفيين، وفشل اثنان من أفلامه اللاحقة تجاريا، فقدم فيلما عن جندي أميركي يعود من حرب فيتنام التي قاتل فيها وفقد أصدقاءه ليجد أن مجتمعه نفسه يلفظه، ومرة أخرى، يصبح الصدق أقرب سبيل لقلوب المشاهدين فيحقق الفيلم نجاحات كبيرة، ويتوج بطله كنجم لأفلام الحركة.
ويعيب وثائقي “سلاي” تجنبه بعض المواضيع التي كانت ستضفي عليه المزيد من العمق، مثل علاقة ستالون بأولاده، فقد أشار عدة مرات إلى ندمه على عدم إمضاء الكثير من الوقت معهم وتركيزه على مسيرته، بينما كان من الممكن التوسع في هذا الموضوع، والتركيز على وفاة ابنه الذي شاركه بطولة الجزء الخامس من سلسلة روكي.
رشح فيلم “سلاي” لجائزة “اختيار النقاد للأفلام الوثائقية”، وحصل على تقييم 77% من النقاد و90% من المشاهدين على موقع “روتن توماتوز”، ليثبت أن نجاح ستالون يعود إلى قربه للجماهير وأنه يمثل فردا منهم حتى وإن لم يحظ بالتقدير الكافي من النقاد أو لجان الجوائز.