منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر ورد إسرائيل بإعلان الحرب بهدف “القضاء على الحركة” في قطاع غزة الفلسطيني، تصاعدت مؤشرات الحوادث المرتبطة بالإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة.
ويحذر مراقبون ومنظمات حقوقية من أزمة مجتمعية تذكّر بظاهرة التشكيك والريبة التي أحاطت بالعرب والمسلمين الأميركيين بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
وعلى خلفية تقارير عن ارتفاع كبير في الحوادث المرتبطة بالإسلاموفوبيا، بالإضافة إلى حوادث عنف ضد الأميركيين المسلمين، اتخذت الإدارة الأميركية إجراءات لحماية أكثر من أربعة ملايين مسلم أميركي من التحديات التي تفرضها الظاهرة.
ورصد مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) أكثر من 2000 حالة مضايقة في أماكن العمل لمؤيديين للفسلطينيين منذ 7 أكتوبر.
تفشي الإسلاموفوبيا
وفي حديث مع موقع “الحرة”، قال نهاد عوض، المدير التنفيذي لـ(كير)، وهي منظمة متخصصة في الدفاع عن حقوق المسلمين الأميركيين، إنهم في المجلس “تلقوا حتى الآن أكثر من 2000 حالة تتعلق بالإسلاموفوبيا، ومعظم هذه الحالات هي مضايقات في أماكن العمل وصلت لدرجة الفصل بسبب تأييد الفلسطينيين أو معارضة ما تفعله إسرائيل” في غزة.
وتحدث عوض عن تصاعد الأحداث داخل أماكن العمل بشكل غير مسبوق “بسبب تورط رؤساء شركات، سواء في القطاع الخاص أو العام، في حالات الإسلاموفوبيا”، بحسب قوله.
وأشار عوض إلى المستوى الثاني من المضايقات في الجامعات الأميركية للطلاب الفلسطينيين والمسلمين وحتى اليهود المناهضين لرد الفعل الإسرائيلي ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل. وأشار إلى “وضع قيود ضد أي مظاهرة لتأييد الفلسطينيين سواء في شكل وقفات احتجاجية أو مظاهرات أو منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر لتهديدات بطرد الطلاب وسحب منحهم المالية، وحظر مؤسساتهم وتجمعاتهم الطلابية في خرق للدستور الأميركي الذي ينص على كفالة حرية التعبير لجميع أفراد المجتمع”.
وتشهد الجامعات الأميركية في الولايات المتحدة “معركة آراء” ساخنة جدا، بين مؤيدين ومعارضين لحرب إسرائيل على قطاع غزة، وصلت إلى درجة وقف أنشطة جمعيات والتهديد بوقف التمويل وسحب فرص العمل من الطلاب، وفق ما نشرته صحيفة “فايننشال تايمز”، الأحد.
وفي محاولة لتهدئة الصراعات الفكرية بشأن هذه الانقسامات بين الطلاب، تعتزم عدة جامعات عقد اجتماع للأكاديميين، الأسبوع المقبل، خاصة بعد أن أزعجت الأنشطة الطلابية الجهات المانحة.
وأضافت الصحيفة أن “الجامعات في أنحاء الولايات المتحدة أصبحت نقطة محورية لوجهات النظر المتعارضة، بما في ذلك جامعة هارفارد وجامعة بنسلفانيا، حيث خرجت عدة مظاهرات تندد بالقصف الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ أكثر من شهر، وتحرك مئات من الطلاب المنضوين تحت ائتلاف (طلاب لأجل العدالة في فلسطين)، في مسيرات منسقة للتضامن مع فلسطين بعدد من الجامعات، منها أريزونا، وفرجينيا، وولاية أوهايو، ونيويورك، وجورج تاون.
وأعلنت جامعة كولومبيا تعليق عمل جمعيتين طلابيتين، وهما “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، و”الصوت اليهودي من أجل السلام”، حتى نهاية الفصل الدراسي.
وفي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أرسلت مسؤولة توضيحا للطلاب بحدود الاحتجاجات المسموح بها، واصفة مظاهرة مؤيدة لفلسطين بأنها معطلة وذات صوت مرتفع.
وأمرت السلطات الجامعية في ولاية فلوريدا، بالتعاون مع حاكم الولاية رون ديسانتيس، الكليات بإغلاق منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، لتصبح أول ولاية أميركية تتخذ تلك الخطوة.
وكان مانحون هددوا بسحب تمويلهم للجامعات، بحسب “فايننشال تايمز”، التي أوضحت أيضا أن أكثر من 20 شركة محاماة حذرت من أنها لن توظف الخريجين الذين يقفون ضد إسرائيل، وألغى البعض عروض العمل.
وأوقف أثرياء أميركيون، أو لوحوا بوقف تبرعاتهم لمؤسسات تعليم عريقة مثل جامعة هارفارد في ولاية ماساتشوستس، وجامعة بنسلفانيا في ولاية فيلادلفيا.
لكن ظاهرة الإسلاموفوبيا لم تتوقف عن حدود الجامعات بل امتد الأمر، بحسب عوض، إلى طلاب المدارس، حيث “يواجهون حملة من تكميم الأفواه تمنعهم من مجرد التعبير عن دعمهم لغزة، وبالتالي انتشرت ظاهرة التنمر بشكل كبير مقارنة بالإحصاءات السابقة”.
وسلط عوض الضوء على قطاع آخر تظهر فيه ظاهرة الإسلاموفوبيا بشكل واضح وهو القطاع الطبي، حيث تتعرض العديد من الكوادر الطبية، بما في ذلك الأطباء والممرضون والمهنيون”لمضايقات تصل للفصل من عملهم لمساندتهم لفلسطين”.
وأضاف أن “التحيز لإسرائيل سواء في الإعلام أو أماكن العمل أو الجامعات، وقبلهم الإدارة الأميركية، لا ينعكس على المسلمين فقط، بل أيضا يهاجمه اليهود وتحديدا شباب اليهود الذي يعارضون نظام الفصل العنصري في إسرائيل، وظهرت العديد من الخلافات داخل المنظمات اليهودية التي أصبحت تشارك في معظم الفعاليات المناهضة للحصار الإسرائيلي على غزة”.
في الوقت ذاته، خلص تقرير لرابطة مكافحة التشهير المعنية برصد الانتهاكات ضد اليهود في الولايات المتحدة إن الحوادث المرتبطة بمعاداة السامية ارتفت في أميركا إلى أكثر من أربعة أضعاف منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر.
وقالت الرابطة إنها وثقت 832 حادث اعتداء وتخريب ومضايقة في الفترة الممتدة من 7 أكتوبر أي تاريخ هجوم حماس على إسرائيل و7 نوفمبر، وإن متوسط الحوادث بلغ ما يقرب من 28 في اليوم الواحد، وذلك بالمقارنة مع 200 حادث خلال ذات الفترة من العام الماضي.
تصاعد حوادث معاداة السامية في أميركا منذ 7 أكتوبر
تصاعدت الحوادث المرتبطة بمعاداة السامية في الولايات المتحدة إلى أكثر من أربعة أضعاف منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر، وفقا لأرقام نشرتها الاثنين رابطة مكافحة التشهير المعنية برصد الانتهاكات ضد اليهود.
الإعلام جزء من أزمة الإسلاموفوبيا
وحمل عوض التغطيات الإعلامية غير المهنية المسؤولية عن “زيادة التحيز والعنصرية في المجتمع ضد 4 ملايين مسلم أميركي منذ السابع من أكتوبر”.
وأوضح عوض أن “ما يتعرض له المسلمون الأميركيون اليوم أكثر خطورة مما تعرضوا له عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، مرجعا ذلك إلى ما وصفه بـ”تبني إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، والإعلام الأميركي الرواية الإسرائيلية فقط بشأن الأحداث وتبرير استمرار القصف الإسرائيلي”.
وأشار مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية إلى تعرض فلسطيني يبلغ من العمر 18 عاما للاعتداء في بروكلين بنيويورك، إلى جانب تهديدات بالقتل تلقاها مسجد. وقالت شرطة نيويورك إنها تحقق في الاعتداء باعتباره جريمة كراهية محتملة، وفقا لشبكة “سي أن أن”.
وفي ديربورن بولاية ميشيغان، وهي المدينة التي تقدر نسبة العرب في سكانها بنحو 42%، وفقا لمكتب الإحصاء الأميركي، ألقت الشرطة القبض على رجل بعد أن وجه تهديدات عبر الإنترنت باستخدام العنف ضد السكان الأميركيين الفلسطينيين، بحسب الشبكة.
وتذكر منظمة “كير” على موقعها الرسمي أن مقرها الرئيسي في واشنطن وفروعها في الولايات تلقت بين 7 أكتوبر و 4 نوفمبر ما مجموعه 1283 طلبا للمساعدة وتقارير عن التحيز، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 216% عن العام السابق.
ورصد مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية أنه في ولاية أوهايو وحدها تلقى 195 شكوى في نفس الفترة، وهو ما يتجاوز العدد الإجمالي لعام 2022 بأكمله. ومن بين هذه الشكاوى، هناك ما لا يقل عن 151 شكوى تتعلق بشكل مباشر بالوضع في فلسطين.
وترسم الإحصائيات صورة قاتمة بالإشارة إلى زيادة واضحة في طلبات المساعدة بنسبة تزيد عن 600% في الفترة من 7 أكتوبر إلى 4 نوفمبر في ولاية أوهايو، مع ورود مزيد من التقارير يوميًا. وتتراوح هذه الحوادث بين الإساءة اللفظية والاعتداءات الجسدية والممارسات التمييزية، ما يخلق جوًا من الخوف وانعدام الأمن للمجتمع المسلم في ولاية أوهايو، وفقا لـ”كير”.
بايدن يتحرك لمكافحة الإسلاموفوبيا
وفي الأيام الأخيرة، وعد البيت الأبيض باعتماد استراتيجية ضد الإسلاموفوبيا، وشدد المسؤولون الأميركيون على ضرورة أن تعمل إسرائيل على تجنب الإضرار بالمدنيين في غزة، فضلا عن دفع إسرائيل للموافقة على هدن إنسانية مؤقتة لإدخال المساعدات إلى الفلسطينيين. وشدد البيت الأبيض على ضرورة تجنب إسرائيل قصف المستشفيات أو إطلاق النار فيها.
ويحضر البيت الأبيض لوضع استراتيجية لمحاربة الإسلاموفوبيا، في وقت تشهد فيه شعبية بايدن تراجعا وسط الأميركيين المسلمين بسبب موقفه الداعم لإسرائيل في حربها مع حماس، وفق تقارير واستطلاعات رأي.
واعتبرت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير في بيان، في 2 نوفمبر، أن “الاستراتيجية تقوم على تأسيس مجموعة مشتركة بين الأجهزة لزيادة وتنسيق جهود الحكومة الأميركية بشكل أفضل لمكافحة الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية”.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه المعهد العربي الأميركي ونشرت نتائجه، في بداية نوفمبر، أنه وللمرة الأولى منذ إنشائه عام 1997 لا يعتبر غالبية الأميركيين العرب أنفسهم “ديمقراطيين”. وقال 37 بالمئة فقط إنهم ديمقراطيون حاليا، و32 بالمئة جمهوريون، و31 بالمئة مستقلون.
وقال 40 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع إنهم سيصوتون لصالح الرئيس السابق، دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات 2024، بزيادة خمس نقاط مئوية عن عام 2020.