لليوم الثامن والثلاثين، تشهد الحدود اللبنانية الإسرائيلية تبادلا عنيفا لإطلاق النار بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، في سياق الاشتباكات المستمرة بين الطرفين منذ هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي.
ويتبادل حزب الله وإسرائيل القصف على مواقع الطرفين عبر الحدود. وطال القصف الإسرائيلي الثلاثاء، أكثر من 30 بلدة ومنطقة في جنوب لبنان، وفق ما أعلنت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام.
واستهدفت الغارات الجوية والقصف المدفعي الإسرائيلي بلدات وقرى: الضهيرة، علما الشعب، الخيام، إبل السقي، مركبا، رب ثلاثين، حولا، عيتا الشعب، رميش، طيرحرفا، مجدلزون، يارين، الجبين، شيحين، أم التوت، العديسة، عيتا الشعب، رأس الناقورة، بليدا، ميس الجبل، اللبونة، محيبيب، هونين، زبقين، ياطر، كفرا، الناقورة، المشيرفة، عيترون، مارون الراس، وفقا للوكالة.
حزب الله من جهته أعلن في بيان عن استهداف موقع المالكية التابع للجيش الإسرائيلي بعد منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء، وذلك خلال عملية إعادة تحصينه، كذلك وفي سلسلة بيانات نقلتها الوكالة اللبنانية الرسمية للإعلام الثلاثاء، تبنى استهداف مواقع بركة ريشا، المرج، رويسات العلم، إضافة إلى أماكن تجمعات عسكرية إسرائيلية مستحدثة على الحدود مع لبنان.
وعثر أهالي بلدة ابل السقي في جنوب لبنان الثلاثاء، على طائرة مسيرة عالقة بين الأشجار في البلدة، حيث توجهت إلى المكان عناصر من الجيش واليونيفيل للكشف عليها وإزالتها، بحسب وكالة الإعلام اللبنانية.
من جهته أعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، اعتراض ما وصفه بـ “هدف مشبوه”، لافتا إلى أنه تم رصده بالقرب من شواطئ عكا شمالي البلاد.
وبحسب الجيش، فإنه “لم يتم تفعيل الإنذار وفق السياسة المتبعة”. ولم يكشف الجيش الإسرائيلي عن طبيعة “الهدف المشبوه” التي تصدى له بالقرب من عكا.
#عاجل اعترضت الدفاعات الجوية قبل قليل هدفًا مشبوهًا تم رصده بالقرب من شواطئ عكا. لم يتم تفعيل الانذار وفق السياسة المتبعة
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) November 14, 2023
تصعيد عسكري.. وضحايا مدنيين
وكانت الأيام الماضية قد سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في العمليات العسكرية على الجانبين، وذلك بعد تصريح لزعيم حزب الله السبت أعلن فيه عن تصعيد العمليات العسكرية ضد إسرائيل، فيما توعدت إسرائيل بالرد على الهجمات وصعدت من قصفها المقابل، ما أدى إلى سقوط عدد أكبر من الإصابات على الجانبين بينهم مدنيين.
وأعلنت شركة الكهرباء الإسرائيلية الثلاثاء مقتل أحد موظفيها متأثرا بجروح أصيب بها جراء صاروخ مضاد للدبابات أطلق من لبنان يوم الأحد الماضي، فيما أعلنت خدمة الطوارئ والإسعاف عن تسجيل عشر إصابات بينهم عدد من المدنيين، وفق ما أكد الجيش الإسرائيلي.
وقالت الشركة في بيان نقلته فرانس برس، إنها “في حالة حداد بعد وفاة زميل بنيران حزب الله أثناء عمله في منطقة دوفيف”. وذكرت الشركة أن الصاروخ “أصاب موظفين” كانوا يقومون بإصلاح خطوط الكهرباء التي تضررت جراء ضربات على المنطقة مؤخرا.
وكان المتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال هاغاري حمل الحكومة اللبنانية واللبنانيين المسؤولية عن أفعال حزب الله”، وقال: “نواصل ضرب أهداف لحزب الله والمساس بالمدنيين الإسرائيليين في دوفيف أمر خطير”، واذ شدد على أن “حزب الله” هو المسؤول عن جميع الصواريخ التي تطلق من لبنان، أكد أن “الجيش الإسرائيلي يركز على غزة لكننا في حالة استعداد عالية جداً في الشمال”.
وأضاف في مؤتمر صحفي “لدى الجيش الإسرائيلي خطط عملياتية لتغيير الوضع الأمني في الشمال. لن يظل الوضع الأمني كما هو في الشمال حيث لا يشعر السكان بالأمان عند العودة إلى منازلهم”.
من جهة أخرى دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الثلاثاء إلى التحقيق في ضربة إسرائيلية أودت بحياة امرأة وحفيداتها الثلاث في جنوب لبنان، معتبرة أنّ الاستهداف قد يرقى إلى “جريمة حرب”.
وفي 5 نوفمبر، قتل المدنيون الأربعة في ضربة إسرائيلية استهدفت سيارة كانت الجدة وحفيداتها يستقلنها للابتعاد عن مناطق يطالها القصف قرب المنطقة الحدودية في جنوب لبنان.
وقال الباحث في الشأن اللبناني في هيومن رايتش ووتش رمزي قيس في بيان إن “الهجوم الذي شنته القوات العسكرية الإسرائيلية … يظهر استخفافاً متهوراً بحياة المدنيين”، معتبراً أنّ مقتل الفتيات الثلاث مع جدّتهن يعد “انتهاكاً لقوانين الحرب، ويتعيّن على حلفاء إسرائيل، وبينهم الولايات المتحدة، الرد على ما يبدو بمثابة جريمة حرب عبر المطالبة بالمساءلة عن هذه الضربة غير القانونية”.
بناء على تحقيقات أجرتها، لم تجد هيومن رايتس ووتش “أي دليل على وجود هدف عسكري في محيط” السيارة المستهدفة. وقالت إنه حتى وإن كان هناك هدف عسكري، فإن “استهداف سيارة تقل مدنيين … يجعل من الضربة غير قانونية”، متهمة الجيش الإسرائيلي “بالفشل في التمييز بين المقاتلين والمدنيين”.
وفي معرض رد سابق على سؤال عن هذا القصف، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاجاري، إن “الجيش يعمل بناء على معلومات المخابرات ويفحص جميع الوقائع في لبنان بدقة”.
وأضاف في مؤتمر صحفي “في ما يتعلق بلبنان، ننفذ هجماتنا استناداً إلى معلومات المخابرات وسنواصل شن هجمات. هذه هي مهمتنا. سنهاجم كل من يهددنا”، مشدداً “ندرس بالطبع جميع الأحداث في لبنان لفهم التفاصيل. هذا ما يمكنني قوله في هذه المرحلة”.
شكوى لمجلس الأمن.. واليونيفيل تحذر
في سياق متصل، أعلن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عبد الله بو حبيب، الثلاثاء، عن تقدم بلاده بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي، ردا على استهداف الصحفيين اللبنانيين الاثنين في بلدة يارون، في جنوب لبنان.
ولفت بو حبيب في تصريح إلى أن “قصف إسرائيل المتعمد والمباشر لموكب الصحفيين انتهاك للقانون الدولي الإنساني وجريمة حرب موصوفة”.
وكان قصف اسرائيلي استهدف بقذيفتين صاروخيتين عصر الاثنين، فريقا إعلاميا في بلدة يارون يضم صحفيين من عدة قنوات وصحف يقوم بتغطية التطورات الميدانية. وأدى القصف لإصابة مصور بجروح طفيفة وتضرر عربة البث.
من جهته قال الناطق الرسمي باسم قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان “اليونيفيل”، أندريا تيننتي، إن “الصحفيين لديهم عمل مهم يقومون به، ولا سيما في أوقات النزاع، ويجب احترامهم وحمايتهم في جميع الأوقات”.
وأضاف: “نحن ندرك أن الصحفيين نجوا بأعجوبة من إصابة خطيرة بالأمس أثناء قيامهم بالتغطية بالقرب من الخط الأزرق، وقام حفظة السلام بالمساعدة في عملية استعادة مركباتهم ومعداتهم وتنسيق هذه العملية”.
وعمّا إذا كانت اليونيفيل هي من نظّم زيارة الصحفيين، لفت تيننتي إلى أن “اليونيفيل لم تكن على علم بوجود الصحفيين في المنطقة في ذلك الوقت، ولم تشارك في تنظيم أو تنسيق زيارتهم”.
وتابع الناطق الرسمي بإسم القوات الأممية: “يحدث تبادل إطلاق النار بشكل متكرر ومفاجئ على طول الخط الأزرق، ونواصل حثً الجميع على البقاء بعيداً قدر الإمكان عن هذه المناطق من أجل حمايتهم”.
بدوره حذّر رئيس بعثة قوة الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان أرولدو لاثارو الثلاثاء من ارتفاع حدّة التصعيد في جنوب لبنان، حيث تدور مواجهات يومية بين حزب الله وإسرائيل على وقع الحرب في قطاع غزة.
وقال لاثارو، الذي التقى برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري: “أعربت عن قلقي العميق إزاء الوضع في الجنوب واحتمال وقوع أعمال عدائية أوسع نطاقاً وأكثر حدّة”.
وأوضح أن “أولويات اليونيفيل الآن هي منع التصعيد، وحماية أرواح المدنيين، وضمان سلامة وأمن حفظة السلام الذين يحاولون تحقيق ذلك”.
وخلال الأسابيع الماضية، طالت قذائف مقار ومراكز لقوة اليونيفيل جراء التصعيد المستمر، وسجل فجر الأحد إصابة أحد عناصر القوة الأممية برصاص في إطلاق نار قرب أحد المراكز.
مخاوف من تمدد الحرب
وقال لاثارو إن “القرار الرقم 1701 يواجه تحدياً في الوقت الراهن، لكن مبادئه المتعلّقة بالأمن والاستقرار والتوصّل إلى حلّ طويل الأمد تظلّ صالحة”.
وشدد على دور قوة اليونيفيل في “إيصال الرسائل الحاسمة للحدّ من التوترات ومنع سوء الفهم الخطير، بهدف تجنّب أي تصعيد غير مبرر”.
وانتشر الجيش اللبناني بموجب هذا القرار للمرة الأولى منذ عقود عند الحدود مع إسرائيل. وحظر القرار أي انتشار مسلح في المنطقة الحدودية خارج قوات الجيش واليونيفيل، على أن لا يكون لحزب الله أي وجود عسكري مرئي في المنطقة الحدودية اللبنانية (جنوب مجرى نهر الليطاني).
وأسفر التصعيد الحدودي منذ السابع من أكتوبر عن مقتل 90 شخصا في الجانب اللبناني، بينهم 68 مقاتلا في حزب الله و11 مدنيا على الأقل، ضمنهم مصور لدى وكالة أنباء رويترز وسيدة مع حفيداتها الثلاث، وفق حصيلة جمعتها وكالة فرانس برس.
وتزداد المخاوف من احتمال توسع الحرب بين إسرائيل وغزة، لتشمل لبنان، مع تبادل يومي للقصف وإطلاق النار عند الحدود بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله منذ بدء الحرب بين حماس وإسرائيل في السابع من أكتوبر.
وتعليقا على سؤال “الحرة” بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة على توافق مع الحكومة الإسرائيلية في تعاملها مع حزب الله وعما إذا كانت واشنطن قد طلبت من إسرائيل عدم التصعيد مع الحزب وجر الولايات المتحدة إلى حرب واسعة، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر “لن أدخل في تفاصيل محادثات داخلية مع حكومة إسرائيل”.
وأضاف “سأقول إنكم استمعتم إلينا نقول علنا عدة مرات إن أحد أهدافنا الأساسية هو منع هذا الصراع من الاتساع، وهذا يعني منعه من الاتساع من حيث منع صراع إضافي في شمال إسرائيل مع حزب الله. ومنع اتساع نطاق الصراع إلى بلدان أخرى في المنطقة”.
وتستمر تحذيرات دول عدة بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، من خطورة توسع الحرب في غزة إلى لبنان.
وفي ظل التصعيد على حدودها الشمالية، أجلت إسرائيل منذ بدء الحرب مع حركة حماس، عشرات آلاف السكان من التجمعات الواقعة على طول الحدود مع لبنان.
ونزح في المقابل الآلاف من سكان البلدات الحدودية اللبنانية نحو المدن والمناطق الداخلية البعيدة عن الاشتباكات.
ويتبادل كل من حزب الله وإسرائيل التصعيد الكلامي والتهديدات في التصريحات بشأن احتمال نشوب حرب واسعة بين الطرفين، فيما يبديان في الوقت نفسه عدم سعيهما إلى تطور المواجهة التي لا تزال تخضع لما يسمى بـ “قواعد اشتباك” تحكم الاشتباكات الحدودية القائمة.