الخرطوم- أثارت التحركات العسكرية لقوات الدعم السريع في دارفور وسيطرتها على بعض المدن بالإقليم، تساؤلات حول تفسير التحول الكبير في مسرح الحرب من الخرطوم التي تشتد فيها المعارك إلى الإقليم الكائن بغربي السودان والذي يعد المعقل الرئيسي لهذه القوات.
وتسارعت خلال الأسبوعين الماضيين عملية الانتشار العسكري والنشاط العملياتي لقوات الدعم السريع بولايات دارفور بالسيطرة على الفرقة 15 مشاة بمدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
وكانت قبل ذلك قد سيطرت على الفرقة 16 نيالا بولاية جنوب دارفور والفرقة 21 بزالنجي، وتواصلت العمليات بالسيطرة على اللواء 24 أم كدادة الواقعة على بعد 86 كيلومترا إلى الشرق من مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور.
وتباينت تقديرات مراقبين -تحدثوا للجزيرة نت- بخصوص أبعاد التحركات العسكرية لقوات الدعم السريع في دارفور.
واقع انفصال
واعتبر شق من المراقبين أن هذه التحركات تحمل مؤشرات على احتمال نشوء واقع انفصال جديد بالسودان، فيما تحدث شق آخر عن فرضية ارتباط التطور الميداني بالإقليم بظروف داخلية لهذه القوات تخص مسار المفاوضات مستقبلا أو لتجاوز تعويض إشكالية عدم تحقيق نصر حاسم ونهائي بالخرطوم.
ورجحت بعض التفسيرات أن الهدف عسكري في إطار تحسين الوضع الميداني بعد استمرار تماسك قوات الجيش بالخرطوم وانهيار مقولة أن الدعم يحاصر قادته داخل أسوار القيادة العامة، وهو ما تجاوزته الأحداث بخروج قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان من الخرطوم إلى مدينة بورتسودان وأعقبه نائبه الفريق أول شمس الدين كباشي.
ويُرجع الخبير العسكري الضابط السابق بالحرس الرئاسي شهاب الدين عثمان، نقل قوات الدعم تحركاتها إلى دارفور إلى هدفها للقبض على قادة القوات المسلحة “وهو ما لم يتحقق، فاتجهت للاستيلاء على المرافق الحيوية الإستراتيجية ومنازل المواطنين مع فشلها في السيطرة على مقار الجيش بالخرطوم”، حسب قوله.
ويضيف الخبير العسكري ذاته، للجزيرة نت، أنه مع تلقي الدعم السريع ضربات موجعة على قوته الصلبة ومصرع غالب قياداته، انفرط عقد القوة وانتشرت الخلافات داخلها وأصبحت بلا قيادة ولا رؤية ليكون خيارها الاتجاه لفتح جبهات قتال في ولايات أخرى.
مصيدة
وبحسب مصادر عسكرية، فإن اتجاه قوات الدعم السريع غربا واضطرارها للدفاع عن مدن وحواضر قد يؤثر على ميزة هذه القوات التي تعتمد على أسلوب خفة الحركة وعدم التمسك بالأرض.
ويقول الخبير العسكري والضابط السابق بالجيش السوداني النذير دفع الله صديق، إن “ما يجعل هذه القوات بهذه الجرأة أن المواقع ليست مقدسة عندها، فتظل تهاجم وتتنقل بحرية تامة لكنها قد توقع نفسها بدارفور، في مصيدة التمسك بالمواقع ما يفقدها مرونتها في الحركة والمناورة العالية”. ونوه إلى أن حرب المواقع الثابتة تختلف عن حرب الشوارع.
وعزز التحول في اتجاهات رياح الميدان العسكري الذي تزامن مع انعقاد مفاوضات بين الجيش والدعم السريع في جدة بالسعودية، احتمالات الضغوط باتجاه العودة للتفاوض.
ويرى النذير دفع الله أن ذلك وارد، ولكن بنسبة أقل في ترتيب الفرضيات، مستبعدا وبشكل قاطع إمكانية تطور الموقف من تكتيك تفاوضي لمبدأ تثبيت إقامة سلطة بإقليم دارفور.
ووصف الخبير العسكري الأمر بالصعب لطبيعة “السلوك العدواني للدعم السريع والمتمثل في القتل والسلب والتشريد تجاه المكونات المحلية في دارفور والذي لن يتيح له فرصة للتمتع بتكوين حكومة ذات ثقل”، متوقعا حدوث التحام لكل قبائل دارفور حتى العربية منها لقتال هذه القوات.
مؤثرات خارجية
وفتح تزامن الاتجاه بالقتال إلى دارفور مع بدء المفاوضات، التي انتهت دون نتيجة، الباب أمام تفسيرات بوجود مؤثرات خارجية لتسخين الأرض في توقيت يفترض فيه إعلان التهدئة.
ويذهب الخبير العسكري أمين الزاكي إلى أن نقل الدعم السريع لعملياته غربا بهذه الوتيرة المتصاعدة يهدف إلى إعاقة اتفاق جدة وإلى تشتيت مجهودات القوات المسلحة، فضلا عن الإيحاء بسيطرة الدعم السريع على مساحات واسعة، مرجحا أن جهات خارجية -لم يحددها- تدعم أو تقف وراء هذا التطور.
ويكتفي الدعم السريع بإصدار البيانات العسكرية حول تحركاته بدارفور وبنشر راتب حول انتقالاته بين مدن الإقليم دون تفسير، وبتحديد أسماء الفرق والحاميات التي يقول إنه سيطر عليها.
ويقول قائد بالدعم السريع (فضل حجب اسمه) -للجزيرة نت- إن الأنشطة العسكرية لقواته بدارفور طبيعية وإنها استكمال لما أسماه عملية الخرطوم، وأضاف أنهم يخوضون حربا لا شأن لهم فيها إلا بتقديرات القيادة العسكرية التي تحدد الأهداف وفق رؤية كلية لمسار الحرب وظروف الميدان.