واشنطن- “إن الحرب في غزة هي أكثر بكثير من مجرد صراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إنها جزء من خطة إيرانية أوسع لتقويض النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”. كانت تلك خلاصة ما قاله وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، عن عملية طوفان الأقصى وما تبعها من عدوان إسرائيلي مستمر على قطاع غزة، نتج عنه استشهاد ما يقرب من 11 ألف شخص، إضافة لإصابة أكثر من 30 ألفا.
وفي فعالية بعد عودته من زيارة للشرق الأوسط حضرتها الجزيرة نت، استضاف برنامج السلام والأمن في الشرق الأوسط بمعهد هادسون، وهو مركز أبحاث محافظ ويميني التوجه، مايك بومبيو، الذي كان وزيرا للخارجية ومديرا لوكالة الاستخبارات المركزية في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وفي تقديمه لبومبيو، أشار مايكل دوران، المسؤول السابق بالبيت الأبيض، والخبير بالمركز، إلى أنه عقب هجمات حركة حماس التي نتج عنها مقتل ما لا يقل عن 1400 إسرائيلي، زاد حزب الله اللبناني -الذي ترعاه إيران- من ضغطه على الحدود الشمالية لإسرائيل.
وأضاف أنه عندما بدأت إسرائيل توغلها البري في قطاع غزة، أطلق الحوثيون -الذين ترعاهم إيران- طائرات دون طيار وصواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، هاجمت “الميلشيات”ذذذذ التابعة لإيران في العراق وسوريا القواعد الأميركية هناك ما لا يقل عن 40 مرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ضعف أميركي
وقال بومبيو إن إسرائيل يجب أن تقاتل حتى تنتصر على حركة حماس، حسب رأيه، متهما إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن باتباع سياسة “استرضاء إيران”، وهو ما أظهر ضعف واشنطن الذي مهد الطريق لهجمات حماس على إسرائيل.
وعبر بومبيو عن مخاوفه من أن “تبطئ إدارة بايدن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي في سعيها للقضاء الكامل على حركة حماس”، وأضاف “ستكون هذه أسابيع طويلة، وستكون بعض الصور التي تخرج من غزة مأساوية. لكن لا تخطئوا في ذلك، على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واجب الدفاع عن شعبه بالطريقة نفسها التي تتحمل بها الولايات المتحدة هذا الواجب”.
واتهم بومبيو بايدن بالإخفاق في تحذير حماس على وجه التحديد من العواقب إذا تعرض الأميركيون لمزيد من الأذى، وقال “لدينا الآن أميركيون محتجزون رهائن لدى حماس، دمية إيران، وهي تهدد بقتلهم، ولقد قتل بالفعل ما يقرب من 30 أميركيا حتى الآن”.
وحذر بومبيو من أنه إذا لم تتفق إدارة بايدن مع إسرائيل “وإذا لم نعطهم الأدوات التي يحتاجونها للاستمرار في القتال حتى النهاية، حتى يُقضى على حماس، ويفهم النظام الإيراني أن الإسرائيليين حاسمون، ولديهم دعم أميركي، فإننا سنخاطر بالمزيد من الأرواح الأميركية”.
وطالب وزير الخارجية الأميركي السابق بضرورة استعادة الردع الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط بعدما اهتزت أسس هذا الردع عقب نجاح حركة حماس في عملية طوفان الأقصى.
أسئلة بلا إجابات
واستغرب بومبيو وقوع الهجمات، وقال إن لديه “أسئلة كثيرة للإسرائيليين حول كيف جرى ما جرى، وكيف تأخر الجيش الإسرائيلي في الرد؟ وسؤال آخر حول كيف استغلت إيران هذه التراجع الأميركي منذ وصول بايدن للحكم؟”.
وأكد أنه لا يمكن الحديث عن حركة حماس، أو جماعة الحوثي، أو حزب الله، أو الميلشيات في العراق وسوريا، دون الإشارة إلى أن مصدر التمويل والتدريب والتسليح هو الحرس الثوري الإيراني.
وطرح بومبيو أسئلة تتعلق بما سماه “إبعاد بايدن لإيران عن أي مسؤولية أو مشاركة في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي”، وكيف أن مسؤولين عسكريين أميركيين كبار أكدوا أن “إيران ليس لها أي دور عملياتي في هجمات حركة حماس، وأن إيران وقادتها قد فوجئوا بالعملية”، محذرا إدارة بايدن من مغبة “فرض قيود على حركة إسرائيل العسكرية، وهو ما سيعني إلقاء اللوم على الضحية”.
ثغرة ردع
بدوره، عدّ مايكل دوران أن الهدوء النسبي للجبهة الشمالية لإسرائيل مرده إلى إبقاء حزب الله خياراته مفتوحة، في وقت يرى فيه حزب الله أن النصر سيأتي “بالصمود والصبر والقدرة على الصمود. هذا ما لا يملكه العدو”. وكان هذا التركيز على إنهاك العدو ببطء خبرا سارا لإسرائيل وفقا للمتحدث.
وأضاف دوران أنه عندما اندلعت الحرب مرة أخرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الفائت، خشي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أن تكون إيران قد ألقت ضربة قوية من غزة لتهيئة إسرائيل لاقتطاع أكبر من حزب الله، الذي هو أقوى بكثير من حماس، مشيرا إلى أن نشر القوات الأميركية في الشرق الأوسط، إلى جانب التعبئة الضخمة للجيش الإسرائيلي، ردع كلا من إيران وحزب الله “أو ربما لم يكن لدى إيران أبدا خطة لتوسيع الحرب”.
من جانبه، يرى جوناثان شاشتر من مركز السلام والأمن في الشرق الأوسط التابع لمعهد هدسون، وهو متخصص في الأمن الدولي والإستراتيجية والدبلوماسية، أن واشنطن فقدت القدرة على ردع إيران.
واسترجع شاشتر ما قاله وزير الدفاع لويد أوستن لمجلس الشيوخ في مارس/آذار الماضي، من أن إيران أو وكلاءها هاجموا المواقع الأميركية في العراق وسوريا 83 مرة منذ يناير/كانون الثاني 2021، وأن الولايات المتحدة ردت بالقوة 4 مرات فقط.
والآن تحاول الإدارة، حسب شاشتر، ردع حزب الله وإيران عن الانضمام إلى القتال بين إسرائيل وحماس. ونشرت واشنطن مجموعتين من حاملات الطائرات القتالية في المنطقة، ونقلت رسائل عامة وخاصة إلى طهران تحث فيها الجمهورية الإسلامية على وقف إطلاق النار. ولكن بعد ما يقرب من 3 سنوات من التجاهل، ضعف التهديد الرادع الأميركي بشدة.
ورأى شاشتر أن تحديد واشنطن هدفا نبيلا يتمثل في منع الحرب من التوسع، هو أمر جيد، ولكن بدلا من بعث رسالة رادعة متسقة وقوية لتحقيق هذا الهدف، أظهرت واشنطن خوفا من التصعيد. وإلى أن تظهر إدارة بايدن استعدادها للتصعيد وفرض تكاليف من إيران على عدوانها، ستواصل طهران “ووكلاؤها الإرهابيون” مهاجمة القوات الأميركية وإسرائيل، وربما توسيع نطاق الحرب وحجمها في غزة، وهو “السيناريو” الذي تحاول إدارة بايدن تجنبه.