بعد “انخفاضها للنصف”.. ما مستقبل التجارة بين تركيا وإسرائيل؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

سارت العلاقات التركية- الإسرائيلية خلال سنوات مضطربة على مبدأ “فصل الاقتصاد عن السياسة”، ورغم أن هذه المعادلة طُبقت بالفعل، وأكدت نجاحها أرقامٌ وإحصائيات يوضح خبراء اقتصاد من كلا البلدين لموقع “الحرة” أن عملية استنساخها في الوقت الحالي قد تعترضها “عقبات”.

ومنذ بدء الحرب في غزة حاول المسؤولون الأتراك، على رأسهم رجب طيب إردوغان، اتخاذ موقف “متوازن”، لكن ومع تطور الأحداث على الأرض وارتفاع عدد الضحايا في القطاع المحاصر خرج عن الخط بتصريحات وخطابات هجومية، أثارت حفيظة إسرائيل.

وإثر ذلك أعلنت الخارجية الإسرائيلية أنها استدعت سفيرها من أنقرة من “أجل تقييم العلاقات”، وتبعتها الخارجية التركية بذات الخطوة “من أجل التشاور، وردا على استمرار الحملة الجوية على غزة، ورفض دعوات وقف إطلاق النار”.

وفي حين لم يطرأ أي شيء جديد على صعيد العلاقات السياسية بين الطرفين خلافا لما سبق كشف وزير التجارة التركي، عمر بولاط، الأربعاء، عن انخفاض التبادل التجاري بين بلاده وإسرائيل بأكثر من 50 بالمئة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وأوضح بولاط في تصريح للصحفيين بالعاصمة الكويتية أن هذا التراجع “مرتبط بطلبات التجّار والمستهلكين”، دون أن يقدم تفاصيل حول ما إذا كان الانخفاض مرتبطا بأسباب غير مباشرة فرضتها تداعيات الحرب أم مباشرة ترتبط بما انعكس على الساحة السياسية بين الجانبين.

“أصوات من الضفتين”

على مدى الأيام الماضية وبينما كانت لهجة إردوغان والمسؤولين في أنقرة تشتد ضد إسرائيل تعالت أصوات شبه رسمية في تركيا، وتحدثت عن ضرورة مقاطعة الشركات والمنتجات الداعمة للأخيرة، وبسبب الحرب التي تشنها على قطاع غزة. 

وسرعان ما لاقت هذه الأصوات تفاعلا، إذ أعلنت الخطوط الجوية التركية إزالة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل من صالاتها في المطارات، وانضمت إليها بلديات كبرى، من خلال حظر بيع وتوزيع المنتجات في المرافق والمتاجر التابعة لها.

ولم يقتصر الأمر على ما سبق، حيث أعلن البرلمان التركي عن إجراء جديد يقضي بحظر بيع منتجات الشركات التي تدعم إسرائيل داخل مطاعمه ومقاهيه، كما طلب رئيس الشؤون الدينية، علي أرباش من الشبان في البلاد “مقاطعة المنتجات والشركات الداعمة للصهيونية”، وفق تعبيره.

في المقابل خيّم مشهد مشابه في إسرائيل، ووفق ما ذكرت وسائل إعلام بينها “هآرتس” فإن عددا من سلاسل المتاجر الإسرائيلية الكبرى أوقفت الواردات من تركيا، إضافةً لعدد من المستوردين الصغار، ردا على الخطاب الأخير لإردوغان، والذي اعتبر فيه أن “حماس ليست منظمة إرهابية”.

وأضافت الصحيفة أيضا أن “العديد من تجار التجزئة، ومن بينهم شوفرسال ورامي ليفي، أعلنوا عن توقفهم عن استيراد المنتجات التركية”.

ونقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” عن أورئيل لين، رئيس “اتحاد الغرف التجارية” قوله إن “مستوردين أفراد أعلنوا أنهم لن يشتروا من تركيا”.

وفي حين اعتبر لين أنه “من الأفضل أن نستمر في العلاقات التجارية معهم (تركيا)”، أضاف مستدركا: “لا يمكننا أن تقول للناس أن يفعلوا ذلك بالقوة بعد ذلك. فالرئيس التركي يهاجم إسرائيل ويقدم الدعم لحماس، وهذه خطوة عاطفية لا يمكن تجاهلها”.

بالأرقام.. ما حجم التجارة؟

حتى عام 2022، وصل إجمالي واردات إسرائيل من تركيا إلى 6.8 مليار دولار سنويا، وفق أورئيل لين، رئيس “اتحاد الغرف التجارية”، وبحسب ما تؤكده الأرقام الرسمية التركية أيضا.

ويشمل التبادل التجاري مجموعة واسعة من المنتجات، خاصة المعادن والآلات والمطاط والبلاستيك ومنتجات النقل وقطع الغيار والأغذية والمحاصيل الزراعية والمواد الكيميائية والملابس والأثاث والورق، وحتى اللؤلؤ والأحجار الكريمة.

وفي تحليل نشره “بنك إسرائيل” في نهاية أبريل الماضي ذكر أن إسرائيل تطورت لتصبح “اقتصاد جزيرة” منفصلا عن دول الشرق الأوسط المجاورة منذ عقود، وجاء في التقرير أن تركيا هي “الاستثناء الوحيد في المنطقة”.

ووفق التحليل زاد حجم الصادرات والواردات من تركيا وإسرائيل بشكل مطرد لمدة 10 سنوات تقريبا، وسلط الضوء على اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1997.

وتشير بيانات نظام التجارة الخاصة الصادرة عن معهد الإحصاء التركي (TUIK) إلى ذلك، وتوضح عند النظر إليها أن صادرات تركيا إلى إسرائيل بلغت في عام 2002، أي عندما بدأت حكومة “العدالة والتنمية” 861.4 مليون دولار؛ ووارداتها 544.5 مليون دولار. 

وفي عام 2022، ارتفعت الصادرات إلى 6.74 مليار دولار، فيما ارتفعت الواردات إلى 2.17 مليار دولار، وكان من المقرر أن تزيد هذه المعدلات بشكل إيجابي، عند إتمام مسار التطبيع.

وحسب أورئيل لين رئيس “اتحاد الغرف التجارية” وفي نهاية 2022 وصل وفد تركي كبير إلى إسرائيل مؤلف من 60 صناعيا، وأجرى هؤلاء لقاءات مميزة، ونتيجة لذلك، قرر نظراؤهم في تل أبيب إرسال وفد كبير من المشترين إلى المدن التركية.

وفي ديسمبر 2022 أرسل اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية ما لا يقل عن 80 مشتريا، و”كان هناك ما لا يقل عن 20 وسيلة إعلامية تركية استضافتنا في مؤتمر صحفي كبير، وكانت هناك أجواء إيجابية لا مثيل لها”، وفق لين.

وأشار: “كان الهدف هو تشجيع المزيد من المستوردين الإسرائيليين على شراء المزيد من تركيا بدلا من الشراء من أوروبا والولايات المتحدة. تركيا لديها صناعة متطورة، والأسعار ليست مرتفعة، وأسعار النقل منخفضة لأنها قريبة منا، حيث يمكن أن تصل البضائع خلال يوم واحد”.

ما مستقبل التجارة؟

وأمام النسبة التي كشف عنها وزير التجارة التركي بولاط وما رافقها من أصوات تدعو لمقاطعة المنتجات سواء في تركيا أو إسرائيل تثار تساؤلات بشأن مستقبل التبادل التجاري بين البلدين، والعواقب التي يمكن أن يؤدي إليها التوتر السياسي على المدى الطويل؟

ومن جانب تركيا يقول الباحث الاقتصادي في مركز “سيتا” للدراسات، دينيز استقبال إن “بلاده لا تتوقع أي عقوبات في المجال التجاري على إسرائيل”.

ومع اقتراب حجم التجارة بين إسرائيل وتركيا من 10 مليارات دولار، يستبعد استقبال في حديث لموقع “الحرة” أن تتأثر العلاقات الاقتصادية بشكل خطير بالتطورات، مضيفا: “يمكن اعتماد ذات الشيء في استثمارات الشركات في البلدان أيضا”.

ويرتكز التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل في قطاعات مثل الطاقة والزراعة والصناعة التحويلية، وفي حال حصل أي أثر يرى الباحث الاقتصادي التركي أن “المؤشرات قد تتراجع إلى الخلف لحد النسبة الخاصة بالسنوات الماضية”.

وقبل حرب غزة كان هناك انخفاض بالصادرات التركية إلى إسرائيل، حسب ما تشير غاليا ليندنشتراوس، وهي خبيرة السياسة الخارجية التركية في معهد “دراسات الأمن القومي” بجامعة تل أبيب.

وكان الانخفاض المذكور “مرتبطا بعودة تكاليف الشحن إلى بعض اتجاهات ما قبل كوفيد 19 (مما يقلل من أهمية قرب تركيا جغرافيا)، وانخفاض الطلب في إسرائيل لمواد البناء، بسبب تأثر سوق الإسكان من القضاء بشكل عام”. 

وبعد اندلاع الحرب توضح الباحثة لموقع “الحرة” أن “تداعياتها أثّرت على الاقتصاد الإسرائيلي في العديد من الجوانب المختلفة، وتسببت في تغييرات كبيرة في طلب المستهلكين”، وأن “بعض المصنعين الإسرائيليين قرروا تقليل الواردات من تركيا بسبب الوضع العام”.

لكن التغييرات المذكورة لم تصل إلى قرار من الأعلى بتخفيض الواردات من تركيا، في إشارة من الباحثة ليندنشتراوس إلى الحكومة الإسرائيلية.

“خاسر – خاسر”

وكانت عضو الكنيست ورئيسة “حزب العمل”، ميراف ميخائيلي قد وجهت رسالة إلى وزير الدفاع يوآف غالانت، وكذلك إلى وزير الاقتصاد نير بركات، تحدثت فيها عن “استفسارات عامة” وصلتها من الجنود بشأن المعدات التي منشؤها تركيا، وتستخدمها المؤسسة الأمنية.

وكتبت ميخائيلي وفق ما نقلت وسائل إعلام عبرية عنها: “لقد أثبتت تركيا في الشهر الماضي أنها لا تقف إلى جانب إسرائيل في هذا الوقت العصيب وأنها معادية. إن استيراد المنتجات من تركيا يضر بمعنويات الجنود وتماسكهم”.

لكن وردا على هذا الصوت دعا كلا من غادي شوشان، رئيس غرفة التجارة الإسرائيلية التركية؛ وإيهود إيتام، القنصل العام السابق لإسرائيل في إسطنبول وداني كاتريفز، رئيس المنظمة الجامعة لغرف التجارة الثنائية إلى الحذر من أي دعوات مقاطعة و”عمل متهور”.

وكتب الثلاثة: “في حين أن البيانات السياسية والعلاقات الدبلوماسية يمكن أن تتغير على الفور تقريبا، فإن السياسة الاقتصادية والعلاقات والروابط الثقافية بين الأمم هي أصول طويلة الأمد وبناؤها معقد وطويل، وكذلك فائدتها”.

ووفقا لهما، فإن العلاقات مع تركيا مستمرة منذ سنوات عديدة وشهدت بالفعل صعودا وهبوطا. ومع ذلك، قالوا إنه حتى خلال فترات التوتر والقطيعة، بما في ذلك خلال “أزمة مرمرة”، حرص الجانبان على الحفاظ على العلاقة الاقتصادية المتبادلة.

وعند النظر إلى الميزان التجاري بين تركيا وإسرائيل فإن معظم الصادرات التركية إلى إسرائيل هي أقل بكثير من الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا، ولذلك “يمكن أن تخسر تركيا المزيد إذا تضررت العلاقات التجارية”، وفق الباحثة في جامعة تل أبيب.

ومع ذلك، تمتعت إسرائيل على مر السنين بمنتجات جيدة الصنع من تركيا وبأسعار تنافسية، وتعتقد الباحثة ليندنشتراوس بناء على ذلك أن “إسرائيل ستخسر أيضا إذا تم تخفيض حجم التجارة”.

وتختلف الحرب الحالية من حيث نطاقها عن جولات العنف السابقة في غزة، ومن الصعب الاعتماد على التجارب السابقة التي استمرت فيها التجارة بين إسرائيل وتركيا في النمو على الرغم من التوترات السياسية. 

وتضيف الباحثة أن “الخصائص الرئيسية لتركيا وإسرائيل هي الأسواق المجانية، والمسافة الجغرافية القصيرة، فضلا عن القدرة التنافسية للمنتجات التركية، مما يجعل العديد من الجهات الفاعلة في قطاع الأعمال الخاص تحافظ على الدافع القوي لتثبيت ازدهار العلاقات التجارية”.

وكان من المخطط أن تقوم تركيا وإسرائيل بتحسين علاقاتهما التجارية في نطاق خطوات التطبيع، والتي كان آخر محطاتها اللقاء الذي جمع إردوغان برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو في نيويورك.

وبعد أن أعلن إردوغان أنه لا يعتبر حماس “منظمة إرهابية”، تم إلغاء بعض منتديات الأعمال التي كان من المقرر عقدها بالاشتراك مع تركيا في إسرائيل، وخاصة المتعلقة بالطاقة، كما صرّح الوزير التركي، ألب أرسلان بيرقدار لوسائل إعلام، يوم الأربعاء.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *