كشف مصدران مقربان من حماس الفلسطينية، السبت، أن الحركة استعدت لحرب طويلة وممتدة في قطاع غزة.
ونقلت وكالة رويترز عن المصدرين اللذين رفضا الكشف عن هويتهما، قولهما إن حماس، تعتقد أنها قادرة على عرقلة التقدم الإسرائيلي لفترة كافية لإجبار عدوها اللدود على الموافقة على وقف إطلاق النار.
وكشفا أن حماس، عكفت على تخزين الأسلحة والصواريخ والمواد الغذائية والإمدادات الطبية.
وقالا إن الحركة واثقة من أن الآلاف من مقاتليها يمكنهم البقاء على قيد الحياة لعدة أشهر في مدينة من الأنفاق محفورة في عمق القطاع الفلسطيني والقدرة على تعجيز القوات الإسرائيلية بتكتيكات حرب العصابات في المناطق الحضرية.
وقال المصدران إنه في نهاية المطاف، تعتقد حماس أن الضغط الدولي على إسرائيل لإنهاء الحصار، مع تزايد الخسائر في صفوف المدنيين، يمكن أن يفرض وقف إطلاق نار والتوصل إلى تسوية في التفاوض من شأنها خروج الجماعة المسلحة بتنازل ملموس مثل إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين مقابل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين.
وأشار أربعة مسؤولين من حماس ومسؤول إقليمي آخر، ومصدر مطلع على “طريقة التفكير في البيت الأبيض” إلى أن الحركة أوضحت للولايات المتحدة وإسرائيل خلال مفاوضات غير مباشرة بشأن الرهائن توسطت فيها قطر، أنها تريد فرض الإفراج عن السجناء الفلسطينيين لدى إسرائيل مقابل إطلاقها لسراح الرهائن.
وعلى المدى الأطول، قالت حماس إنها تريد إنهاء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 17 عاما على غزة، فضلا عن وقف التوسع الاستيطاني الإسرائيلي و”التصرفات القاسية من قوات الأمن الإسرائيلية في المسجد الأقصى”.
ودعا خبراء من الأمم المتحدة، الخميس، إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة، قائلين إن الفلسطينيين هناك يواجهون “خطر إبادة جماعية جسيما”.
ويرى الكثير من الخبراء أن هناك أزمة آخذة في التصاعد، مع عدم وجود جولة نهاية واضحة في الأفق لأي من الجانبين.
وقال مروان المعشر الذي سبق أن شغل منصبي وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء في الأردن ويعمل حاليا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي “مهمة تدمير حماس لن تكون سهلة المنال”.
وأضاف “لن يكون هناك حل عسكري لهذا الصراع.. نمر بأوقات صعبة، وهذه الحرب لن تكون قصيرة”.
وتنشر إسرائيل قوة جوية ساحقة منذ هجوم السابع من أكتوبر، الذي شهد خروج مسلحي حماس من قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل 1400 إسرائيلي واحتجاز 239 رهينة.
وتجاوز عدد القتلى في غزة تسعة آلاف شخص، ويؤجج كل يوم احتجاجات في أنحاء العالم بسبب محنة أكثر من مليوني نسمة في غزة محاصرين في القطاع الصغير، والكثير منهم بلا ماء أو طعام أو كهرباء.
والثلاثاء، أصابت الضربات الجوية الإسرائيلية مخيما مكتظا للاجئين في غزة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن خمسين فلسطينيا وأحد قادة حماس.
وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقضاء على حماس ورفض الدعوات لوقف إطلاق النار.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إنه ليس لديهم أي تصور لما قد ينتظرهم، ويتهمون المسلحين بالاختباء خلف المدنيين.
وقال داني دانون السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة والعضو السابق في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست إن البلاد استعدت “لحرب طويلة ومؤلمة”.
وقال لرويترز “نعلم أننا سننتصر في النهاية وأننا سنهزم حماس.. السؤال سيكون ما هو الثمن.. علينا أن نكون حذرين للغاية وندرك أن المناورة في منطقة حضرية أمر معقد للغاية”.
وقالت الولايات المتحدة إن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لوقف إطلاق النار بشكل عام، لكنها تقول إن وقف الأعمال القتالية ضروري لتوصيل المساعدات الإنسانية.
حماس “مستعدة بالكامل”
وقال أديب زيادة، وهو فلسطيني خبير في الشؤون الدولية بجامعة قطر وشارك في دراسات بشأن حماس، إن الحركة لا بد وأن تكون لديها خطة أطول في الأمد لمتابعة هجومها على إسرائيل.
وقال لرويترز “أولئك الذين نفذوا هجوم السابع من بهذا المستوى من الكفاءة، هذا المستوى من الخبرة والدقة والقوة، لابد وأنهم مستعدون لمعركة طويلة الأمد.. لا يمكن لحماس أن تدخل في مثل هذا الهجوم دون أن تكون مستعدة بشكل كامل ومعبأة لمواجهة النتيجة”.
وقال المصدر “المطلع على نهج التفكير في البيت الأبيض” وفق وصف رويترز، إن واشنطن تتوقع أن تحاول حماس استدراج القوات الإسرائيلية إلى معركة في شوارع غزة وتكبيدها خسائر عسكرية فادحة بما يكفي لإضعاف التأييد الشعبي الإسرائيلي لصراع طويل الأمد.
وأضاف أن مع ذلك، أكد المسؤولون الإسرائيليون لنظرائهم الأميركيين أنهم مستعدون لمواجهة تكتيكات حرب العصابات لدى حماس وكذلك تحمل الانتقادات الدولية للهجمات الإسرائيلية.
كما قال إن السؤال حول ما إذا كانت إسرائيل قادرة على القضاء على حماس أو مجرد إضعاف قوتها بشدة يظل قائما.
وتقول مصادر في حماس إن عدد مقاتليها يبلغ نحو 40 ألفا، ويمكنهم التحرك في أنحاء القطاع باستخدام شبكة واسعة من الأنفاق المحصنة، التي يبلغ طولها مئات الكيلومترات ويصل عمقها إلى 80 مترا تم بناؤها على مدار سنوات كثيرة.
وشوهد مسلحون في غزة، الخميس، وهم يخرجون من الأنفاق لإطلاق النار على دبابات، ثم يختفون مرة أخرى في شبكة الأنفاق، وفقا لسكان ومقاطع فيديو.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن جنودا من وحدة “ياهالوم” وهي وحدة قوات خاصة من سلاح الهندسة القتالية الإسرائيلي، تعمل مع وحدات أخرى على كشف الأنفاق وإخلائها وتدميرها فيما وصفه متحدث بأنه “معركة معقدة” في غزة.
وخاضت حماس سلسلة من الحروب في مواجهة إسرائيل في العقود القليلة الماضية.
وقال علي بركة رئيس دائرة العلاقات الوطنية لحماس والمقيم في بيروت إن الحركة طورت وعززت قدراتها العسكرية على مر السنين.
وقال “السلاح عندنا هو أمن قومي ليس أي أحد يعرف ماذا يوجد لدينا، نعتمد المفاجأة في كل حرب.. نحن نشتغل على أن يكون الصاروخ دقيقا وفتاكا، مع تطوير الصورايخ التي لدينا”.
وأضاف أنه في حرب غزة عام 2008، كان الحد الأقصى لمدى صواريخ حماس هو 40 كيلومترا، لكن ذلك ارتفع إلى 230 كيلومترا بحلول عام 2021.
وقال مسؤول مقرب من جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران والمتحالفة مع حماس إن القوة القتالية للحركة الفلسطينية المسلحة ظلت سليمة إلى حد كبير بعد أسابيع من القصف.
ولدى حزب الله غرفة عمليات عسكرية مشتركة في لبنان مع حماس وفصائل متحالفة أخرى في شبكة إقليمية تدعمها إيران، وفقا لقيادات في حزب الله وحماس.
دعوة إلى تدمير إسرائيل
دعا الميثاق التأسيسي لحماس لعام 1988 إلى تدمير إسرائيل.
والحركة مصنفة على أنها إرهابية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي وثيقة لاحقة تُعرف باسم ميثاق عام 2017 قبلت الحركة لأول مرة بدولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، على الرغم من أنها لم تعترف صراحة بحق إسرائيل في الوجود.
وقال أسامة حمدان، القيادي في حماس والمقيم في لبنان إن هجوم السابع من أكتوبر والحرب على غزة سيضعان القضية الفلسطينية على الخارطة من جديد.
وأضاف لرويترز “هذه فرصة لنا لنقول لهم نحن نستطيع أن نصنع قدرنا بأيدينا، نحن نستطيع أن نرتب أوراق المنطقة كما نريد، وكما يحمي مصالحنا”.
واكتسبت حماس المزيد من القوة بعد أن وصل اتفاق أوسلو للسلام الذي تم التوصل إليه عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود إلى طريق مسدود.
وفاز نتنياهو بالسلطة للمرة الأولى في 1996، وقال مفاوضون فلسطينيون وأميركيون إن رفض حكومته على مر السنين وقف بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة يقوّض الجهود الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية منفصلة.
ونفى مسؤولون إسرائيليون في الماضي أن تكون المستوطنات عقبة أمام السلام، واتخذ ائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف الحالي موقفا أكثر تشددا ضد التنازل عن الأراضي المحتلة.
وكانت هناك مبادرة سلام عربية، تحظى بدعم دولي واسع النطاق وإجماع عربي، مطروحة على الطاولة منذ عام 2002.
وتعرض هذه الخطة على إسرائيل معاهدات سلام مع علاقات دبلوماسية كاملة مقابل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
وبدلا من ذلك، اختار نتنياهو أن تنشئ إسرائيل تحالفا مع دول عربية سنية.
والتحالف مكون من مصر والأردن، اللذين وقعا مع إسرائيل معاهدتي سلام عامي 1979 و1994، بالإضافة إلى الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
وقبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر، كانت تجري محادثات بوساطة أميركية مع السعودية للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي تاريخي يشكل جبهة موحدة ضد إيران، لكن هذه العملية تم تعليقها منذ ذلك الحين.