اعتقال الفلسطينيين بعد طوفان الأقصى.. تنكيل ووحشية وانتهاك الآدمية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

نابلس- “هاجموني بوحشية أمام زوجتي وأطفالي، وأطلقوا علي النار مباشرة وأنا أعزل لمحاولتي إنقاذ ابني من بين أيديهم بعدما رأيتهم يتجمعون خلفه وينهالون عليه بالضرب المبرح، فكانت النتيجة إصابتي بالرصاص الحي وطفلتي بشظاياه”.

بهذه الشهادة أدلى المواطن الفلسطيني عبد السلام معلا للجزيرة نت، مؤكدا تعرضه لعنف غير مسبوق ووحشية بات يتعمدها جيش الاحتلال الإسرائيلي في عمليات اعتقاله الأخيرة ضد الفلسطينيين، سواء ضد من يعتقلهم من الأسرى أو بحق ذويهم كحال المواطن معلا الذي كاد رصاص الجنود أن يقتله أو يشل حركته على أقل تقدير.

وكان لافتا -خاصة منذ بدء العدوان على غزة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي- تصعيد عمليات التنكيل بالأسرى وذويهم خلال تنفيذ الاعتقال بحق الفلسطينيين، من خلع لأبواب المنازل وتفجيرها، واحتجاز الأهالي لساعات، والتحقيق الميداني معهم بظروف قاسية، والاعتداء عليهم بالضرب المبرح، وصولا إلى إطلاق النار المباشر عليهم واحتجازهم كرهائن -خاصة الآباء والأمهات- إلى حين تسليم الأسير نفسه.

ووصل قمع الأسرى إلى حد تقييدهم وتعصيب عيونهم وضربهم بعنف وفي أماكن حساسة بأجسادهم، إضافة إلى تعريتهم وسحلهم فرادى وجماعات على وقع أغانٍ صاخبة والشتم بألفاظ نابية، وتجلت أبشع صور سادية الاحتلال بقتل الأسرى تحت وطأة التعذيب كحال الأسيرين الشيخ عمر دراغمة (58 عاما) والشاب عرفات حمدان.

إطلاق نار واحتجاز كرهائن

وما حدث مع عائلة معلا فاق التصور، إذ يقول عبد السلام إنه بادر إلى فتح باب منزله بعدما شعر بمحاولة جنود الاحتلال خلعه، فهاجموه واحتجزوه وعائلته معا، ثم اعتقلوا نجله عبادة (21 عاما) بعد أن قيدوه.

وخارج المنزل -يتابع معلا- أداروا نجله للخلف وانهالوا عليه بالضرب المبرح وهو مقيد، ويقول “خرجت مسرعا محاولا منعهم، لكنهم اعترضوني واعتدوا علي بالضرب”.

ويضيف محاولا البحث عن تفسير لعنف جنود الاحتلال -ولا سيما أن ابنه غير مطلوب لهم- “دون سابق إنذار أطلق أحدهم الرصاص الحي صوبي من مسافة صفر، وأصابني في رجلي وأصيبت طفلتي بشظايا الرصاص، وتركنا ننزف وسط حالة من الهلع لكل العائلة”.

تجلت وحشية الاحتلال باستخدام ذوي الأسرى دروعا بشرية، واحتجاز الأهالي كرهائن للضغط على أبنائهم لتسليم أنفسهم كما حصل مع عائلة الأسيرة المسنة عائشة أبو جحيشة (67 عاما) في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية فجر الثلاثاء الماضي، حيث اقتحمت قوات الاحتلال منزلها الذي لم يكن فيه أحد من عائلتها لحظتها، وبعد تكبيلها وتعصيب عينيها اقتيدت إلى مركز تحقيق عتسيون شمال الخليل، واحتجزت لأكثر من 20 ساعة بظروف صعبة رغم مرضها المزمن بالضغط والسكر.

ويقول مهند أبو جحيشة نجل الأسيرة عائشة للجزيرة نت إن “اعتقال والدتي كان بهدف الضغط على بعض إخوتي لتسليم أنفسهم بعد أن فشل الاحتلال باعتقالهم خلال اقتحامات كثيرة للمنزل”.

ويضيف “تعمدوا إيذاء أمي بالأغاني الصاخبة، ثم هددوها بهدم المنزل وقتل أبنائها واحدا تلو الآخر، وأطلقوا سراحها بعد أن استدعونا لأخذها من أمام سجن عتسيون شمال الخليل الساعة الواحدة فجرا”.

توثيق الإجرام

ووثقت مؤسسات تعنى بشؤون الأسرى جرائم وحشية بحقهم وذويهم لحظة الاعتقال، فيما ضجت مواقع التواصل بمقاطع فيديو لجنود الاحتلال وهم يتلذذون بتعذيب معتقلين بعد تجريدهم من ملابسهم عند حدود غزة، وآخرين في الخليل وبيت لحم، وآخرهم في بلدة ترمسعيا برام الله في ظروف تحط من الكرامة الإنسانية.

وكشف مسؤول الإعلام في هيئة شؤون الأسرى والمحررين ثائر شريتح للجزيرة نت عن شهادات جمعوها تؤكد إجرام الاحتلال بحق ذوي الأسرى، وأنه يتعمد منهجية واضحة بتعذيب الأسرى وذويهم وبقرار مدعوم سياسيا وعسكريا، وبدافع أكبر من الانتقام إلى انتهاك آدمية الإنسان الفلسطيني.

وقال “اعتقل الاحتلال زوجة أسير محرر من بلدة سلواد شرق رام الله فجر أمس الخميس، وهي حامل ومعها طفلتها (سنة ونصف) للمساومة والضغط على زوجها لتسليم نفسه، ولاحقا أفلتت سراح الطفلة لدى الجيران وأبقت عليها معتقلة”.

وتعكس ممارسات ضباط مخابرات الاحتلال بتصوير الأسرى في محاولة لردع الشارع الفلسطيني شيئا يتجاوز الانتقام، وهو ما ينذر حسب شريتح “بنطاق أوسع من الجرائم الأكثر بشاعة وانتقامية بحق الأسرى وذويهم”، مذكرا بما حدث قبل أيام من قتل الاحتلال لأسيرين داخل السجون.

نهج مدعوم

واتفق مدير مركز حريات الحقوقي حلمي الأعرج على أن ما تمارسه سلطات الاحتلال بحق الأسرى وذويهم “سياسة ممنهجة وفاشية دموية غير مسبوقة ضد الفلسطينيين”.

وقال الأعرج للجزيرة نت إن الاحتلال يستغل إعلان حالة الطوارئ ليقتل الفلسطينيين ويهجرهم ويعتقلهم بوحشية.

وأكد الحقوقي الفلسطيني أنه لا مسوغ قانونيا للاحتلال وإجراءاته بحق الأسرى وذويهم، وقال “هذه عنجهية إسرائيلية أكبر من الانتقام هدفها إذلال وتحطيم الإنسان الفلسطيني ونفسيته، وامتهان كرامته وإرهابه، ومحاولة لتخويفه وردعه”.

وحذر الأعرج أمام هذا الوضع الخطير كما وصفه من “انفجار” إذا ما استمر الاحتلال باعتداءاته وتجاوزاته إلى حد تعرية المعتقلين وإطلاق النار عليهم وقلتهم وذويهم، وصولا إلى تنفيذ “إعدامات ميدانية” على نطاق أوسع تحت أي ذرائع.

ومنذ العدوان على غزة اعتقلت إسرائيل نحو ألفي فلسطيني، بينهم نساء، وانتهكت بشكل غير مسبوق إنسانيتهم وكرامتهم أثناء اعتقالهم وداخل السجون، حيث نكلت بهم بأساليب عنصرية، وحرمتهم من كل الحقوق من ماء وكهرباء واتصال، وعزلتهم عن بعضهم البعض داخل الأقسام وعن العالم، وحرمت زيارة ذويهم أو محاميهم، ومارست صنوفا مختلفة من التعذيب وصلت إلى القتل، وزاد الاحتلال قمعه لعائلاتهم.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *