بعد مرور ما يقرب من أسبوع على دخول الدبابات والقوات الإسرائيلية إلى غزة، تتزايد المخاوف من احتمال انتشار الصراع وتمدد الحرب إلى جبهة ثانية، الضفة الغربية، الأكبر حجما بكثير، حيث تتصاعد التوترات ويزداد غضب الفلسطينيين من الغارات الجوية الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل الآلاف في غزة، بحسب تقرير لـ “نيويورك تايمز”.
وبينما يقول مسؤولون عسكريون إسرائيليون إنهم حققوا مكاسب مطردة ضد حماس، بحسب الصحيفة، فإن العملية البرية، التي تطوق الآن مدينة غزة، تدخل مرحلة “محفوفة بالمخاطر للغاية”، مع تقدم القوات الإسرائيلية في منطقة حضرية مليئة بالأنفاق وموطن لكثير من الفلسطينيين.
الغارات الجوية الإسرائيلية هذا الأسبوع على مخيم جباليا المكتظ بالسكان في شمال قطاع غزة، والتي أسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين، بحسب “نيويورك تايمز” باتت تثير المخاوف من أن الحرب قد تمتد إلى الضفة الغربية، كما أن “الصور المروعة” للقتلى والجرحى، تزيد من حدة الضغوط الدولية على إسرائيل.
“تقدم كبير.. تفاصيل قليلة”
وقال أحد كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، لـ “نيويورك تايمز”، إنه “واثق من أن القوات ستسيطر على غزة”، حيث ذكرت إسرائيل أنها قتلت المئات من نشطاء حماس في هجماتها.
لكن المسؤول لم يكن متأكدا، بحسب التقرير، من أنه سيكون لديهم ما يكفي من الوقت للقضاء على جميع قوات حماس، وهو ما قد يستغرق أشهراً بحسب التقديرات الإسرائيلية.
وبحسب الصحيفة، يتحدث القادة الإسرائيليون علناً عن تحقيق مكاسب ثابتة، “لكنهم يقدمون القليل من التفاصيل” حول ردهم العسكري على هجمات حماس في 7 أكتوبر، والتي خلفت 1400 قتيل من الجنود والمدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن، وتضمنت تعذيبا وسوء معاملة.
وقال المسؤولون العسكريون الإسرائيليون إن العملية البرية حققت تقدماً كبيراً والقوات تتقدم بشكل مطرد في أحياء مدينة غزة، وتواجه مقاتلي حماس الذين يخرجون من الأنفاق أو أماكن أخرى للاختباء لمحاولة القبض عليهم.
وقد استخدمت حماس منذ فترة طويلة مثل هذا التكتيك في اشتباكات حرب العصابات مع القوات الإسرائيلية، وكان هذا الأسلوب فعالا في إبطاء تقدم الجنود في الوقت الذي تصرّف فيه القادة الإسرائيليون بحذر، لتقليل الخسائر في صفوفهم.
لكن هذه المرة، قال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير لـ “نيويورك تايمز” إن ضخامة هجمات 7 أكتوبر جعلت القادة الإسرائيليين “أقل نفورا من المخاطرة بشأن كيفية الاشتباك مع العدو”. فيما ذكر الجيش الإسرائيلي أنه فقد نحو 20 جنديا.
وقال اثنان من المسؤولين إن بعض قيادات حماس انهارت، “لكن في أماكن أخرى لا يزال المسلحون يقاتلون بقوة، ولا يزال العديد منهم مختبئين في الأنفاق”.
وعبر مسؤولون إسرائيليون أيضا عن اعتقادهم أن قيادة حماس كانت في حالة من الفوضى منذ بدء العملية البرية، عندما تم قطع خدمات الإنترنت والهواتف الخلوية والأرضية عن غزة.
ضغوط للإخراج الرهائن
ومع ذلك، يقول التقرير إن العملية لم تحقق بعد أحد أهدافها الرئيسية، وهو فرض القدر الكافي من الضغوط على حماس لإجبارها على التفاوض بشأن إطلاق سراح أكثر من 200 شخص اختطفوا أثناء الهجمات، أو تمكين إسرائيل من إنقاذهم في عملية عسكرية خاصة.
ويتحدث قادة حماس السياسيون “بلهجة تحدٍ”، بحسب “نيويورك تايمز”، حيث قال غازي حمد، أحد كبار القادة، إنهم سينفذون المزيد من الهجمات على إسرائيل “حتى يتم إبادتها”.
ونشرت حماس، يوم الخميس، لقطات قالت إنها تظهر مقاتليها وهم يطلقون قاذفة قنابل يدوية على دبابة إسرائيلية.
وتطالب حماس أيضا بتسليم الوقود كشرط لإطلاق سراح الرهائن، على الرغم من أن الأمم المتحدة قالت إن الحركة تقوم بتخزينه.
وبينما أكدت حماس مقتل بعض قادتها من ذوي الرتب المتوسطة والعليا في الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، إلا أنها نفت مقتل ضباط كبار آخرين أعلنت إسرائيل عن استهدافهم.
ولا يزال رجال الإنقاذ يبحثون عن ناجين بين أنقاض المباني المنهارة في مخيم جباليا شمال غزة، بعد ثلاثة أيام متتالية من الغارات الجوية الإسرائيلية.
وقتلت وجرحت تلك الغارات أكثر من 1000 شخص، من بينهم العديد من الأطفال، وفقا لوزارة الصحة في غزة التي تسيطر عليها حماس.
ومع ارتفاع عدد القتلى في هذه الهجمات وغيرها، تزايدت المطالبات بوقف إطلاق النار في جميع أنحاء العالم، بحسب “نيويورك تايمز”.
وكان وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، “ضغط”، الجمعة، على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ليأمر بـ “وقف إطلاق نار إنساني” للعملية العسكرية، بحسب الصحيفة، للسماح بوصول المزيد من المساعدات إلى المدنيين ومغادرة المزيد من الأشخاص القطاع المحاصر.
وكرر بلينكن، الذي التقى نتانياهو في تل أبيب، دعوة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لوقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن ذلك سيسهل إيصال المساعدات للمدنيين ويمكن أن يساعد في إطلاق سراح 240 مختطفا تحتجزهم حماس في غزة.
وقال بلينكن في مؤتمر صحفي: “نحن ندرك أن هذا سيستغرق وقتا للتحضير”، مضيفا أنه يجب ألا يسمح لحماس باستغلال وقف القتال. ولم يقدم أي تفاصيل حول توقيت أو مدة فترات التوقف المقترحة، وأشار إلى أن هذا الأمر لا يزال قيد النقاش مع الإسرائيليين.
وبينما تستمر هذه المفاوضات، قامت القوات الإسرائيلية بتقسيم قطاع غزة إلى نصفين، بعد أن تسابقت عبر القطاع من الشرق إلى الغرب ووصلت إلى البحر الأبيض المتوسط، الثلاثاء.
وتسيطر إسرائيل الآن على وسط غزة، بحسب التقرير، وهي منطقة أقل استيطانا تضم مخيمات متناثرة للاجئين. وقطعت القوات الإسرائيلية الطرق الرئيسية الممتدة بين الشمال والجنوب المؤدية إلى مدينة غزة، مما حرم حماس من المعدات والمركبات والتعزيزات الأخرى المنقولة فوق الأرض، لكن العديد من الأنفاق لا تزال سليمة.
ومن المحتمل أن يكون فقدان خدمة الإنترنت والهاتف في غزة في المرحلة الأولى من العملية قد أعاق قدرة قادة حماس على جمع المعلومات الاستخبارية من الميدان أو التواصل مع قادتهم السياسيين في لبنان، بحسب “نيويورك تايمز”، كما ساعد في منعهم من بث صور الهجوم إلى العالم، “الأمر الذي كان من الممكن أن يزيد الضغط على إسرائيل للتوقف”.
ومع ذلك، فقد أدى ذلك إلى تعميق الأزمة بالنسبة للمدنيين في غزة. وارتفع عدد القتلى جراء الغارات الجوية إلى أكثر من 9000، وفقا لوزارة الصحة في غزة. وتعاني مستشفيات القطاع من نقص الوقود والإمدادات الأساسية، ويقول بعض الأطباء إنهم اضطروا إلى إجراء عمليات جراحية دون تخدير.
توتر في الضفة الغربية
وتؤدي الكارثة الإنسانية في غزة إلى زيادة التوترات في الضفة الغربية التي كانت قد عانت أصلا من موجة من الهجمات العنيفة التي يشنها مستوطنون يهود مدججون بالسلاح على الفلسطينيين واعتداءات مسلحي حماس على اليهود.
وقال مسؤولون عسكريون واستخباراتيون إسرائيليون لـ “نيويورك تايمز” إنهم يشعرون بالقلق من اندلاع أعمال عنف على نطاق أوسع قد يتطلب ردا كبيرا من الجيش المنتشر بالفعل بكثافة في العملية ضد غزة وللحماية من هجوم محتمل في شمال إسرائيل من جانب حزب الله اللبناني.
وفي الأشهر الستة الماضية، تم نقل القوات الإسرائيلية لتعزيز تلك المتواجدة في الضفة الغربية. ولكن بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر، تم استبدالهم بوحدات احتياطية أصغر حجما وأقل خبرة، لأن إسرائيل كانت بحاجة إلى قواتها على الخطوط الأمامية في غزة.
وقال محللون عسكريون إن الجيش الإسرائيلي لديه ما يكفي من القوات لشن الهجوم البري أثناء قيامه بعمليات منتظمة في الضفة الغربية. لكن الخبير في شؤون الجيش الإسرائيلي في الجامعة المفتوحة في إسرائيل، ياجيل ليفي، قال لـ “نيويورك تايمز” إن الجيش الاسرائيلي سيكون مرهقًا إذا شن هجوما موازيا في الضفة الغربية.
وأضاف ليفي “كان ينبغي على الجيش تهدئة الضفة الغربية، لكنهم فقدوا الكثير من سيطرتهم هناك.”
ومنذ 7 أكتوبر، أدى العنف الذي يمارسه المستوطنون في الضفة الغربية إلى نزوح أكثر من 800 فلسطيني، بحسب التقرير.
وقالت الأمم المتحدة إن 120 فلسطينيا قتلوا في اشتباكات مع المستوطنين أو مع الجيش الإسرائيلي، وإن معظمهم قتلوا في اشتباكات مع الجنود.
ويقول منتقدون إن إسرائيل أدت إلى تفاقم التوترات في الضفة الغربية من خلال تجميد تحويل عائدات الضرائب والجمارك إلى السلطة الفلسطينية، التي تسيطر على المنطقة، بعد هجمات حماس، وفق الصحيفة.
ورفض وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، وهو عضو من اليمين متطرف في حكومة نتانياهو، تسليم المدفوعات التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، بحجة أن الأموال ستذهب لدعم حماس.
وزير المالية الإسرائيلي يجمد أموالا تعود للسلطة الفلسطينية
قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الاثنين، إنه أصدر تعليمات لوزارة المالية بوقف تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية، وحث الحكومة على إعادة تقييم سياستها بشأن تحويل الأموال، في ضوء ما وصفه بـ”دعم السلطة الفلسطينية لإرهاب حماس خلال هجوم 7 أكتوبر”، وفقا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وقالت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي (شين بيت) إن السلطة الفلسطينية لها قيمة في الحرب ضد إرهاب حماس وأن هذه الأموال ضرورية لدفع رواتب موظفي السلطة.
وقال بعض المسؤولين العسكريين لـ “نيويورك تايمز” إنه بدون التعاون الفلسطيني في مكافحة الإرهاب، قد تواجه الضفة الغربية انتفاضة ثالثة، بعد الانتفاضات الفلسطينية القاتلة في عامي 1987 و2000.
وقد أدت خطوة سموتريتش إلى حدوث انقسام مرير في مجلس الوزراء. وطالب وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، برفع التجميد، قائلاً في بيان له إنه “يجب تحويل الأموال على الفور حتى يمكن استخدامها من قبل الآلية التنفيذية للسلطة الفلسطينية وقطاعات السلطة الفلسطينية التي تتعامل مع مكافحة الإرهاب”.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن محللين قولهم إن السلطة الفلسطينية ورئيسها, محمود عباس, قد استنزفوا وفقدوا مصداقيتهم بسبب شقاقهم مع حماس، وهو ما قال منتقدون إن نتانياهو استغله.
وأضافوا أنه نتيجة لذلك، أصبح لدى السلطة الآن تأثير محدود على المليشيات المسلحة التي تجوب الضفة الغربية والتي حفزها القتال في غزة.
وقال ليفي: “حتى لو كان الرئيس عباس يريد استقرار الوضع، فأنا لست متأكداً من موافقة المليشيات”، مضيفا “إنهم يميلون إلى القيام بشيء لإظهار تعاطفهم مع إخوانهم في غزة”.