تمكّن رجل الأعمال التركي يوسف أوزكان من تدوير “النفايات” وإنتاج الإكسسوارات والأثاث، في حين نجح الفنان أحمد قره أحمد أوغلو في تحويل المخلفات الزجاجية إلى حلي وأدوات زينة، ليشكلا نموذجين لقصص نجاح كثيرة في تركيا منذ إطلاق مبادرة “صفر نفايات”. إذ صنع محبو البيئة قصص نجاحهم من خلال إعادة تدوير النفايات، كل في مجاله وبطرق مبتكرة.
وازداد اهتمام تركيا بمشاريع إعادة تدوير المواد المستخدمة في السنوات الأخيرة، وبخاصة منذ إعلان السلطات مبادرة “صفر نفايات”، والتي أسهمت في توعية المواطنين بأهمية تقليل النفايات والاستفادة منها، مما ساعد في ارتفاع معدل إعادة التدوير بشكل لافت.
من بلاستيك إلى إكسسوارات وأثاث
من خلال إعادة تدوير نفايات البلاستيك والنايلون، يقوم رجل الأعمال التركي يوسف أوزكان بإنتاج الإكسسوارات ومواد الأثاث وتصديرها. وكان أوزكان دخل قطاع الأثاث والإكسسوارات في العام 1988، بعد أن عمل مع والده في إنتاج وبيع العلب البلاستيكية نحو 47 عاما، ويصدر حاليا منتجاته من الأثاث والإكسسوارات إلى 17 دولة حول العالم.
وبدأ أوزكان بإنتاج أرجل الأثاث من البلاستيك عام 1980، لتقليل تكاليف العمالة والمساهمة في الاقتصاد الوطني.
وبعد أن وسّع عمله، بدأ بجمع 50 طنا من نفايات البلاستيك شهريا من المنطقة الصناعية في ولاية قيصري (وسط تركيا) لتدويرها في مصنعه.
ويوفر رجل الأعمال التركي في مصنعه فرص عمل لنحو 130 شخصا، حيث ينتجون الإكسسوارات والأثاث المنزلي، ليصدّر منتجات مصنعه إلى روسيا وإيطاليا وهولندا وأوكرانيا وألمانيا ورومانيا وأذربيجان والعراق وبعض دول البلقان.
وخلال العام الماضي 2022، جنى أوزكان من تصدير منتجاته نحو 700 ألف دولار. ويؤكد رجل الأعمال -الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس إدارة جمعية قيصري لصناعيي البلاستيك (كايبايدر)- أن هدفه لهذا العام يتمثل في الوصول إلى مليون دولار في التصدير.
وحث رجل الأعمال التركي المواطنين على جمع النفايات البلاستيكية والمعدنية والورقية والزجاجية، وإرسالها إلى مراكز إعادة التدوير، والإسهام في إنعاش الاقتصاد من خلال تحويل تلك النفايات إلى منتجات مفيدة.
وتابع “زيادة الوعي فيما يخص البلاستيك مهمة جدا، هناك من يقول إن البلاستيك يحتوي على مواد مسببة للسرطان، وهناك من يقول إن البلاستيك يلوث البيئة، لكننا بوصفنا قطاعا لا نتفق مع هذه الآراء، لأنه ليس البلاستيك هو الذي يلوث الطبيعة والبيئة، إنما سوء استخدامه من قبل الإنسان”.
وأردف “نحن نجلب عبوات النايلون ومواد النفايات غير الخطرة إلى الصناعة والاقتصاد، نحوّل هذه المواد إلى مواد خام ونستخدمها في إنتاج سلع مفيدة ونقدمها لخدمة الناس”.
وذكر أوزكان أن قطاع البلاستيك يساهم بشكل كبير في تخليص البلاد من النفايات البلاستيكية، مبينا أن القطاع يعلّق أهمية على عمليات إعادة التدوير.
من مخلفات زجاجية إلى إكسسوارات
من جانبه، يبدع فنان الزجاج التركي أحمد قره أحمد أوغلو في تحويل المخلفات الزجاجية إلى حلي وأدوات زينة.
وفي حديث للأناضول، قال قره أحمد أوغلو، المقيم في ولاية كوجالي (شمالي غربي البلاد)، إنه تعرف على فن الزجاج بعمر التاسعة في إسطنبول، ويكسب رزقه من هذه المهنة منذ 45 عاما.
ويعمل قره أحمد أوغلو (54 عاما) في دكانه الواقع بمنشأة سياحية في قضاء “باش إيسكلا”، وينتج حليا مثل القلادات والأقراط والخواتم، وإكسسورات مختلفة.
وبات يعتمد بشكل أكبر على المخلفات الزجاجية في عمله في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج في الأعوام الأخيرة.
ويقوم قره أحمد أوغلو بمعالجة المخلفات الزجاجية في حرارة تصل 1200 درجة، وتشكيلها لتأخذ الشكل المطلوب.
ولفت قره أحمد أوغلو إلى أهمية إعادة تدوير النفايات من أجل حماية البيئة، وأكد أنه يحرص منذ 20 عاما على تحويل المخلفات الزجاجية إلى أعمال فنية.
قصص نجاح لافتة
سجلت الكثير من قصص النجاح في تركيا منذ إطلاق مبادرة “صفر نفايات”، إذ صنع محبو البيئة نجاحهم من خلال إعادة تدوير النفايات، كل في مجاله، وبطرق مبتكرة.
فعلى سبيل المثال، ابتكرت الفنانة التركية دينيز ساجديك فكرة عمل لوحات فنية من النفايات والأشياء المنتهية الصلاحية التي تلقى في القمامة، فشرعت في تنفيذها، وأنجزت عددا من الأعمال، والآن أصبحت اسما لافتا بهذا المجال في بلادها حيث توظف الفن لتوعية الناس بأهمية إعادة تدوير النفايات، وتحويل القبح إلى جمال.
أما مصممة المنتجات الصناعية عائشة يلماز، فطوّرت بدورها تقنية تمكنها من تحويل بعض الأغذية المنتهية الصلاحية مثل الأرز والعدس وبعض القشور إلى مواد جديدة تستخدم في البناء والتزيين، وباتت تتلقى طلبات من شركات كبيرة في مختلف دول العالم.
وتعزف فرقة “فونغ إسطنبول” ألحانا بآلات فريدة، صنعوها بأنفسهم من النفايات، إذ قادهم عشقهم للطبيعة لتأسيس هذا المشروع لتوجيه انتباه الناس نحو البيئة وأهمية حمايتها.
وفي أنقرة، تجمع بلدية إتيميسغوت الملابس التي يتخلص منها السكان في حاويات خاصة، حيث يعاد قسم منها إلى عجلة الإنتاج مجددا.
ما مشروع صفر نفايات التركي؟
وكانت تركيا أطلقت مشروع “صفر نفايات” في العام 2017 بمبادرة من أمينة أردوغان عقيلة الرئيس التركي، بهدف مكافحة تأثير النفايات والمخلفات في البيئة، وتغيير العادات الاستهلاكية للناس، والتعامل مع تلك النفايات من خلال إعادة تدويرها والاستفادة منها بعد فصلها حسب أصنافها من المنبع، وذلك بهدف تحقيق نسبة إعادة تدوير تصل 35% في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 60% عام 2030.
كما احتفلت تركيا والعالم لأول مرة باليوم العالمي لـ”صفر نفايات” يوم 30 مارس/آذار 2023 بموجب إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي ترافق مع موافقة منظمة الأمم المتحدة على قرار مشروع “صفر نفايات” الذي تقدمت به تركيا بشكل رئيسي رفقة 105 دول، في إطار خطط التنمية المستدامة ومكافحة التغير المناخي. وكان هذا الإعلان نتاج 5 سنوات منذ إطلاق تركيا المشروع لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول 2017 بمبادرة من أمينة أردوغان.
وألقت عقيلة الرئيس التركي الخطاب الرئيسي لفعالية اليوم العالمي لـ”صفر نفايات”، التي عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، متحدثة عن المبادرة التي أطلقتها تركيا. وقالت إن “مشروع صفر نفايات تحول إلى حركة عالمية، وإن تخصيص يوم دولي لهذا الملف خطوة محورية”.
وأكدت أن “التصنيع وضع الإنسان في دائرة مفرغة من فرط الاستهلاك، لنلقي نفاياتنا في الطبيعة بشكل لا تعقل فيه”.