المنصف المرزوقي للجزيرة نت: المشروع الصهيوني فشل وإسرائيل لن تفلت من العقاب

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

تونس- وصف رئيس المجلس العربي والرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي عدوان الاحتلال على غزة بمشروع إبادة جماعية، وقال -في حوار خاص للجزيرة نت- إنه -في حال تواصل- فالعالم مقدم على مئات المجازر خاصة وأن الديمقراطية باتت مهددة في أغلب الدول الكبرى بدعمهم غير المشروط للاحتلال الصهيوني.

وأضاف المرزوقي أن الحرب على غزة، على قدر بشاعتها، فإن لها مزايا على غرار فشل محاولة إنهاء القضية الفلسطينية ووضعها طي النسيان وإلغاء فكرة “إسرائيل موطن آمن لليهود” إضافة إلى عودة لحمة الشعوب العربية، “بل حتى إحياء نزعة الإنسانية في العديد من الشعوب الأخرى”.

وعن الحلول المرجوة لوقف إطلاق النار، قال المرزوقي إنه لا بد من عقد قمة عربية طارئة ويجب على الشوارع العربية ألا تفرغ من الاحتجاجات للضغط على الأنظمة حتى تستعمل كل الأوراق التي تملك للضغط على أصحاب القرار في العالم أجمع، وأكد أن التطبيع العربي هو نتيجة ضغط خارجي وأنه استسلام لا سلام.

وفيما يلي نص الحوار:

المنصف المرزوقي (يمين) التقى خالد مشعل في تونس عام 2014 (الأوروبية)
  • كحقوقي مناصر للقضايا العادلة، كيف يمكن توصيف وتصنيف الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة وفق القانون الدولي؟

دمّر القصف العنيف والوحشي ضدّ السكان المدنيين العزّل إلى حد الآن 1700 مبنى وبرج وعمارة سكنية، في حين ارتفع عدد الوحدات المهدّمة كليا لأكثر من 7000 وحدة سكنية، وتضرّر أكثر من 69 ألف وحدة بشكل جزئي منها قرابة 4600 وحدة لم تعد صالحة للسكن، عدا عن نزوح أكثر من نصف مليون مدني فلسطيني عن أماكن سكناهم.

إضافة إلى نحو 9 آلاف شهيد وأكثر من 22 ألف جريح نصفهم أطفال ونساء، وهذه مجرد بداية إذ يتحدثون عن حرب ستدوم أشهرا لوصول هدف اقتلاع حماس.

نحن أمام مشروع إبادة جماعية وفقا لنص المادة الثانية لاتفاقية منع جريمة الإبادة والمعاقبة عليها، ونص المواد 6 و7 و8 من نظام روما حول جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية.

من هذا المنظار، رفع المجلس العربي الذي أتشرف برئاسته مع 30 منظمة حقوقية دولية، شكوى بدولة إسرائيل أمام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (لاهاي -هولندا) يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعدد الشاكين يتزايد يوما بعد يوم ولن تترك كل هذه القوى الحقوقية القضية مهما طال الزمان، علما وأن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم أي أن الملاحقة القضائية للمجرمين ستتواصل إلى يوم مماتهم.

  • رغم سلسلة الجرائم الإسرائيلية على مدى 6 حروب في غزة وجرائم في الضفة، لماذا يعجز العالم ومنظماته الحقوقية عن محاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين الذي يتحملون مسؤولية هذه الجرائم في المحاكم الدولية؟

بعد الحرب العالمية الثانية انطلقت البشرية في عملية غير مسبوقة في تاريخها أي بناء عالم آمن للجميع تحكمه القيم والقوانين والمؤسسات المشتركة، ومن ثمة إنشاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن سنة 1945 ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية سنة 2002 وحزمة المواثيق الدولية المنبثقة عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948.

لا يجب الاستهانة بكل هذا الجهد الجبار الذي لولاه لكان العالم ربما اتخذ مسارا أخطر مما نعيش. لكن الثابت اليوم أن كل هذه المنظومة بحاجة لمراجعات جذرية وهي تفشل -سواء على صعيد الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو المحكمة الجنائية الدولية- في وقف مجزرة غزة ومجازر أخرى سابقة. وفي حال تواصل النظام العالمي القديم على ما هو عليه، فالعالم مقبل على مئات غزة لا قدر الله.

  • العدوان على غزة فضح المجتمع الدولي والدول التي ترفع شعارات حقوق الإنسان باتت اليوم تدين الضحية وتناصر المجرم علنا. في تقديركم، هل ادعاء الغرب بالدفاع عن حقوق الإنسان كاذب، أم أن المصالح السياسية تتقدم على المبادئ في هذه الحالة؟

بدل الحديث عن الغرب الأدقّ الحديث عن بعض الدول الغربية (إسبانيا مثلا ليس لها موقف ألمانيا). لقد خرج آلاف الأميركيين والأوروبيين مسيحيين ويهود للشوارع نصرة لغزة الشهيدة، ويجب أن لا نقع في الخطأ والخطيئة لبعض الغربيين، الذين يضعون جهلا وسوء نية، حماس وداعش والنهضة والإخوان والعدالة والتنمية في نفس السلة.

وبخصوص حقوق الإنسان، فاستعمالها انتقائي كما ظهر ذلك في أغلب دوائر الإعلام والسياسة في البلدان الغربية، ليس حجة على فكر حقوق الإنسان وإنما على المنافقين الذين لم يرتقوا لمصاف هذا الفكر.

شخصيا أفضل التركيز على نصف الكأس الملآن، فتظاهر الأتراك من باب الحميّة الدينية والعرب من باب الحميّة القومية شيء مثلج للصدر، لكن أن يتظاهر يهود ومسيحيون من أوروبا وأميركا دليل على قوة وتغلغل مفاهيم قيم تسعى لوضع الانتماء للإنسانية ككل فوق كل اعتبار ولا تقبل بازدواجية المعايير.

  • منذ العدوان على غزة لاحظنا قمعا كبيرا للمظاهرات في العديد من الدول الغربية “الديمقراطية” وكبحا واضحا لحق التعبير الذي يكفله قانون تلك الدول، ما تداعيات ذلك على الأوضاع الداخلية سياسيا واجتماعيا، خصوصا لدى جيل الشباب في الغرب؟

من تبعات الحرب على الشعب الفلسطيني والدعم الكامل له من بعض الدول الديمقراطية الكبرى، تزايد وضع الديمقراطية صعوبة في كل مكان وفي البلدان الغربية نفسها.

وقد رددنا للمسؤولين في هذه الحكومات أن دعمهم غير المشروط لدولة احتلال و”أبارتهايد” لا يزيد إلا في نفور أجيال من شبابنا من نظام يقارنونه بكم آليا خطأ، وأن دعمهم للأنظمة الاستبدادية العربية وموقفهم المخزي من الربيع العربي يزيد في عدم استقرار بلداننا وتزايد الهجرة لبلدانهم، وهذا هو المحرك الرئيسي لصعود اليمين المتطرف الذي سيدمر ديمقراطيتهم من الداخل كما فعل هتلر وموسوليني في ثلاثينيات القرن الماضي، هؤلاء الناس بصدد إطلاق الرصاص على أقدامهم ثم يتعجبون من النتيجة.

  • خرجت العديد من المظاهرات والمسيرات في العالم العربي والعالم لنصرة فلسطين، هل يخدم ذلك القضية بشكل ملموس بعودة القضية الفلسطينية على رأس الأجندة السياسية على المستوى العالمي؟ أم ستعود القضية الفلسطينية إلى الظل بعد انتهاء هذه الجولة من الصراع؟

الإيجابية الوحيدة التي أراها لهذه المأساة فشل محاولة إنهاء القضية الفلسطينية بالتجاهل والإنكار واعتبارها مسألة تجاوزها الزمن. ها قد عادت وستبقى القضية المركزية في الإقليم وقضية يتوقف على حلها السلام في العالم وليس فقط في المنطقة.

وهبّة الشعوب العربية التي حسبت من الماضي ومن الممكن تجاهلها بعد تعثر الربيع العربي، ها قد عادت فلسطين من جديد الرقم الصعب الذي لن يتحقق أي سلام على حسابها أو بتجاهلها.

تواصل الاحتجاجات في تونس وقوى مدنية تقاطع أنشطة منظمات دولية منحازة لإسرائيل
الاحتجاجات في تونس تطالب بوقف العدوان على غزة وتجرم التطبيع مع إسرائيل (الجزيرة)
  • كسياسي ورئيس دولة سابق كيف ترى العالم بعد الحرب على غزة، هل يمكن أن نرى تحالفات أو إعادة تشكل جديدة ومعلنة في المنطقة؟ وما ملامحها إن وجدت؟

إذا نظرت للوضع من وجهة التاريخ، أهم شيء فشل المشروع الصهيوني الذي بني على فكرة وطن آمن لليهود لا يوجد اليوم مكان أقل أمنا لليهود من إسرائيل سواء الذين يعيشون داخلها أو خارجها وجرائم الاحتلال اليوم في غزة هي التي تغذي اللاسامية في العالم.

كان بوسع الإسرائيليين اغتنام فرصة أوسلو التي كانت في صالحهم لقيام الدولتين ففلتوا هذه الفرصة التاريخية بجعل فكرة الدولتين مستحيلة التطبيق بالاستيطان. المأساة ألا أحد يتعظ من تجاربه وتجارب الآخرين.

للأسف في ظل الحكومة اليمينية الحالية، نحن مقدمون على حروب لا تتوقف وتهدد ليس فقط الإقليم وإنما السلام العالمي والمجانين لا يريدون شيئا بقدر تحويل هذه المأساة إلى حرب حضارات، هذا الفخ الذي يجب أن لا نسقط فيه أبدا.

العالم اليوم ليس مقسما بين ديانات وأعراق متحاربة وإنما بين قوى ديمقراطية إنسانية ومنفتحة على الآخرين وبين قوى فاشية يمينية عنصرية منغلقة على سرديتها وعلى أمراضها النفسية.

  • كحقوقي وسياسي، كيف ترى مآل الوضع في غزة في ظل معطيات قرابة شهر من المعارك وموازين القوى؟ وما السبل الأنجع لوقف الحرب في ظل مجتمع دولي يكيل بمكيالين، ومحيط عربي متخاذل؟

لا يوجد اليوم هدف أهم من وقف النار ووقف الوضع الرهيب لأهلنا تحت القصف المروع. لهذا على الشوارع العربية ألا تفرغ من الاحتجاجات للضغط على الأنظمة حتى تستعمل كل الأوراق التي تملك للضغط على أصحاب القرار في العالم أجمع، ولا بد من تكثيف جهود المجتمعات المدنية الغربية في نفس الاتجاه.

لا بد أيضا من قمة عربية طارئة يتحمل فيها الحكام مسؤوليتهم ويدافعون فيها عن شرفهم ولا بد من إحداث صندوق لإعادة إعمار “ستالينغراد العرب” (غزة) ورفع أبراجها مجددا لتناطح السحاب رمزا لمقاومة هذه المدينة الفذة.

ثمة ضرورة أخرى لوقف هذه المأساة، هي أنها تغطي رغما عنها عن مأساة أهلنا في إدلب والخرطوم. أقولها كديمقراطي حتى على ما يتعرض له الشعب الأوكراني الذي وقفنا معه فطعننا رئيسه في الظهر. سبحان الله من المنطق الأعرج، أنا مع تحرر شعبي لكن مع استعباد شعب آخر، أنا مع العنف الذي أمارس، لكن الذي ترد به علي دليل على أنك حيوان آدمي.

ما دمنا نواجه مثل هؤلاء البشر بمثل هذه القلوب المتحجرة والعقول المشروخة فلسنا بقريبين من نهاية النفق المظلم الذي نتخبط فيه حاليا.

  • رغم تعاقب الحكومات لم يمرر قانون تجريم التطبيع في تونس بعد وأُجّل النظر فيه مع البرلمان الحالي أيضا هذا الأسبوع، حسب رأيك لماذا كُتب لهذا القانون ألا يرى النور رغم الموقف الرسمي والشعبي الداعم لفلسطين؟

لا تستطيع عنتريات السلطة أن تخفي أن إرجاء القانون ناجم عن الضغط أو الخوف من القوى الخارجية التي فرضت بالترغيب والترهيب على الأنظمة العربية الأخرى ما تسميه التطبيع.

ما أظهرته المظاهرات الشعبية خاصة في مصر والأردن وهمٌ يبيعه مخادعون لمخدوعين وسراب يشتريه مخدوعون من مخادعين. رددت دوما أن التطبيع ليس الاسم الآخر للسلام وإنما الاسم الآخر للاستسلام والشعب الفلسطيني والشعوب العربية لن ترضى بالاستسلام. اتركهم يواصلون مضغ الريح. سيأتي يوم يكتشفون الطريق الصحيح للسلام وأن لا علاقة له بهذه المسخرة التي يسمونها التطبيع.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *