عمّان- وسط جمهور من النخبة وتحت شعار “الثقافة مقاومة” نظم بيت الثقافة والفنون 3 أمسيات شعرية بدأت السبت الماضي بمشاركة 4 شعراء هم أحمد أبو إسليم وعلي الفاعوري والدكتور حربي المصري والدكتور سعيد يعقوب، واختتمت بالعاصمة الأردنية مساء أمس الاثنين.
وتخلل الأمسيات معرض للكتاب نظمته دار خطوط ضم مؤلفات متنوعة عبرت في مجملها عن حالة الغضب وتغنّت بالصمود الأسطوري للمقاومة والتضحيات التي قدمها شعب لا يكره أحدا لكنه يحب وطنه وعلى استعداد لأن يفتديه، ويتطلع للحرية والحياة في منأى عن المحتل وحصاره.
وقد غلبت على ما يقرب من 10 قصائد اللهجة الخطابية الناقدة والجارحة في بعضها لواقع العرب الرسمي، لكنها تنسجم وما رددته حناجر المواطنين الذين تظاهروا في الميادين والمسيرات نحو الوطن الفلسطيني مطالبة بفتح الحدود، أو من تجمعوا أمام سفارات الدول التي دعمت القاتل وانتصرت له على حساب دماء الأبرياء في غزة.
وخلدت الأمسيات البطولة والثبات على الأرض مهما غلت التضحيات، وأكدت أن الوطن ليس قطعة غيار، في إشارة للتهجير أو ما يريده المحتل من نكبة جديدة للفلسطينيين.
غزة غيرت وجه العالم
وفي الأمسية التي عقدت مساء أمس تلا الشاعر أحمد أبو إسليم 5 قصائد نالت إعجاب الحضور، ومن عناوينها: “في الحياة” و”دمهم مطر” و”عبد الّله” و”صباح الدم إسرائيل”.
ومن قصيدة ” غزة ” نقتطف بتصرف:
في الموت طفل لم يجد قبرا يلم عظامه
رجل يفتش عن ملامح وجهه… بعض الثياب تقيأت
جسدا تعفر بالتراب وطفلة
نسي المؤذن صوته
عند الولادة في ثنايا أذنها
فتقافزت “الله أكبر” مع بقايا لحمها
وفي حديث للجزيرة نت قال أبو إسليم “غزة غيرت معالم الواقع في يوم واحد، ومن خلال القصيدة أحاول أن أرفع من قيمة المقاومة الفلسطينية في الوقت الذي تخلى العالم عنها وعن فلسطين”.
وحول دور المثقفين عقب عملية “طوفان الأقصى” -التي أطلقتها المقاومة ضد إسرائيل”- يرى أبو إسليم الذي لُقب بـ”شاعر القضية” في مسابقة “أمير الشعراء 2008” أنه على المثقف بالذات أن “ينتصر للمقاومة حتى لو كان يسير عكس التيار، وحتى لو كان الثمن خسارة بعض المصالح الذاتية، لأنه حين يغلب المصالح الذاتية على العامة، وهذا شأن الكثير من المثقفين، نجد أن الثقافة تفقد محتواها كمحرض للوعي ورافعة للواقع”.
الشعر رصاصة
أما الشاعر علي الفاعوري فألقى قصيدة جديدة تحمل الكثير من الإسقاطات السياسية بعنوان “غزة” وهي آخر قصيدة وطنية كتبها، ومنها:
أي شعر وغزة اليوم تحكي قصة المجد والعلا بالدماء
وحدها الآن والملايين نمل وغثاء يشي بطول غثاء
وحدها الآن والإذاعات بوق أرعن الصورة مختتن بالرغاء
أشرب الصبر من كؤوس المنايا.. نشرب الخمر في كؤوس ضباء
وننادي سيوف من ذبحونا وتمادوا منّا لذل النداء
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الفاعوري إنه حاول ما أسماه “تقشير الواقع السياسي” وأن يكون واقعيا في قراءة المشهد العربي تجاه ما تحصده آلة القتل الصهيونية في غزة.
وقال الفاعوري “على الشعر أن يخرج من خلف الستار ويقف مكشوف الوجه أمام كل هذا التخاذل العربي والعالمي.. وعلى الشعر أن يكون رصاصة قبل أن يكون كلمة تقال”.
فالبطل في مجمل القصائد هو النموذج الشعري، أكان مقاتلا يمتشق سلاحه أو مواطنا فقد عائلته أو بيته، وصبر وتحمّل قذائف الحقد، أو عاملا في الجهاز الطبي أو الدفاع المدني، كما جاء في قصيدة الدكتور سعيد يعقوب:
سلمت يمينك أيها البطل
يا من بها يستنبت لها الأمل
لولاك نار الصدر ما انطفأت
كلاّ ولا شفيت به الغلل
ستظل نورا خلف مشعله تمشي ولو طالت بنا السبل
وقال الشاعر الدكتور حربي المصري للجزيرة نت “إننا كمثقفين عرب علينا واجب دعم المقاومة باعتبارها النهج المثمر في مواجهة المشروع الصهيوني وإسنادها بالكلمة المقاتلة وتحريض جماهيرنا على الصمود مهما غلت التضحيات”.
وفي قصيدته التي القاها في أمسية السبت بعنوان “عودة جسّاس” نقتبس منها بتصرف:
جهّز سهامك قالت الأقواس
عار ويأتي بعده الجسّاس
وتعود بكر من خيام شتاتها
تمشي ويرشد ضعنهم نخّاس
قالوا تصالح ليس ثمة مخرج
وأغمد سيوفك ما لنا متراس
الصلح لا يجدي فجرّد كفنا
من كفهم فجميعهم أنجاس
والصلح لا يجدي ودمعة مسجد
تهمس وتعزف حزنها الأجراس
القدس خط فاصل قال الذي فيه
صفة الأقدار والأقداس
أدعو الجليلة كي تجيّش نخوة
للقدس يصنع نصرها الحراس
طوفان الأقصى
وعقب الأمسية قال الشاعر والتشكيلي محمد العامري للجزيرة نت إن حدث “طوفان الأقصى” استثنائي في تاريخ المقاومة الفلسطينية وما أنجزته خلال ساعات، وصمودها على الأرض رغم التضحيات يعتبر صادما للمحتل والعلوم العسكرية العربية والأجنبية.
وأضاف أن الحدث الكبير “أسقط فكرة الحضارة الغربية لكونها اتخذت موقفا مؤيدا للقاتل، ممّا قاد إلى رفع منسوب الكراهية لدى المواطن العربي تجاه الغرب والكيان المحتل، وتساوى الغرب الحضاري مع القاتل”.
وحول تقييمه لمدى تجاوب القصائد مع “طوفان الأقصى” رأى العامري أن الشاعر لم يكن منفصلا عن قضاياه المحورية والإنسانية، فقد ألقى الشاعر حربي المصري، وهو بالمناسبة مختص بالكيمياء، قصائد ترتقي بقدر كبير إلى نبض الشارع العربي، وهي ناقدة بشكل جارح للمواقف العربية الباهتة.
وحسب رؤيته فقد غلبت على قصائد أمسية السبت النبرة العالية، فـ”القصيدة الخطابية” هي ما يتناسب وطبيعة حناجر الجماهير العالمية أجمع والعربي خاصة.
المقاومة واسترداد الحقوق
وفي أمسية الأحد، قدم الشاعر الدكتور سعيد يعقوب 3 مقاطع من قصيدة “طوفان الأقصى” منها بتصرف:
سَلِمَتْ يَمِينُكَ أَيُّهَا البَطَلُ .. يَا مَنْ بِهَا يُسْتَنْبَتُ الأَمَلُ
لَوْلَاكَ نَارُ الصَّدْرِ مَا انْطَفَأَتْ .. كَلَّا وَلَا شُفِيَتْ بِهِ الغُلَلُ
وَشَغَلْتَ نَفْسَكَ بِالعُلَا هَدَفًا .. وَالنَّاسُ بِالَّلذَّاتِ تَنْشَغِلُ
سَتَظَلُّ نُورًا خَلْفَ مِشْعَلِهِ .. نَمْشِي وَلَوْ طَالَتْ بِنَا السُّبُلُ
مَهْمَا عَلَيْنَا أَجْلَبَ الأَعْدَاءُ .. وَتَغَطْرَسَ الأَنْذَالُ وَالعُمَلَاءُ
وَبَغَى عَلَيْنَا الظَّالِمُونَ وَحَشَّدُوا .. وَقَسَا المُصَابُ وَطَالَتِ الظَّلْمَاءُ
تَمْتَدُّ فِي قَلْبِ التُّرَابِ جُذُورُنَا .. وَلَنَا بِرَغْمِ الحَاقِدِينَ بَقَاءُ
وَجِبَاهُنَا رَايَاتُ عِزٍّ فِي المَدَى .. وَرُؤُوسُنا فَوْقَ السَّمَاءِ سَمَاءُ
بَاقُونَ رَغْمَ القَصْفِ وَالتَّدْمِيرِ .. بَاقُونَ رَغْمَ رَسَائِلِ التَّحْذِيرِ
وَشْمٌ عَلَى وَجْهِ الزَّمَانِ وُجُودُنَا .. بَاقٍ، بِرَغْمِ جَرَائِمِ التَّطْهِيرِ
هَذِي البِلَادُ بِهَا نَزِيدُ تَجَذُّرًا .. وَوُجُودُكُمْ فِيهَا بِغَيْرِ جُذُورِ
وَسَتَرْحَلُونَ وَقَدْ غَشَتْكُمْ ذِلَّةٌ .. مَعَ خِزْيِ عَاقِبَةٍ وَشَرِّ مَصِيرِ
هَذِيْ الجَرَائِمُ لَمْ يَسْمَعْ بِهَا البَشَرُ .. وَلَا المَغُولُ بِهَا جَاؤُوا وَلَا التَّتَرُ
هَذِيْ الجَرَائِمُ لَمْ تَسْمَعْ بِهَا أُذُنٌ .. وَلَا رَأَى عُشْرَهَا مَهْمَا رَأَى بَصَرُ
هَذِيْ الجَرَائِمُ لَا الحَيْوَانُ قَارَفَهَا .. وَلَا الشَّيَاطِينُ لَوْ هَمُّوا بِهَا قَدِرُوا
رُدُّوا عَلَيْهِمْ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ .. وَعَاقِبُوهُمْ وَلَا تُبْقُوا وَلَا تَذَرُوا
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الشاعر سعيد يعقوب إن قصائده تضمنت مجموعة من الرسائل الموجهة لأبناء الأمة عموما، أولاها التأشير على حجم الدمار الهائل الذي ارتكبته قوات الاحتلال بقصفها الممنهج لتدمير معالم الحياة في قطاع غزة في حرب إبادة وتطهير عرقي، والثانية التوعية بضرورة إسناد المقاومة وأهل غزة بأسباب المنعة والقوة والثبات.
وتضمنت الرسالة الثالثة التحذير من الخطر القادم والداهم من العدو الذي يستفرد اليوم بغزة، وسينتقل إلى أدوار أخرى للقضاء على أمتنا العربية والحضارة الإسلامية، وهناك رسالة موجهة للمقاومة تمجد البطولة وتدعم الصمود، وتشد على أيدي المقاومين لمواصلة تحدي آلة الدمار الإسرائيلي باعتبارها الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق المشروعة.
وقال الدكتور يعقوب إنه كتب ديوانا كاملا بعنوان “غزة تنتصر” عقب عدوان 2014 بحكم أن الشاعر “زرقاء اليمامة” في مجتمعه يرى بعيون القلب حسب وصفه، لكنه استدرك بالقول إنه يؤمن أن الحق لا يمكن استرجاعه إلا بالمقاومة، واعتمادها خيارا وحلا وحيدا من أجل التحرر من الاحتلال، ولا بد من دفع ثمن باهظ، فنحن ندافع عن أرضنا وعرضنا وديننا وهويتنا العربية الإسلامية”.
قصائد تحرق الصمت والضعف
وعن مدى تعبير قصائد 3 أمسيات شعرية عن تطلعات الأهل في فلسطين المحتلة، قال الشاعر مظهر عاصف الذي حضر الأمسية “لقد عبرت إلى حد كبير، ولكن الوجع الممتد من المحيط إلى الخليج يجعل من غير الممكن لألف شاعر كالمتنبي أن يعبروا عن نقطة دم واحدة أريقت، والوجع هو كما قال الراحل نزار قباني (لا يستطيع أن يعبر عن فمي إلا فمي)”.
وأضاف -في حديث للجزيرة نت- أن الذي يعبر عن الوجع “هو الذي يصدره طفل أخرجوه من بين الأنقاض شهيدا أو جريحا أو ناجيا إلى حين، كما الوجوه التي ترى فيها آثار الحياة والموت، هو صوت الانفجارات والنيران، صوت الهدوء الذي يسبق الموت، الفرحة التي يصبّر الناس أنفسهم بها عند أي خبر عابر عن انتصار واحد، ولو كان بسيطا على شكل كلمة أو جملة أو عبارة وردت على لسان أحد المقاومين أو المتجذرين في أرضهم”.
ويرى أننا “نجتر الحزن منذ 75 عاما” وأن “الوجع العربي أكان متعلقا بقضيتنا الأولى فلسطين أو بقضايا الأوطان العربية الجريحة كسوريا وليبيا واليمن والسودان، يدفعنا دوما إلى إراقة الحبر على الورق تماشيا مع إراقة دم الأبرياء والمظلومين على الأرض”.
وقال أيضا إن الشعر ترجمة لكل ما يجري حولنا “لكنه عندما يتعلق بقضية فلسطين فإنه يأخذك نحو التحريض على المقاومة ورفض المحتل وإظهار العداء لكل من يبرر جرائم هذا الكيان الغاصب، ولن تجد في القصيدة الحقيقية دعوة للتسامح والتعايش أو أسئلة عن سبب العداء، فهي قصيدة واضحة المعالم تعرفها بعينها منذ أول السطر، وتظهر لك طرفي المعادلة: صاحب الأرض ومغتصبها”.
ويواصل مظهر عاصف بالقول “كانت القصيدة على الورق أشبه بالجمر الذي يحرق الصمت والضعف الذي يسكننا.. كانت تسير على صفيح ساخن نحو أمل يتعلق بالجميع ويتمناه الجميع بمن فيهم من لم يقرأ بيتا واحدا من الشعر” ويضيف “هذه الأحداث لم تفجر إبداع الشاعر بل فجّرت الشاعر نفسه من الحزن”.