رام الله- منذ انطلاق معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ومع استمرار الهجوم الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة، تتجه الأنظار إلى الضفة الغربية على المستويين الرسمي والشعبي باعتبارها نقطة اشتعال محتملة، وبأي شكل وإلى أي درجة تتفاعل وتتضامن مع غزة.
وألقى الانقسام السياسي المستمر منذ 2007، ومعه اختلاف البرنامج السياسي بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير غزة، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) المتحكمة بمفاصل الحياة بالضفة، بظلاله على شكل ومستوى تفاعل الضفة مع القطاع، حيث تحركت جهات إقليمية ودولية لدى السلطة الفلسطينية لمنع اشتعال الضفة.
مع تجاوز المعارك أسبوعها الثالث، تجيب الجزيرة نت عن مجموعة أسئلة عن وضع الضفة وما شهدته من أحداث خلال الفترة الماضية.
كيف تفاعل المستوى الرسمي الفلسطيني مع العدوان على غزة؟
في اليوم الأول للعدوان ترأس الرئيس الفلسطيني محمود عباس اجتماعا للقيادة الفلسطينية، أكد فيه “حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال”.
ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف التحركات السياسية، بهدف وقف العدوان والمطالبة بتوفير ممرات آمنة للمدنيين وللمساعدات الإنسانية، مع التأكيد على رفض “تهجير أبناء الشعب الفلسطيني من غزة والضفة والقدس”.
وهنا يقول حسن خريشة -السياسي الفلسطيني ونائب رئيس المجلس التشريعي سابقا- إن دور القيادة الفلسطينية ليس هو الذي تتطلبه المرحلة، مضيفا أن سياسيي الضفة “فقدوا قدرتهم على التأثير، ودورهم لم يعد قائما”.
يأخذ خريشة على قادة الضفة أنهم لم يخرجوا للدفاع عن غزة أو ليتحدثوا إيجابا عن المقاومة في وسائل الإعلام، سوى بكلمات عابرة وعامة “لم يصدر دعم حقيقي لأهلنا في غزة، أو التعبير عن دعم المقاومة والمقاومين واعتبار 7 أكتوبر حدثا ونصرا تاريخيا ويوما مفصليا في حياة الشعب الفلسطيني”.
وقال إن أقل ما تستطيع السلطة فعله “خطوات حقيقية لصيانة حق شعبنا في المقاومة أهمها وقف الاتصالات مع الاحتلال بشكل جدي وحقيقي، كون الاحتلال لم يعد يخيف أحدا”.
وأضاف أن الاتصالات الخارجية للسلطة “تبدو هامشية، العالم ينظر لهؤلاء (قادة السلطة) باعتبار أن المرحلة قد تجاوزتهم، هم عزلوا أنفسهم بأنفسهم، والمقاومة عزلتهم أيضا”.
كيف تعامل الاحتلال مع الضفة في ظل العدوان؟
منذ اليوم الأول للعدوان بدأ جيش الاحتلال سلسلة إجراءات ترتكز على العقوبات الجماعية بينها نشر وتكثيف الحواجز العسكرية وإغلاق البوابات الموضوعة مسبقا على مداخل المدن والقرى والتجمعات الفلسطينية، مع إبقاء منفذ واحد أحيانا، ونشر المزيد من القوات على نقاط التماس، وفي المراكز العسكرية.
وعلى مدى الأيام اللاحقة للسابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، شن الاحتلال حملات اعتقال واسعة تجاوز عددهم حتى صبيحة الثلاثاء 1720 معتقلا، غالبيتهم العظمى من حركة حماس، وعلى رأسهم رئيس المجلس التشريعي المحلول عزيز الدويك ونواب وآخرون من الصحفيين والمؤثرين.
ما الذي تغير في تعامل الجيش الإسرائيلي في الضفة؟
أصبح الجيش أكثر عنفا من أي وقت مضى مع تخفيف قيود إطلاق الرصاص الذي أسفر عن شهداء لمجرد السير بمركباتهم كالمعتاد في شوارع خارج مدنهم، كما حصل مع 4 فلسطينيين في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قتلهم الجيش خلال سيرهم بمركبتهم في شارع رئيسي خارج طولكرم.
ووفق شهادات نشرتها الجزيرة نت في تقارير سابقة، لوحظ تزايد عنف الجنود بشكل واضح خلال عمليات الاعتقال وعلى الحواجز، حيث تعرض المعتقلون للضرب الشديد وتكسير العظام، واستشهد أسيران “اغتيالا” وفق تسمية نادي الأسير الفلسطيني، فضلا عن تحطيم محتويات منازل المعتقلين وممتلكاتهم وتخريبها وتهديد أصحابها بالقتل، كما تكرر اعتقال أقارب المستهدفين بالاعتقال وأمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم إلى حين تسليم أنفسهم.
وخلال الاعتقال صرح ضباط من المخابرات الإسرائيلية لعدد من المعتقلين أنهم معتقلون دون تهمة، سوى الرد على عملية حماس في قطاع غزة، وبالفعل حول المئات منهم للاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة.
كيف تفاعل الشارع مع الدعوات للتحرك في الضفة؟
تحولت نقاط الاحتكاك في أغلب محافظات الضفة الغربية إلى نقاط مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، ولوحظ استخدام الرصاص الحي بكثافة أكثر من أي وقت مضى، وسجل استشهاد 122 فلسطينيا وإصابة أكثر من 2000 حتى مساء الاثنين.
كانت الأجواء أكثر سخونة شمالي الضفة حيث جرت اشتباكات مسلحة خلال اقتحامات جيش الاحتلال لمخيمي جنين وطولكرم، إضافة إلى عمليات إطلاق نار ضد أهداف إسرائيلية تبنتها كتيبة جنين.
ومنذ اليوم الأول لم تتوقف الفعاليات الشعبية والمسيرات والوقفات التضامنية مع غزة في مراكز المدن وأمام مقرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مع انتهاء بعضها بمواجهات مع الاحتلال عند نقاط التماس.
وهنا يرى خريشة أن الشارع فعل ما يستطيع فعله، مضيفا أن من رسائل المقاومة التي وصلت للفدائيين الجدد أن هناك قوة في غزة تقف معهم وتسندهم.
وأشار إلى “دور رائع وجيد شمالي الضفة، إضافة إلى حراك الشارع العفوي وخروج مظاهرات والالتحام مع قوات الاحتلال في نقاط التماس”.
مع ذلك يضيف أنه لو توفر غطاء سياسي من قبل السلطة لكانت هذه التحركات أكبر بكثير، مشيرا إلى إغلاق الجامعات وتحويل الطلبة للدراسة عن بعد في محاولة “لإحباط الشارع كي لا يخرج ضد الاحتلال”.
ماذا فعل المستوطنون بالضفة؟
تزايدت بشكل ملحوظ اعتداءات المستوطنين في الضفة بالتزامن مع العدوان على غزة، فمن جهة وزعت عليهم الحكومة الإسرائيلية مزيدا من الأسلحة، ومن جهة ثانية يتم التغاضي عن أفعالهم ويحظون بالحماية.
ومنذ بدء العدوان قتل المستوطنون 8 فلسطينيين شمالي الضفة، ونفذوا عشرات الاعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم، مما أدى إلى تهجير عشرات العائلات من تجمعات قريبة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية منها 30 عائلة من تجمعات “زَنُوتا” و”عنيزان” و”سوسيا” جنوبي الخليل في اليومين الماضيين.
كما لاحظ مواطنون فلسطينيون، وفق توثيق منظمة بتسيلم الإسرائيلية، مداهمة المستوطنين للتجمعات الفلسطينية بزي الجيش وتهديدهم إذا بقوا في مواقعهم.
أين تقف الأجهزة الأمنية الفلسطينية من العدوان؟
تفاوتت ردود فعل الأجهزة الأمنية بين المحافظات من السماح بالمسيرات إلى اعتراضها وتفريقها كما حصل في مدينة رام الله، حين هاجمت مسيرة تضامن مع غزة، وقتلت المواطن محمود أبو لبن في 17 أكتوبر/تشرين أول الجاري، والذي أعلنت المؤسسة الأمنية في بيان تحملها “المسؤولية عن الحادث المؤسف”.
ووفق توثيق منظمة “محامون لأجل العدالة” جرى اعتقال ما يزيد على 50 شخصا في محافظة رام الله وحدها في 17 أكتوبر/تشرين الأول، وهو ذات اليوم الذي قصف فيه الاحتلال المستشفى المعمداني في غزة مخلفا مئات الشهداء والجرحى.
لم ينف الناطق باسم الأجهزة الأمنية طلال الدويكات وجود اعتقالات، لكنه قال إن العدد لا يتجاوز 15.
لماذا تغيب العمليات الكبيرة وإلى أين تتجه الضفة؟
يرى محللون أن الضفة الغربية جبهة ساخنة على الدوام، لكنها مكشوفة للاحتلال نتيجة السيطرة العسكرية وبسبب سنوات طويلة من الاعتقالات والملاحقة من قبل السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال.
مع ذلك يقول الباحث السياسي أحمد أبو الهيجا إن وضع الضفة الغربية “معقد بحيث أنه لا يمكن ضمان بقاء الوضع الحالي أو الحكم باعتباره خذلانا لغزة”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت “هناك حالة شعبية متعاطفة جدا وتعطش لبناء حالة مقاومة، لكن الإشكالية أن بنية المقاومة ضعيفة ومضروبة ومنهكة من قبل الاحتلال أصلا من خلال العمل الموضعي الاستباقي باستهداف بنية حماس تحديدا، والتشكيليات المحتملة ومن يشتبه بعلاقته بالمقاومة”.
وأشار أيضا إلى موقف السلطة الفلسطينية “غير المعنية بوجود أي حالة تؤدي إلى عمل يؤثر على وجودها، فهي لا تسمح بأبعد من الأعمال التقليدية كالمواجهات أثناء دخول المدن، ومن ثم المحافظة على الوضع القائم مع استمرار التنسيق مع الاحتلال”.
وتابع أن الضفة حاولت وتحاول، وأثبتت السنوات الأخيرة أنه ليس بالضرورة أن تعمل بشكل تنظيمي منظم “إنما قد تعمل من خلال الإيهام والإيحاء والتقليد، وبالتالي انهيار الوضع القائم وحالة الهدوء من خلال أعمال فردية في أي وقت”.
وأشار إلى محاولات عديدة في الأسابيع الأخيرة لتنفيذ عمليات، لكن “اليقظة الإسرائيلية العالية وقلة الخبرة لدى الأفراد والمجموعات حالت دون التنفيذ”.
ووفق الكاتب الفلسطيني، فإن تطورات الأسابيع القادمة مرهونة بطريقة تعامل الاحتلال مع الضفة “أي سلوك إجرامي من المستوطنين أو ضغط أو تعنيف أو ممارسات عنصرية أو سلوك غير محسوب، قد يخرج الوضع عن السيطرة”.
يخلص أبو الهيجا إلى وصف جبهة الضفة بأنها “مترددة وحذرة ومترقبة وفرص اشتعالها تكون أكبر إذا دخلت جبهة الشمال (لبنان) في الحرب، لأن ذلك يعزز الثقة بالنفس، ويوحي بأن الأمر ليس جولة في غزة وتنتهي أبعد من ذلك كما في جولات سابقة”.