مع استمرار القصف الإسرائيلي على غزة، أدى انقطاع الإنترنت والاتصالات لدفع سكان القطاع المحاصر للتفكير بخيارات بديلة للتواصل مع العالم الخارجي، ومنها مطالبة الملياردير الأميركي، إيلون ماسك بتوفير خدمة ستارلينك، التي تعمل عبر الأقمار الاصطناعية.
وردّ ماسك على دعوات تزويد قطاع غزة بشبكة ستارلينك قائلا عبر حسابه في منصة “أكس”، السبت، إنه سيتم تقديم خدمات الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية لمنظمات الأمم المتحدة وغيرها من جهات الإغاثة المعترف بها دوليا في قطاع غزة.
وعلى الرغم من ذلك، يستبعد المستشار والخبير في التكنولوجيا والأمن السيبراني، عبد النور سامي، نجاح هذه الخطوة معتبرا أن ذلك “يحتاج إلى تجهيز مسبق وبنية تحتية خاصة”.
ولم تعلق إسرائيل، حتى تاريخ نشر هذا التقرير، على تصريح ماسك.
ويشير عبد النور إلى “وجود بعض الهواتف التي تعمل عبر الأقمار الاصطناعية، مثل هاتف الثريا، ولكنه مكلف جدا وربما غير متوفر”.
وهنا، يوضح الخبير التكنولوجي، أن “شبكة ستار لينك التي أتاحها ماسك لأوكرانيا، يصعب انتشارها في غزة، لأنها تتطلب أجهزة ومعدات خاصة غير متوفرة في القطاع”.
ويقدم الرئيس التنفيذي لشركة تسلا خدمة ستارلينك لأوكرانيا، منذ أواخر فبراير 2022، بعد أيام فقط من شن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، غزوه على كييف والذي صاحبه هجوم إلكتروني أدى إلى تضرر شبكة الإنترنت في البلاد.
وكان قد جرى تسليم حوالي 15 ألف مجموعة من معدات ستارلينك إلى أوكرانيا، تشمل طبقا دائريا أو مستطيلا بحجم حقيبة يد ومن خلاله يتم الاتصال بأقمار ستارلينك مما يوفر خدمة إنترنت Wi-Fi على مدى مساحة واسعة.
ومساء الجمعة، تحدثت سلطات غزة عن انقطاع كامل للاتصالات والإنترنت في القطاع، فيما لم تعلن إسرائيل ذلك.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” أن القنوات التلفزيونية المحلية التي تنقل تطورات الأحداث انتقلت إلى “الاعتماد على الأقمار الاصطناعية لنقل الصورة والتواصل مع مراسليها، في ظل توقف الاتصالات العادية أو المعتمدة على الإنترنت”.
وأعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية عن “انقطاع كامل لخدمات الاتصالات والإنترنت مع قطاع غزة”، حسب الوكالة.
وأعلنت شركة “نت بلوكس” التي تراقب الإنترنت في مختلف دول العالم، بأن بيانات الشبكة تظهر انهيار الاتصالات في قطاع غزة.
وقالت شركة “جوال” الفلسطينية إن خدمات الهاتف المحمول والإنترنت في قطاع غزة انقطعت بصورة كاملة بسبب القصف الشديد.
وقال دوج مادوري، مدير تحليل الإنترنت في “Kentik”، إن استعادة سكان غزة الاتصال بالإنترنت “قد يستغرق أياما، إن لم يكن أطول من ذلك”.
“الإنترنت الفضائي” وتحدياته
وعادة ما تكون الدولة هي “المصدر الأساسي” للإنترنت بحيث تقوم شركات الاتصالات ومزودو الخدمات بالحصول عليه عن طريق الخطوط الأساسية الواصلة للمنافذ الحكومية عبر الكوابل الدولية، وفق ما يقول الخبير في الأمن السيبراني والتحول الرقمي، رولان أبي نجم، في تقرير سابق لموقع “الحرة”.
ويوضح الخبير أن بعض الدول عادة ما يكون لديها القدرة على وضع نوع من “الرقابة والتحكم” بالإنترنت لجميع المستخدمين بصرف النظر عن مزود الخدمة.
ويضيف أبي نجم أن الوضع مختلف في حالة “الإنترنت الفضائي”، إذ أنها تصل من شبكة الإنترنت العالمية بشكل مباشر للمستخدم عبر الأقمار الاصطناعية من دون أي تدخل حكومي.
وصفي الصفدي، خبير اقتصادي متخصص في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يشرح في التقرير نفسه كيفية عمل الإنترنت الفضائي من الناحية الفنية، والذي يتكون من خمسة مكونات أساسية:
– المحطة الأرضية، والتي تعمل كنقطة وصل بين القمر الاصطناعي وشبكة الاتصالات الأرضية.
– القمر الاصطناعي، وهي معدات اتصالات تطلق للفضاء تدور ضمن مدار منخفض حول الأرض، تتضمن أجهزة إرسال واستقبال وأنظمة معالجة تستقبل الإشارات من المحطة الأرضية وتضخمها وتعيد إرسالها تجاه الأرض.
– الهوائيات أو “الصحون اللاقطة”، وهي الأجهزة التي تستقبل الترددات والإشارات من القمر وتنقلها للأجهزة الطرفية التي تشكل نقطة وصول الإنترنت للمستخدم.
– الأجهزة الطرفية، أو ما يعرف بأجهزة “المودم” أو “الراوتر”، وهي التي تقوم باستقبال الترددات التي تصل إلى “الصحن اللاقط” وتقوم بتشفير وفك تشفير المعلومات والإشارات التي يستقبلها أو يرسلها.
– الترددات، حيث تستخدم أنظمة الإنترنت الفضائي “نطاقات ترددات محددة للإشارات المرسلة وأخرى للمستقبلة” والتي عادة ما يتم تحديدها من قبل الهيئات التنظيمة لمنع التداخل مع أنظمة الاتصالات والترددات الأخرى.
ويوضح الصفدي أن خدمات الإنترنت التي توفرها الأقمار الاصطناعية تعتبر ضمن “الإنترنت عريض النطاق” والذي يقدم بسعات وسرعات عالية، مشيرا إلى أنه يوفر منفذا هاما لتوفير الإنترنت في المناطق “النائية أو البعيدة ذات التضاريس الصعبة”.
وعن أبرز التحديات التي تواجه هذا النوع من الإنترنت، يقول الصفدي التالي:
– القيود التنظيمية، إذ قد تفرض الحكومات لوائح صارمة على الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، بما يجعل من ترخيص استخدامها مستحيلا، وباستخدامها هذا سيشكل تحديا لسلطة الدولة.
– قيود البنية التحتية، إذ يتطلب إنشاء بنية تحتية قوية للإنترنت عريض النطاق عبر الأقمار الاصطناعية استثمارات وقدرات تقنية كبيرة، ولهذا قد تكافح بعض المناطق النائية على وجه الخصوص لمواكبة هذه التقنية بسبب الافتقار للدعم الفني وعدم توفر القدرة المالية.
– حدود النطاق الترددي والسعة، غالبا ما تعاني اتصالات الإنترنت الفضائي من عرض نطاق ترددي محدود وزمن انتقال مرتفع مقارنة بالتوصيلات الأرضية، ورغم إحراز تقدم بالسرعات إلا أن هناك عوامل لا تزال تؤثر على جودة الخدمة.
– مخاوف الأمن والمراقبة، إذ قد يتسبب شعور بعض الأنظمة بالقلق بشأن استخدام الإنترنت الفضائي “في أنشطة غير مصرح بها أو تراها غير قانونية” وهو ما قد يفرض تدابير تدقيق ومراقبة وملاحقة للمستخدمين.
ما هي ستارلينك؟
ستارلينك هو اسم شبكة الأقمار الاصطناعية التي طورتها شركة رحلات الفضاء الخاصة المملوكة لماسك “سبيس أكس” لتوفير إنترنت منخفض التكلفة إلى المواقع البعيدة، وتم الإعلان عن الاقتراح في يناير 2015، وفقا لموقع “سبيس فلايت ناو”.
وبداية من يوليو 2023، كان هناك 4519 قمرا اصطناعيا من ستارلينك في المدار، منها 4487 قمرا قيد التشغيل، وفقا لموقع “سبيس”.
وتأمل شركة “سبيس أكس” في النهاية الوصول إلى حوالي 42000 قمر اصطناعي، بحسب الموقع.
وتعمل ستارلينك عبر مجموعة أجهزة تشمل طبقا لاستقبال إشارة للأقمار الاصطناعية، وجهاز توجيه WiFi ومصدر طاقة، وكابلات وقاعدة.
صُممت قاعدة ستارلينك للتثبيت على مستوى سطح الأرض، وطبق ستارلينك ذاتي التوجيه، يتصل بسرعة طالما أنه موجه للسماء.
وبمجرد إعداد الجهاز، يمكن الاتصال بشبكة ستارلينك واستخدام تطبيق الشركة لإدارة الخدمة، وفق الموقع.
ما خيارات سكان غزة الأخرى للتواصل؟
وعن الخيارات والبدائل الأخرى أمام سكان غزة للتواصل مع العالم الخارجي فهي شبه معدومة بحسب خبراء.
وفي هذا الشأن يقول عبد النور في حديثه لموقع “الحرة” إنه “للأسف لا يوجد أي خيار سوى الإنترنت الذي يعمل عبر الأقمار الاصطناعية، وهذا غير متوفر في غزة”.
ويكرر القول إن “الاتصال بالإنترنت عبر الأقمار يحتاج إلى أجهزة خاصة لالتقاط الإشارة، مثل تلك التي توفرها شركة ستارلينك”.
وتشكل خدمة ستاريلنك التابعة لشركة “سبيس أكس” التي يمتلكها ماسك غالبية الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض مع أكثر من 4000 منها في مدار الأرض المنخفض.
وحاليا أصبحت ستارلينك هي الطريقة الأبرز للوصول إلى الإنترنت في مناطق الحرب والمناطق النائية والأماكن التي ضربتها الكوارث الطبيعية.
كيف يتم قطع الإنترنت؟
وبالعودة إلى انقطاع الاتصالات في القطاع، يوضح، عبد النور سامي، أن هناك عدة طرق يمكن استخدامها لقطع الإنترنت.
وقال إن “الطريقة الأولى تتمثل بالعمليات العسكرية مثل تدمير أبراج الإرسال والبنى التحتية الرقمية”.
وفي الحالة الثانية “فإن إمدادات الإنترنت تأتي من إسرائيل، وبالتالي يمكن لمزودي خدمة الإنترنت قطع الاتصال بالشبكة”.
وأوضح عبد النور أن الطريقة الثالثة تتمثل بـ”حجب إرسال وإشارات (تشويش) الأبراج المتواجدة على حدود القطاع”.
من جانبه، يؤكد الخبير التكنولوجي، عمر سامي، أن “مزودي خدمة الإنترنت قادرون على قطعها”، مشيرا إلى أن “الإنترنت يصل إلى الدول بشكل رئيسي من خلال كابلات (وصلات) بحرية، ولها نقطة دخول في كل دولة، ومن ثم يتم التوزيع عبر شبكات داخلية”.
ويقول في حديثه لموقع “الحرة” إن “غزة تأخذ الإنترنت من إسرائيل، ومزود الخدمة يقوم بتوصيلها وتوزيعها عبر شركة بالتل في القطاع”.
ويشير إلى أنه “بالتأكيد مع الضرب العنيف الذي تعرضت له غزة، فإن البنية التحتية للاتصالات أصيبت بشكل جسيم”.
في المقابل، حاول موقع “الحرة” في اتصال مع وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي الحصول على رد بشأن قطع الاتصالات والإنترنت، إلا أنها رفضت التعليق على ذلك.
وبدأت إسرائيل بقصف غزة، وفرضت حصارا مطبقا يشمل قطع الماء والكهرباء ومنع دخول الأغذية والأدوية، بعد هجوم حماس على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية للقطاع في 7 أكتوبر، الذي تسبب بمقتل 1400 شخص، معظمهم مدنيون، بينهم نساء وأطفال، بالإضافة إلى اختطاف نحو 200 آخرين.
وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحركة حماس التي تسيطر على غزة، السبت، ارتفاع عدد القتلى إلى 7703 أشخاص، من بينهم أكثر من 3500 طفل حتى الآن.