أشرف العشماوي الفائز بجائزة كتارا: أشعر بالعجز أمام جرائم الحرب والمهمشون أبطال رواياتي

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 12 دقيقة للقراءة

قال الروائي والقاضي المصري أشرف العشماوي، الفائز بجائزة كتارا هذا العام عن روايته “الجمعية السرية للمواطنين”، إنه ألغى كل احتفال بمناسبة فوزه بالجائزة.

وأضاف أنه “لا يصح أن نفرح في مصر أو أي بلد آخر وهناك جنازة في كل بيت، وجريح على كل شبر من أرض غزة”، وقال “نحن متضامنون مع حق فلسطين في التحرر ونيل حقها في الاستقلال”.

الروائي أشرف العشماوي عمل وكيلا للنائب العام، ثم قاضيا، ومساعدا لوزير العدالة الانتقالية، وكان المسؤول عن استرداد آثار مصر المهربة والمسروقة من الخارج.

وعلى الرغم من عمره القصير في الكتابة، فإن له 10 روايات وكتابا استقصائيا، وفاز بـ4 جوائز، وتعد كتبه من الأكثر مبيعا في مصر.

التقته الجزيرة نت في بيته بمنطقة العجوزة بمحافظة الجيزة، وكان لنا معه هذا اللقاء، وهو يتابع أحداث غزة على شاشة الجزيرة لحظة بلحظة.

  • ما شعوركم وما تقييمكم لما يجري على أرض فلسطين؟

بصفتي كاتبا أقول إن ما يحدث في غزة عار على العرب والإنسانية كلها، وبصفتي قاضيا أؤكد أن ما أراه لا يخرج عن كونه جرائم حرب تقوم بها إسرائيل في غياب ضمير غربي عالمي عما يحدث في نقطة صغيرة على خريطة العالم.

أشعر بالعجز وأنا لا أملك حتى مد يد العون والمساعدة لهؤلاء الذين أظلمت أضواء الضمير العالمي عليهم، وتركوهم هدفا للكراهية والقتل والطرد والتدمير.

وأشعر بقلة الحيلة تجاه الأشقاء في غزة، وغير مقتنع بما يفعله البعض من تغيير شعار صفحاتهم على فيسبوك برفع علم فلسطين أو أشعار محمود درويش وسميح القاسم، أو رسومات ناجي العلي.

هل هذا ما سيحرر فلسطين؟ لا بد من تغيير أفكارنا من أجل حل متجاوز، لو أستطيع المساعدة، نعم أستطيع، ولكن كيف والمساعدات الدولية عجز القائمون عليها عن إدخالها، ولهذا أشعر بثقل الحمل وأنني أتحمل فوق طاقتي ويتملكني الأرق، ولا يزورني النوم إلا قليلا.

أرى أننا نعيش في عالم عبثي جدا، منذ أن قصف مستشفى المعمداني في غزة، وأنا لا أستوعب ما جرى، عاجز عن تخيل أن أكون أنا أو ابني أو أي طفل في مستشفى، ثم يتم قصفه وهو مريض أو مصاب في المستشفى، لا أستوعب شكل جرائم الحرب التي تقع دون حساب

وأرى أننا نعيش في عالم عبثي جدا، منذ أن قصف مستشفى المعمداني في غزة، وأنا لا أستوعب ما جرى، عاجز عن تخيل أن أكون أنا أو ابني أو أي طفل في مستشفى، ثم يتم قصفه وهو مريض أو مصاب في المستشفى، لا أستوعب شكل جرائم الحرب التي تقع دون حساب، وكيف أصدق السياسة الدولية عندما تخاطبني عن ممارسات لأي دولة حول حقوق الإنسان، أصدق من؟ وأكذب من؟ أرى أننا نعيش مسرحية عبثية ليس إلا!

  • في الحرب العالمية الثانية وقعت مجزرة بقرية إسبانية راح ضحيتها 1600 شخص، استوحى بيكاسو منها لوحة جورنيكا الشهيرة، والآن كل يوم تقع مجزرة جديدة بغزة، ما الفرق بين الحادثتين، وهل مات الضمير العالمي عما يجري في غزة؟

في الحقيقة لا أرى فرقا بين الجريمتين إلا أن وسائل الإعلام أصبحت أكثر انتشارا، وأعداد البشر باتت أكثر، والنكبات ما زالت تتكرر، ولكن الفرق أنها تتم بالصوت والصورة.

وما قرأناه وسمعناه عن زمن النكبة عام 1948 نراه الآن مجسدا أمامنا على الشاشات، لقد تكلس الضمير الإنساني للحكومات الغربية وتم تغييبه بالرغم من وضوح الحقائق أمام العيون، وهذا يؤكد لنا نبوءة جورج أورويل فيما كتبه في روايتي “1984” و”مزرعة الحيوان”.

لهذا أشعر بالحزن والعجز والخذلان وأنا أشاهد بقايا أذرع وأرجل وأصابع صغيرة لأطفال وأعضاء وأشلاء بشرية ممزقة في غزة، وكلها تتم برعاية أميركية فرنسية بريطانية عالمية، وكلهم ينطبق عليهم تهمة مجرمي الحرب لكون كل منهم شريكا في المساعدة، شريكا في التحريض، شريكا لأنه يقف على مسرح الجريمة يؤازر المجرم ويقويه ويقول له كمل جريمتك أنا في ظهرك.

نعيش في عالم فقد إنسانيته، وماذا سيتبقى لك بعد أن تفقد إنسانيتك؟ لقد سقطت ورقة التوت الأخيرة، ومن لا يرى الملك عاريا فهو إما منافق أو منتفع من دماء البشر

نعيش عالم فقد إنسانيته، وماذا سيتبقى لك بعد أن تفقد إنسانيتك؟ لقد سقطت ورقة التوت الأخيرة، ومن لا يرى الملك عاريا فهو إما منافق أو منتفع من دماء البشر.

  • في مقدمة الرواية التي فازت بجائزة كتارا تقول “الذين لا تتوقع منهم أي شيء، هم القادرون على إدهاشنا” أرى أن هذه الجملة المكثفة هي المفتاح والشفرة لكل ما يجري في الرواية؟

فكرة الرواية تدور حول معنى بسيط للغاية، وهو أن كل شخص ممن تقابلهم كل صباح في الشارع وفي الحياة، وراء كل واحد منهم قصة تحتاج لمن يرفع عنها الستار ويحكيها، كل واحد منهم يقاوم الزيف الذي يخيّم على حياته بزيف آخر، كل شخصية تعمل في مهنة ليست مهنتها الأساسية.

من شخصيات الرواية “زيد الساكت”، الكناس الذي تواجهه كل صباح ينظف الشارع، تحول إلى شاهد زور في المحاكم، ولكنه مع ذلك عنده فلسفة أنه يشهد فقط في قضايا الأحوال الشخصية من أجل الأطفال أو الزوج أو الزوجة، ولكن عنده لاءات ثلاث، ألا يشهد في قضايا سرقة أو تطرف أو قتل.

كل شخص ممن تقابلهم كل صباح في الشارع وفي الحياة، وراء كل واحد منهم قصة تحتاج لمن يرفع عنها الستار ويحكيها، كل واحد منهم يقاوم الزيف الذي يخيم على حياته بزيف آخر

الشخصية الثانية فتحي السِّماوي، مهنته هي قتل الكلاب عن طريق السم، ولهذا اكتسب لقب السِّماوي، هذا الرجل تصرف له كمية كبيرة من اللحم ليضع فيها السم لقتل الكلاب، بينما ابنه لا يجد ما يأكله، فكان يأخذ اللحوم لأولاده ولا يسمم الكلاب، بل يذبحها ويبيعها للمطاعم.

والثالث هو الفنان التشكيلي، (مزور لوحات في الأصل)، كون الثلاثة جمعية لطباعة وتزييف النقود، وبالنقود المزورة يبنون مستوصفات ومدارس ومشغلا للبنات، والحكومة تعلم جيدا بنشاطهم ومشروعاتهم، ويذهب المحافظ لافتتاح المشروعات، وتسرق الحكومة المنح التي تأتيها من الاتحاد الأوروبي وتوزعها مكافآت للموظفين، وتقول للممولين إننا أنشأنا بالمنح هذه المشروعات.

المجتمع كله موصوم بالزيف، من المواطنين إلى الحكومة إلى المسؤولين الكبار، وأنا أحاول أن أرفع القشرة التي يحاول المجتمع أن يتجمل بها، الكل يزور ويزيف.

  • هل تقوم برسم شخصياتك وتحديدها على الورق، أو أنك تكتب من خلال فكرة أو موقف؟

أنا لا أبدأ في كتابة الرواية إلا إذا رأيت البداية والنهاية وجميع فصول الرواية، وكأنها مسلسل أو فيلم كامل لدرجة أنني عندما أنام ليلا، وأنا على سريري، أرى سقف الحجرة شاشة، تمر عليها شخصيات وأحداث الرواية مجسدة برسمها ووصفها، وهي تتحرك وتركب السيارة وتتكلم، وأبقى متشبعا بالعمل تماما، ولا أكتب حرفا إلا ومشهد النهاية مجسد أمامي.

لا أعرف أن أكتب بالترتيب، أحيانا أكتب النهاية أولا، وأما مفتتح الرواية فأتركه لأي وقت في الكتابة، قد يكون آخر ما أكتبه، وقد يحدث أن يعجبني فصل في وسط الرواية أبدأ به العمل وأعمل له “فلاش باك”

هناك نقطة أخرى تتعلق بي شخصيا ككاتب، وهي أنني لا أعرف أن أكتب بالترتيب، أحيانا أكتب النهاية أولا، وأما مفتتح الرواية فأتركه لأي وقت في الكتابة، قد يكون آخر ما أكتبه، وقد يحدث أن يعجبني فصل في وسط الرواية فأبدا به العمل وأعمل له “فلاش باك”.

ومفتتح الرواية قد يأخذ مني جهدا مضاعفا، ولهذا أتركه لوقته أو لآخر الكتابة، لأن في المفتتح سر أسرار الرواية، ومنها قد ينطلق القارئ أسير الصفحات، وقد تكون البداية سببا في نفوره للأبد.

12 - الروائي أشرف العشماوي يحمل شعار وصك جائزة كتارا للرواية المنشورة_
  • وأنت ترسم شخصياتك، ألم يحدث مرة أن تمردت عليك الشخصيات، ورفضت الانصياع لك، وأرادت أن تسير في اتجاه آخر، ربما لم تقصده؟

كثيرا ما فاجأتني تمردات شخصياتي، كل شخصيات رواية “الجمعية السرية للمواطنين”، وأما بطل رواية “تذكرة وحيدة للقاهرة” النوبي واسمه عجيبة سر الختم، فقد أرهقني عامين كاملين، وفي وقت من الأوقات تخلصت منه وقتلته، لكي أتخلص من ملاحقته.

كان يطاردني في أحلامي بصورة مستفزة، وكان يأتيني في الحلم من خلال المشاهد، فأعدته للحياة مرة أخرى، ولهذا كانت هذه الرواية من أطول رواياتي، واقتربت صفحاتها من 500، وتعدت كلماتها 88 ألف كلمة، وكانت مراوغات بطل الرواية هي السبب، هو يشعر بالظلم، وأنا شعوري تجاهه أنني خلقته مهمشا مظلوما في كل مراحل حياته.

هو مطحون طوال الوقت، أرهقني وأتعبني كثيرا لأني كنت أتحدث بصوته، ولهذا استخدمت في الحوار بعض الكلمات المكتوبة باللغة النوبية، وهذا تطلب مني أنني عايشت أهل النوبة ولازمتهم في معيشهم أسبوعين كاملين لكي أتشبع بالشخصية.

  • اشتغلت في نيابة أمن الدولة، كيف وازنت بين متطلبات الوظيفة ورؤيتك لتحقيق العدالة؟

حقيقة نيابة أمن الدولة أخذت قسطا من الظلم لا تستحقه، لأن أمن الدولة مرتبط بالحريات، ومباحث أمن الدولة مقترنة بالتعذيب، وبالطبع النيابة نالها من الكره جانب.

ولكن الشخص هو الذي يضع المعايير، لو عندك مفاهيم العدل، وأن المتهم له حقوق، يجلس أثناء التحقيق بحضور محاميه، يتمكن من رؤية أسرته، يقدر على قول ما يريد أو لا يتكلم من الأساس، ويعامل بإنسانية، كمحقق أتبع البراءة قبل الإدانة كالقاضي تماما، وهذا ما كنت أفعله وأنا في النيابة، ولا أظن أنني ظلمت أحدا.

  • لكل كاتب طيف وظل في أعماله، أي رواياتك توجد فيها شخصية أشرف العشماوي أكثر من غيرها؟

أكثر الروايات تحمل شخصيتي، “بيت القبطية “، حيث بطلها وكيل نيابة موجود في قرية متخيلة في قلب الصعيد اسمها “الطايعة “، ومعناها ضائعة إلى الأبد، والبطل وكيل نيابة يبحث عن العدل في التسعينيات، وهي فترة كان العدل فيها غائبا تماما، أعتقد أنها كانت الأقرب لشخصيتي في هذا الوقت.

“أبيع وهما في حكاية”

“صالة أورفانيللي” من الروايات النوعية والجديدة في موضوعها، فيها شخصيات يميزها التفرد، حيث المزادات والبيع والشراء، في صورة أقرب للحياة، حيث إن الدنيا ليست إلا مزادا كبيرا.

انطلقت بعد ذلك من الفكرة لمعرفة المزادات في مصر وتاريخها ومن هم أبطالها، وجدت أن المزادات بدأت سنة 1900 مع اليهود المصريين حتى 1956، وكان لا بد أن أبحث عن أناس عملوا في الصالات وعايشوا هذه الفترة ولا يزالون على قيد الحياة، وجدت 3 أشخاص، اثنان منهم قبلوا بالكلام معي والثالث رفض.

وتوفرت عندي تفاصيل، كيف أخدع الشخص الذي دخل عندي في الصالة؟ وكيف أعرف أنه زبون، وكيف أعرض عليه القطعة موضوع البيع وأوهمه أنها غالية جدا، وهي في الأصل قطعة غالية، فكانت التيمة عند الطرفين محورها الحكاية.

مثلا، أنت تشتري هذا التليفون، وهنا الفن، والحكاية والخيال متوفران لدى العامل في الصالة، أقول للمشتري، التليفون كان ملكا لأنور السادات، ولما كان جالسا مع بيغين في كامب ديفيد أعجب بيغين بالتليفون، فأعطاه السادات هدية، ولما مات بيغين باعه ورثته وانتقل من مزاد لمزاد حتى رسا علينا هنا في هذه الصالة.

المهم أنت تشتري التليفون بناء على الحكاية، وليس مهما هنا وصفه ولا شكله ولا إمكانياته، أنت هنا تشتري الحكاية، وتأخذه وتضعه في بيتك، وكل من يزورك تحكي له الحكاية.

هكذا يكون المزاد والإشاعة والكذبة، وكلما كانت الكذبة كبيرة يصدقها الناس، وكلما كانت غنية بالتفاصيل، تكون درجة تصديقها أكبر، وأنا اشتغلت في الرواية على هذا الأساس.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *