تحسبا لأي حرب محتملة.. استعدادات لوجستية في جنوب لبنان

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

جنوب لبنان-  حركة نزوح كثيفة شهدتها البلدات والقرى في جنوب لبنان، خاصة تلك المحاذية للحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. فمع اشتداد المعارك الدائرة بين المقاومة والجيش الإسرائيلي، وقصف الأخير العديد من القرى وتهديده حياة السكان، اضطر الأهالي إلى الخروج من بلداتهم نحو القرى الداخلية، حفاظا على سلامتهم.

ولم يكن أمر النزوح عشوائيا هذه المرة، بل كان مخططا له منذ سنوات طويلة، لأن لبنان لم ينس بعد أجواء حرب تموز 2006 مع إسرائيل، عندما وقع حينها نوع من الارتباك في عملية الإخلاء والإيواء، ولأجل ذلك عملت البلديات واتحاداتها على تأسيس وحدة إدارة الكوارث لأوضاع مشابهة.

وكان اتحاد بلديات قضاء صور قد أسس عام 2010 هذه الوحدة للتصدي للأزمات والكوارث، وها هي اليوم تجتمع في غرفة العمليات التي تعمل ليلا ونهارا في مقر الاتحاد، لتتابع أوضاع النازحين من كثب، ففتحت مراكز إيواء أمام النازحين، وقدّمت لهم كل ما يحتاجونه من غذاء ودواء.

 

طرقات البلدات الحدودية اللبنانية الفلسطينية المحتلة خالية تماما من المارّة (الجزيرة)

تضامن شعبي

وفتحت البيوت في البلدات والقرى الداخلية في قضاء صور أبوابها أمام الأهالي، واستقبلتهم منذ اليوم الأول للمواجهات في القرى الحدودية، ما يعكس حجم التضامن والتكاتف الشعبي بين اللبنانيين.

وأكد نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور حسن حمود -للجزيرة نت-، أن النازحين بين أهلهم وشعبهم، وأنهم ضيوف معززون ومكرّمون، وتتابع وحدة الكوارث أوضاعهم لحظة بلحظة داخل مراكز الإيواء في مدينة صور، أو في البلدات المستضيفة لهم.

ويوجد في كل قرية مندوب يسمى بـ”المستجيب الأول” الذي يتولى بالتعاون مع البلديات تسجيل أسماء النازحين الواصلين للبلدة، ويزود غرفة العمليات بها، والتي بدورها تدخل أسماءهم ومعلوماتهم في سجلاتها، لتكون على اطلاع دائم بكل ما يجري معهم داخل المراكز، أو في البيوت التي تستضيفهم.

ويضيف حمود أن الاتحاد يؤمن حاجيات النازحين عبر المساعدات التي تقدمها الجمعيات الدولية والمحلية والوزارات المختصّة والمجالس التنمويّة والخيّرون في لبنان. كما يتم تأمين وجبات الطعام ووسائل التنظيف والتعقيم وغيرها من المستلزمات اليومية، ويسعى الاتحاد لتأمين حاجيات النازحين في بيوت المواطنين للتخفيف من أعباء العائلات المستضيفة.

ويلفت المتحدث إلى أن وحدة إدارة الكوارث مؤلّفة من الفاعلين كلهم في الخدمة الاجتماعية من دفاع مدني وإسعاف صحي وإطفاء وجمعيات ناشطة في الإنقاذ ومستشفيات ومراكز صحية، فضلا عن الجيش اللبناني والقوى الأمنية.

وقال “كل هؤلاء هم أعضاء هذه الوحدة، ونحن نقسم العمل بين إنقاذ وإخلاء وإيواء وإطفاء، كل يتحرك وفق مهمته وعمله وخبرته وبالتنسيق بين الأعضاء جميعهم”.

نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور: الاتحاد يؤمن حاجيات النازحين عبر المساعدات التي تقدمها الجمعيات الدولية والمحلية والوزارات المختصّة والمجالس التنمويّة في لبنان
نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور: الاتحاد يؤمن حاجات النازحين عبر مساعدات الجمعيات الدولية والمحلية (الجزيرة)

المشهد داخل مراكز الإيواء

انتقلت الجزيرة نت إلى أحد مراكز الإيواء في المدينة، وهو عبارة عن مدرسة رسمية جرى تجهيزها لاستقبال النازحين، أصبحت صفوف المدرسة غرفا للإيواء، وأروقتها مكانا يتجمع فيه الأهالي لتبادل آخر الأخبار والمستجدات، أما الملعب فيلهو فيه الأطفال.

يجول معنا أحد المتطوعين من أبناء المدينة داخل المركز، فهو قد حضر منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهات على الحدود، حيث يعمل مع عشرات المتطوعين بموجب الخطة التي وضعتها هيئة إدارة الكوارث، وجرى تجهيز الصفوف بكل الوسائل الضرورية لتأمين سكن الأهالي بشكل لائق.

ويؤكد المتطوع أنه تدرب سابقا مع وحدة إدارة الكوارث لمثل هذه الأحداث، ويقول “نحن لم نبدأ العمل عشوائيا، وإنما وفق ما خططت له الوحدة منذ سنوات، فبعد حرب 2006 بدأت تترسخ لدينا فكرة أننا معرضون لخطر دائم من قبل العدو الإسرائيلي”.

ويوصي المتحدث ذاته بضرورة الاستعداد للتعاطي مع أي عدوان إسرائيلي، لذلك خضع مع متطوعين آخرين لدورات تدريبية عديدة مع الوحدة، وهم اليوم يعملون وفق توجيهاتها تسير أمورهم بشكل سلس، وفق تعبيره.

زهراء طحيني من بلدة عيتا الشعب الحدودية وصلت مع عائلتها المكونة من 11 شخصا قبل نحو أسبوع إلى مركز الإيواء، حيث كان المتطوعون في استقبالهم، وأمّنوا لهم غرفة في المدرسة للمكوث فيها، فبعد اشتداد القصف على بلدتها رأت العائلة ضرورة للخروج منها حفاظا على أرواح أبنائها وفق ما أكدت زهراء، والتي شددت على أن إسرائيل تستهدف كل شيء، لذلك كان الأولى الخروج من البلدة.

‎⁨جوزيف كلاكش (يمين) من راميا وعامر أبو ساري (يسار) من الضهيرة، نزحا من بلدتيهما جراء القصف الإسرائيلي⁩.JPG
‎⁨جوزيف كلاكش (يمين) من راميا وعامر أبو ساري من الضهيرة، نزحا من بلدتيهما جراء القصف الإسرائيلي (الجزيرة)

قنابل فسفورية

الضهيرة البلدة الجنوبية التي اشتهرت خلال الأحداث الأخيرة باحتدام القصف فيها، خرج أبناؤها إلى مراكز الإيواء في صور، وأكد عامر أبو ساري أحد النازحين منها، أن أهالي البلدة مكثوا في بيوتهم طوال الأيام الأربعة الأولى من الأحداث الساخنة.

وأضاف أبو ساري أن ما أجبر أهالي الضهيرة على الخروج هو قصف إسرائيل بالقنابل الفوسفورية الحارقة التي تسببت بحالات اختناق لهم، ووصف الحالة الإسرائيلية بالجنونية خاصة بعد تلقيها الضربات من المقاومة.

وكان 9 من أشقاء “أبو ساري” قد استشهدوا عام 1956 في قصف الجيش الإسرائيلي منزلهم في الضهيرة، ولم يتبق له إلا أخ واحد اسمه عثمان، ولأجل ذلك يخشى تكرار السيناريو نفسه مع أسرته.

وأكد جوزيف كلاكش من بلدة راميا الحدودية -للجزيرة نت- أن القصف الإسرائيلي على بلدته كان هستيريا، مما دفع أهالي بلدته إلى الخروج إلى مراكز إيواء النازحين في صور، شاكرا أهالي المدينة والمنظمين على حسن استقبالهم وتأمينهم كل احتياجاتهم.

مدرسة مدينة صور تحولت إلى مركز إيواء للنازحين من القرى الحدودية (الجزيرة)
‎ النازحون ينشرون ثيابهم المغسولة في ملعب إحدى المدارس التي تحولت إلى مركز للإيواء⁩ (الجزيرة)

متابعة الحياة

ولم يعرقل النزوح إلى المدرسة الحياة التعليمية فيها، فأُبقيت بعض الصفوف مفتوحة أمام تلامذتها، والتحق أبناء النازحين بها ليتابعوا المنهج الدراسي، وفق ما أكدت إحدى النازحات (فضلت عدم ذكر اسمها) من بلدة بيت ليف-قضاء بنت جبيل.

وأكدت النازحة نفسها، التي انخرط 3 من أحفادها في صفوف الدراسة، أن الحرب ينبغي ألا تمنع الأطفال من استكمال تعليمهم، “فهذا أمر واجب كحفظ النفس”، وفق تعبيرها.

وكلما طال أمد الاشتباكات زادت معه نسبة النزوح، مما يجعل الجهات الرسمية والمنظمات الدولية أمام وضع يستلزم مد يد العون لوحدات الكوارث الموجودة في المحافظات اللبنانية، كي تتمكن من الاستمرار في تقديم الخدمات للنازحين، خصوصا مع معاناة المواطن اللبناني من ضائقة اقتصادية خانقة غير مسبوقة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *