الأنهار الساخنة.. هل تعوق حرب غزة جهود تبريدها؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

إشعاع الموجات القصيرة المكثف خلال الفترات الحارة والجافة يمكن أن يكون العامل الأكبر لارتفاع درجات حرارة مياه النهر، هذا بالإضافة إلى انخفاض مستويات المياه وأحجامها، وبطء سرعات التدفق.

تركت تغيرات المناخ بصمتها المدمرة على الطقس والزراعة والبيئة، وتحذر دراسة بريطانية جديدة بقيادة جامعة برمنغهام، بالتعاون مع جامعة نوتنغهام، والمديرية البحرية التابعة للحكومة الأسكتلندية، من امتداد تلك التأثيرات إلى الأنهار، وهو ما يضع تحديا جديدا أمام قادة العالم الذين سيجتمعون في الإمارات نهاية الشهر المقبل في قمة المناخ “كوب 28”.

وتكشف الدراسة الجديدة، المنشورة في دورية “هيدرولوجيكال بروسيس”، أنه مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب بسبب تغير المناخ، يصبح الجفاف أكثر تواترا وشدة، وهو ما يؤدي  إلى تسخين الأنهار، ويخلق تحديات كبيرة، رصدتها الدراسة قبل أسابيع من القمة المنتظرة، التي ستعقد على وقع توتر “جيوسياسي” غير مسبوق، فجرته الحرب الدائرة في قطاع غزة.

ثلاث آليات أساسية

وتعد درجة حرارة الماء عنصر تحكم حيوي لجميع العمليات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية في الأنهار، وهذا مهم بشكل خاص للكائنات الحية التي لا تستطيع تنظيم درجة حرارة جسمها، مثل الأسماك، كما تعتبر ضرورية لصحة الإنسان والاستخدامات الصناعية والمنزلية والترفيهية للناس.

وحدد العلماء 3 آليات أساسية تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة مياه الأنهار أثناء فترات الجفاف، وهي الخلل في ميزانية الطاقة، أي الخلل في التوازن بين ما تتلقاه الأنهار من حرارة، وما تفقده مرة أخرى في الفضاء الخارجي، وتأثيرات الموائل المادية (التظليل وأشكال قنوات النهر التي تتحكم في تدفق المياه)، ومساهمات مصادر المياه المختلفة، حيث تميل المياه الجوفية إلى تبريد الأنهار في الصيف.

وتسلط الدراسة الضوء على أن إشعاع الموجات القصيرة المكثف خلال الفترات الحارة والجافة، من المرجح أن يكون العامل الأكبر لارتفاع درجات حرارة مياه النهر، هذا بالإضافة إلى انخفاض مستويات المياه وأحجامها، وبطء سرعات التدفق، وهو ما يؤدي إلى تسخين المياه بسرعة أكبر.

ويقول ديفيد هانا، أستاذ الهيدرولوجيا بجامعة برمنغهام في تقرير نشره الموقع الرسمي للجامعة “تتزامن ظروف الجفاف غالبا مع ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي، وستصبح هذه الاتجاهات أكثر كثافة وتكرارا مع تغير المناخ، مع ما يترتب على ذلك من آثار كبيرة على درجات حرارة مياه الأنهار بسبب مزيج من الإشعاع الشمسي المكثف وانخفاض تدفقات المياه”.

ومع ذلك، يؤكد هانا على أن “بعض التدخلات الإدارية مثل الزراعة على ضفاف الأنهار، ومبادرات استعادة  هذه الأنهار، بما في ذلك إعادة إنشاء أشكال القنوات الطبيعية وإعادة توصيل المياه الجوفية، يمكن أن تساعد في تعويض درجات الحرارة المرتفعة أثناء فترات الجفاف إذا كانت التدخلات مستهدفة بشكل جيد”.

خبراء يأملون أن تنجح قمة المناخ "كوب 28" في وضع حد لمشكلة "الأنهار الساخنة"

المطلوب من كوب 28

ويأمل كيران خميس، الباحث بكلية الجغرافيا وعلوم الأرض والبيئة بجامعة برمنغهام، والباحث المشارك بالدراسة، أن تجد مثل هذه القضايا الحاسمة مكانا في قمة المناخ.

ويوضح في تصريحات خاصة بالبريد الإلكتروني للجزيرة نت أن “الدراسة تساعد على وضع نموذج أفضل لديناميات درجة حرارة مياه الأنهار أثناء فترات الجفاف، وهو ما يضع تصورا واضحا أمام واضعي السياسات خلال القمة لكيفية إدارة الظواهر الحرارية المتطرفة من خلال إستراتيجيات التخفيف والتكيف، بما يساعد على تبريد الأنهار”.

وتهتم قمم المناخ بقضايا “التخفيف” و”التكيف”، بالإضافة  إلى تعويضات “الخسائر والأضرار”، حيث تعني الأولى بالإجراءات للحد من حجم أو معدل الاحتباس الحراري وآثاره عن طريق قرارت تتعلق بتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة البشرية وزيادة سعة مصارف الكربون، على سبيل المثال من خلال إعادة التحريج، بينما تعنى في ملف التكيف، بالتغيير في السياسات والسلوكيات بهدف المرونة مع آثار تغير المناخ التي حدثت بالفعل أو متوقع حدوثها.

ويكون ملف الخسائر والأضرار معنيا بالتعويضات التي تدفعها الدول الغنية للدول الفقيرة التي تضررت من تغيرات المناخ، رغم عدم مساهمتها في حدوثها.

ويقول كيران خميس إنه من الضروري “تسليط الضوء خلال القمة على الإستراتيجيات الناجحة في التخفيف والتكيف للتعامل مع مشكلة سخونة الأنهار، التي كان بعضها مدفوعا بحافز اقتصادي قوي، كما في الحالة الأسكتلندية”.

وتمتلك أسكتلندا شبكة لمراقبة درجة حرارة النهر، وتعطي الشبكة الأولوية لزراعة الأشجار لتظليل الأنهار، حيث تعتبر درجة حرارة النهر عنصر تحكم مهم في صحة مجموعات الأسماك، لاسيما مصايد السلمون، التي تعد جزءا مهما من الاقتصاد، كما يوضح خميس.

تأثير حرب غزة

ما يأمله خميس، قد يصطدم بوضع “جيوسياسي” متوتر نتيجة حرب غزة، قد يؤثر على مخرجات قمة المناخ بالإمارات، ويقول خميس “ليس هناك شك في أن مثل هذه النزاعات ستؤثر على قدرة الأمم وإرادة الدول على التحول إلى الاقتصاد الأخضر”

ويضيف “لكن ما أخشاه أنه مع استمرار نمو عدد السكان في العالم، فقد نتحرك خارج منطقة التشغيل الآمنة للعمليات الطبيعية للأرض، وبالتالي ورغم تلك التوترات، فإن الوقت الحالي هو الأفصل لاتخاذ قرارات حاسمة، وأتمنى ألا يستخدم قادة العالم الوضع الجيوسياسي الحالي كمبرر للتقاعس، حيث لم يعد لدينا وقت نضيعه”.

ما يتمناه خميس يرى مجدي علام، الأمين العام لإتحاد خبراء البيئة العرب، أن عدم تحقيقه هو الأقرب، ويقول في تصريحات هاتفية للجزيرة نت “رغم أهمية المشكلة وتأثيراتها، إلا أن قمم المناخ دائما ما تتأثر بالسياسة، وظهر ذلك في قمة كوب 27 بمدينة شرم الشيخ المصرية، وسيصبح أكثر وضوحا في قمة كوب 28 بالإمارات”.

ويوضح أن “الحرب الأوكرانية الروسية، وما ترتب عليها من اضطراب في أسواق الطاقة العالمية، حالت دون إقرار التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في كوب 27، وسيكون الوضع أكثر صعوبة في كوب 28، حيث من المتوقع أن تحدث تلك الحرب تأثيرات أقوى وأشد على سوق الطاقة”.

ويضيف أن “الانقسام العالمي الذي جسدته مواقف دول العالم من الحرب، سينعكس أيضا على قمة المناخ، لذلك ليس من المتوقع تحقيق ما ينتظره بعض خبراء البيئة منها”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *