واشنطن- لم يكن قرار البيت الأبيض قيام الرئيس جو بايدن بزيارة إسرائيل والأردن مفاجئا لمراقبين كثيرين يدركون أن الأزمة الحالية ربما توفر معها فرصا سياسية على أصعدة عدة يجب اغتنامها.
وفي تطور مفاجئ، تم إلغاء زيارة بايدن للأردن بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الأردنية إلغاء القمة الرباعية التي كانت مقررة اليوم الأربعاء في عمان بمشاركة الرئيس بايدن والرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس، إضافة إلى ملك الأردن عبد الله الثاني وذلك بعد القصف الإسرائيلي الذي استهدف المستشفى المعمداني في غزة.
ولم يغير البيت الأبيض موقفه الداعم للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي أكده بايدن في مناسبات عديدة منذ اللحظة الأولى لعملية “طوفان الأقصى”، وذلك رغم التذكير الخجول لإسرائيل بضرورة الحد من الخسائر في صفوف المدنيين.
وتشير تقارير إلى مقتل 30 أميركيا في هجمات حماس يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفقدان 13 آخرين يُرجّح أنهم بين الرهائن المحتجزين لدى الحركة.
وقال الدبلوماسي السابق وخبير الشؤون الدولية ولفغانغ بوستزتاي، للجزيرة نت، إن “حرب غزة هي بالنسبة للولايات المتحدة تطور بالغ الأهمية، فمن النادر جدا أن يتدخل رئيس أميركي شخصيا في الأزمات بهذه الصورة”.
أهداف
وأوضح آدم شابيرو مسؤول الملف الفلسطيني الإسرائيلي بمنظمة “الديمقراطية للعالم العربي الآن” -للجزيرة نت- أن لدى بايدن 3 أهداف هي:
- إظهار مزيد من الدعم الأميركي لإسرائيل “كما لو كان ذلك ضروريا”.
- إظهار قلقه لعائلات المواطنين الأميركيين “الذين قُتلوا أو احتجزوا كرهائن خاصة”.
- الضغط على القيادة الإسرائيلية بشأن مخاوف واشنطن من شن أي عمل عسكري آخر وعواقبه طويلة المدى على كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وبدرجة أقل، على الفلسطينيين.
ورغم أن زيارة بايدن لإسرائيل تأتي “في لحظة حرجة لإسرائيل وللمنطقة وللعالم، ولإعادة تأكيد تضامن الولايات المتحدة معها والتزامها القوي بأمنها”، كما ذكر وزير الخارجية أنتوني بلينكن، فإن رحلته تعد في هذا التوقيت محفوفة بالمخاطر.
كما تعد بمثابة عرض دراماتيكي لدعم حليف كبير لواشنطن، بينما تحمل أخطار الفشل في حال رفض حلفاؤها العرب الطرح الأميركي للتعامل مع الأزمة.
ورجّح شابيرو “أن يكون للزيارة تأثير رمزي فقط، بما يدل على مدى ضآلة فهم حكومة الولايات المتحدة للوضع على الأرض ومدى مساهمتها في بؤس الفلسطينيين أولا وقبل كل شيء، وفي تكرار جولات الصراع المتكررة”.
إشارة قوية
وأشار بوستزتاي إلى أن بايدن ينوي إظهار الدعم للحملة العسكرية الإسرائيلية البرية المتوقعة ضد حماس، واعتبر أن الزيارة إشارة قوية تجاه أي جهة تفكر في التدخل من الخارج، مثل حزب الله اللبناني وسوريا وإيران على وجه الخصوص.
وأمر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، حاملة طائرات إضافية “يو إس إس دوايت أيزنهاور” بالإبحار إلى شرق البحر المتوسط لتنضم لحاملة الطائرات “جيرالد فورد” التي وصلت قبل أيام. وجهز الجيش الأميركي حوالي 2000 جندي لأي تدخل محتمل لدعم إسرائيل.
وأفاد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، يوم الأحد، بأن الإدارة منخرطة في “دبلوماسية القنوات الخلفية” مع طهران لإرسال الرسالة نفسها التي كانت تنقلها علنا حول عدم تصعيد الأزمة أكثر.
وخلف الكواليس، يناقش بايدن وفريقه الاحتمالات المختلفة في حالة تصاعد الأزمة، وقال سوليفان “لا يمكننا استبعاد أن تختار إيران الانخراط بشكل مباشر بطريقة ما، علينا أن نستعد لكل حالة طوارئ محتملة”.
خيارات
من ناحية أخرى، سيركز جزء من زيارة بايدن إلى إسرائيل على الحصول على مزيد من المعلومات حول الرهائن حتى تتمكن واشنطن من “تطوير خيارات سياسية”، وفق تصريح سوليفان.
وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط السفير ديفيد ماك، والذي سبق له العمل في قنصلية بلاده بالقدس -للجزيرة نت- إن بايدن يهدف بالأساس “للتوصل لاتفاقيات بين إسرائيل ومصر تسمح لجميع المواطنين الأميركيين وغيرهم من الأجانب المحاصرين في غزة بمغادرة القطاع، مع السماح بدخول الغذاء والدواء والإمدادات الإنسانية الأخرى التي غزة في أمس الحاجة لها”.
وتجري واشنطن محادثات مع مصر وإسرائيل منذ عدة أيام للتوصل إلى اتفاق بشأن إعادة فتح معبر رفح الحدودي مؤقتا. وصرح وزير الخارجية الأميركي بلينكن بأن بلاده وإسرائيل “اتفقتا على وضع خطة تمكن المساعدات الإنسانية من الدول المانحة والمنظمات متعددة الأطراف من الوصول إلى المدنيين في غزة”.
وأضاف أن بايدن خلال الرحلة “سيسمع من إسرائيل كيف ستدير عملياتها بطريقة تقلل من الخسائر في صفوف المدنيين وتمكن من تدفق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة بطريقة لا تفيد حماس”.
ضغط
ويضغط المسؤولون الأميركيون على نظرائهم في مصر لإنشاء ممر إنساني يسمح للمدنيين -بمن فيهم مئات المواطنين الأميركيين- بالخروج إلى سيناء. لكن تلك الجهود لم تثمر بعد عن أي ترتيبات في هذا الاتجاه رغم تعهد بلينكن خلال زيارته للقاهرة بأن “رفح ستكون مفتوحة”.
واعتبر السفير ماك أن “الضغط على حماس لإجراء مفاوضات تؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن مقابل إنهاء الإجراءات العسكرية الإسرائيلية التي تسبب معاناة لأكثر من مليوني مدني فلسطيني في غزة، إضافة للهجمات على فلسطينيي الضفة الغربية”، سيكون بمثابة نجاح لجهود بايدن.
وأوضح بوستزتاي أن بايدن سيشرح الموقف الأميركي لزعماء مصر والسلطة الفلسطينية والأردن من الصراع المتفجر، ويعد بتقديم الدعم في حال حدوث أي أزمة إنسانية ناجمة عن الصراع الذي يؤثر على القاهرة وعمان.
ويضيف “وبطبيعة الحال، يدرك الرئيس بايدن تماما أن نقل عدد كبير من اللاجئين من غزة قد يكون له تأثير على مصلحة الأمن القومي لمصر والأردن. وأعتقد أنه سيعد أيضا بتقديم مساعدات مالية كبيرة للسلطة الفلسطينية”.
ويقول بوستزتاي إن “بايدن سيوضح أيضا للقيادة الإسرائيلية أن أميركا لن تقبل بوقوع خسائر كبيرة بين المدنيين الفلسطينيين، وأنه يجب السماح بالمساعدات الإنسانية وأن الحملة العسكرية يجب أن تنتهي سريعا. وهناك فرصة جيدة لأن يحقق بايدن هذا الهدف، لأن إسرائيل تعتمد إلى حد كبير على دعم واشنطن”.
إجبار
وتم إلغاء زيارة بايدن، الاثنين، إلى كولورادو ويمثل هذا الإلغاء غير المعتاد مثالا آخر على أن عملية “طوفان الأقصى” قد أجبرت البيت الأبيض على إعادة توجيه فوري لأولويات الرئيس وجدوله الزمني، بينما يواجه حقائق حرب جديدة لا يبعد صداها كثيرا عن الشأن السياسي الأميركي الداخلي.
كما تفرض أزمة غزة واحتمال استمرار القتال لأسابيع، تغييرا كبيرا في أولويات البيت الأبيض، حيث يشغل الشرق الأوسط الجزء الأكبر من وقت الرئيس على الأقل في المدى القريب.
ومع تراجع نسبة شعبية بايدن في مختلف استطلاعات الرأي لما دون الـ 40%، يرى بعض المراقبين أن أزمة غزة قد تلعب دورا في إظهاره رئيسا قويا لا يجنبه عمره المرتفع من اتخاذ مواقف وقرارات حاسمة، وزيارة مناطق التوتر عند الضرورة.
وتدرك إدارة بايدن كذلك أن تزايد المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في مدن وجامعات أميركية عديدة، دفعت إلى بعض التحول في سرد الإعلام الأميركي للأحداث، ولذلك تبعات واضحة على الرأي العام الأميركي.
من هنا يخشى فريق بايدن للأمن القومي من أي مفاجآت غير سارة أثناء الزيارة أو عقبها. ويلوح خطر نشوب صراع أوسع، خاصة مع إيران، بشكل كبير في حسابات السياسة الخارجية لبايدن، ويمكن أن يضر أيضا بمكانته المحلية في الوقت الذي يواجه فيه حملة إعادة انتخابه.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة “سي إن إن”، يوم الأحد الماضي، أن أقل من نصف الأميركيين (47%) يثقون في قدرة بايدن على اتخاذ القرارات الصحيحة في الصراع.
واعتبر شابيرو أن “بايدن يواجه خطرا حقيقيا يتمثل في الوجود على الأرض في تل أبيب عندما تدخل الدبابات الإسرائيلية إلى غزة، مما يعزز الانطباع، إن لم يكن المسؤولية الفعلية، بأن الولايات المتحدة دعمت وشاركت في جهود الإبادة الجماعية التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين”.