القدس المحتلة- في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، يواجه فلسطينيو 48 حملة تحريض دموية غير مسبوقة من قبل المؤسسة الإسرائيلية الأمنية والسياسية، التي تهدد باستهدافهم في حال التحرك ضد الحرب على غزة.
ومع بدء معركة “طوفان الأقصى”، عمدت إسرائيل لإعلان حالة الطوارئ في إشارة تهديد ووعيد لفلسطينيي 48، الذين يسعون إلى تحصين ذاتهم من التحريض والتصريحات العنصرية الإسرائيلية واعتداءات الجماعات اليهودية المتطرفة المدفوعة بالانتقام.
وطالت سياسة الترهيب التي تعتمدها المؤسسة الإسرائيلية طلبة الجامعات والموظفين بالمؤسسات الحكومية والقطاعات الخاصة، حيث تم تعرض بعضهم للفصل من الدراسة والعمل، وواجه آخرون ملاحقات أمنية بسبب منشورات على وسائل التواصل فُسّرت على أنها تماهٍ مع حماس وإسناد للفلسطينيين بغزة وليست مناهضة للحرب.
تهديدات يومية
يقول رئيس حزب التجمع الوطني سامي أبو شحادة، إن إسرائيل وفي كل حدث تعود لتتعامل مع فلسطينيي 48 على أنهم “أعداء وليسوا مواطنين”.
وفي ظل معركة “طوفان الأقصى” والحرب على غزة، يرى أبو شحادة في حديث للجزيرة نت، أن الداخل الفلسطيني يواجه تهديدات يومية سواء من المجموعات اليهودية المتطرفة أو من المؤسسة الإسرائيلية التي تتمادى بالتحريض على الوجود الفلسطيني وتمتنع عن التعامل مع تهديدات واعتداءات المستوطنين.
واعتبر أن الأسوأ هو أن فلسطينيي 48 مواطنون في دولة أقيمت على أنقاض وخراب الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من عائلات هذا الشعب هُجرت من يافا واللد والرملة والنقب إلى قطاع غزة، وما تزال منذ النكبة تتعرض للقصف والعمليات العسكرية.
صرخة غضب
وأضاف أبو شحادة أن فلسطينيي الداخل ليسوا محرومين فقط من التواصل مع عائلاتهم في غزة كما في أي مجتمع إنساني، بل محرمون حتى من التظاهر والاحتجاج وإطلاق صرخة غضب ضد الحرب، ولا يستطيعون نصرة أهالي غزة ومساعدتهم وإغاثتهم، وقال “إسرائيل تقتل أبناء شعبنا”.
وأكد المتحدث ذاته أن هذه السياسة الانتقامية والتحريضية على فلسطينيي 48 تعبّر عن نهج وموقف كافة المكونات السياسية والحزبية الإسرائيلية التي تجمع في خطابها السياسي على الدعوة لتدمير غزة وقمع كل صوت يتعالى ضد الحرب.
وحول ما ينتظر الداخل الفلسطيني من ممارسات وتعامل من قبل المؤسسة الإسرائيلية، يقول أبو شحادة إن “الوضع في غاية الخطورة، لا نعرف إلى أين تتجه المعركة، هذه فقط البداية ونتجه للأسوأ ونحو التطهير العرقي لأبناء شعبنا”.
مرحلة مفصلية
وجهة النظر ذاتها تبناها الناشط والمحلل السياسي أمير مخول، الذي يعتقد أن فلسطينيي 48 في ظل العدوان على غزة يعيشون مرحلة مفصلية ويتواجدون في فترة مبهمة وضبابية كونهم في دائرة الاستهداف المباشر من قبل المؤسسة الإسرائيلية.
واستعرض مخول للجزيرة نت نهج وتعامل المؤسسة الإسرائيلية مع فلسطينيي 48 منذ بدء معركة طوفان الأقصى، عبر إعلان حالة الطوارئ، وملاحقة ومعاقبة كل من يدلي برأيه دون أي تحذير، وذلك عبر “قناصة” شبكات التواصل الاجتماعي من الإسرائيليين الذي يتتبعون ويرصدون حسابات وصفحات المواطنين العرب وما ينشر عبرها.
وأوضح الناشط نفسه أنه يتم ملاحقة واستهداف كل من يتضامن مع قطاع غزة وتُفسّر أية تغريدات على أنها تناغم وتماهٍ مع حماس، و”هي حملة ترهيب وترويع ضد فلسطينيي 48، بغية منعهم من إسماع صرخة الغضب ضد الحرب أو التضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة”، حسب توصيفه.
ضوء أخضر
ويعتقد مخول أن “التحريض الدموي” والإعلان عن تسليح اليهود مؤشر لعصابات المستوطنين وضوء أخضر واستعداد متقدم لشن هجوم على الفلسطينيين في الداخل وتحديدا بالمدن الساحلية، وذلك على غرار ما حدث في “هبّة الكرامة” بمايو/أيار 2021، معتبرا أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي وصفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بـ “النازية” و”داعش” تغذي هذا التوجه، وأن هذا الخطاب بات هو السائد بالمجتمع الإسرائيلي.
وحيال هذا الاستهداف والمخاطر المحدقة، يقول مخول إن ” الاعتداء المباشر على فلسطينيي 48 مسألة وقت، سواء قاموا بأي خطوة أو حتى بحال لم يحركوا ساكنا، فالأوضاع في غاية الخطورة. وعليه، يتصرف الداخل الفلسطيني بحكمة لكي لا يقع في الفخ الذي نُصب له”.
المطرقة الإسرائيلية
من جانبه، يعتقد مدير مركز الميزان الحقوقي في الناصرة، المحامي عمر خمايسي، أن هول الأحداث حال دون استيعاب ما حدث السبت الماضي، خصوصا أن فلسطينيي 48 يتواجدون تحت مطرقة القوانين الإسرائيلية التي شرعت خصيصا لملاحقتهم ومحاكمتهم وإنزال أقصى العقوبات بهم لمجرد تضامنهم مع أبناء شعبهم الفلسطيني.
وتطرق خمايسي في حديثه للجزيرة نت، إلى رزم القوانين وقرارات المحاكم ضد فلسطينيي 48 لردعهم من التضامن مع أبناء شعبهم في قطاع غزة المحاصر والضفة الغربية والقدس المحتلتين.
وأشار إلى أن المؤسسة الإسرائيلية عمدت مع بدء طوفان الأقصى لتغيير قواعد اللعبة، مقارنة مع أحداث “هبة الكرامة” بالداخل الفلسطيني التي قمعتها بالنار والحديد.
الصمت المرحلي
وفي حالة معركة “طوفان الأقصى”، أوضح خمايسي أن إسرائيل سارعت بالإعلان عن حالة الطوارئ ووظفت القوانين الانتدابية تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب” لاستباق أي حراك لفلسطينيي 48 تضامنا مع غزة وتنديدا بالحرب، وهو ما يضع الداخل الفلسطيني في “دائرة الإرهاب”، من وجهة نظر المؤسسة الإسرائيلية.
وأوضح أنه بموجب قانون “مكافحة الإرهاب” الذي تم تحديثه بالعام 2016، فإن الحق في التعبير أو مشاركة في مظاهرات أو حتى تغريدات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يمكن أن تعتبرتحريضا، وتتم محاكمة صاحبها بذريعة دعم “الأعمال الإرهابية” وقد تفرض عليه عقوبات بالسجن لسنوات طويلة.
وحيال هذه الممارسات والسياسات العقابية الإسرائيلية، يقول خمايسي “نرى أن هذا الصمت مرحلي في الداخل الفلسطيني الذي يعي جيدا أنه في دائرة الاستهداف، لكنه سيخرج عن صمته في حال تمادت إسرائيل في عدوانها على الفلسطينيين في غزة”.