لماذا تدعم الولايات المتحدة إسرائيل في جميع الظروف، حتى لو كانت تنتهك القانون الدولي بشكل واضح ولا تتعرض لعقوبات، وهو دعم يصل إلى ترديد الأخبار بدون التحقق منها؟
في هذا السياق، أوردت صحيفة “حرييت” التركية أنه رغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن رفض مقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب تشكيله حكومة مع اليمين المتطرف واتهامات بدعمه ترامب في الانتخابات، إلا أنه بعد الهجوم الأول لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” وأزمة الأسرى، لم يكن من المفاجئ أن يعلن بايدن والولايات المتحدة “مرة أخرى” الوقوف إلى جانب إسرائيل والاستعداد لتقديم المساعدة.
قيمة إستراتيجية
وأوضحت الدكتورة نورشين أتيش أوغلو جوناي، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة نيشانتاشي، في حديثها للصحيفة أن واشنطن تدعم تل أبيب في معظم الأحيان، وقد أعلنت الولايات المتحدة، التي لا تريد التخلي عن سيطرتها في الشرق الأوسط على المستويات العسكرية والاقتصادية والإستراتيجية، إسرائيل “حليفا موثوقا به”.
كذلك، ورغم وجود بعض الصعوبات بين الجانبين من وقت لآخر، إلا أن هناك عناصر تربط إسرائيل والولايات المتحدة ارتباطا وثيقا “وحتى لو تغيرت الخطابات أحيانا، فإن سياسات الولايات المتحدة لا تتغير أبدا”.
ويرى خبير العلاقات الدولية، هاكان أق باش، أن إسرائيل أصبحت شريكا إستراتيجيا موثوقا به في الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة منذ حقبة الاتحاد السوفياتي، حيث أصبح لإسرائيل دور مهم في تحقيق التوازن الإقليمي بالنسبة للولايات المتحدة.
وقال إن هناك تعاونا استخباراتيا وعسكريا وثيقا بين الطرفين، ويعملان معا في العديد من المشاريع التكنولوجية والاستخبارية، إلى جانب المشاريع الاقتصادية؛ حيث تستورد إسرائيل كميات كبيرة من الأسلحة والتكنولوجيا من الولايات المتحدة. فضلا عن أن الكونغرس الأميركي يوفر أكبر مساعدة مالية ومعدات لإسرائيل بموجب قانون تفويض الدفاع الوطني.
إلى جانب كل ذلك، فإن مجموعات ضغط قوية في الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، حيث يتعاون المرشحون الرئاسيون دائما مع هذه الجماعات ويقدمون وعودا لهم.
ويقول الدكتور حسين باغجي، رئيس معهد السياسة الخارجية بجامعة الشرق الأوسط التقنية وأستاذ العلاقات الدولية، إن اللوبي الإسرائيلي قوي في الولايات المتحدة، ويؤثر على موقف واشنطن في المنطقة.
قطع الرؤوس !
ويتجلى الدعم الأميركي الكامل كذلك في تبني كل الأخبار الواردة من إسرائيل من طرف أعلى قيادة في الولايات المتحدة، حتى لو كانت مفبركة كما حدث مع خبر قطع حماس رؤوس أطفال إسرائيليين الذي فبركته مصادر إسرائيلية وتحدث عنه الرئيس الأميركي جو بايدن، فضلا عن وسائل إعلامية غربية مشهورة.
وذكر تقرير نشره موقع ميدل إيست آي أن وسائل الإعلام البريطانية هيمنت عليها تقارير عن مذبحة ارتكبها مقاتلو حركة حماس في المستوطنات في جنوب إسرائيل، وزُعم على نطاق واسع أنهم قطعوا رؤوس الأطفال.
لكن التقارير -التي اعترف عدد من الصحف نفسها بأنه لم يتم التحقق منها واعترض عليها صحفيون آخرون وأدانوها- أدت إلى اتهامات بأن المنشورات ربما كانت تنشر “أخبارا زائفة” و”تعمل كوكيل للدعاية الإسرائيلية” وتأجيج الإسلاموفوبيا.
وفي تقريرهما الذي نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ذكرت دانيا عقاد وسيمون هوبر أن فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة، نفسها أثارت مخاوف بشأن دقة التفاصيل في القصص داعية الصحفيين إلى توخي الحذر في تقاريرهم.
لهث وراء الفبركة
ووفق الكاتبين، تضمّنت تقارير العديد من الصحف الرائدة في المملكة المتحدة -بما في ذلك “ديلي ميل”، و”ذا صن”، و”ذا تايمز”، و”ديلي تلغراف”- تفاصيل عن عمليات القتل المزعومة لـ40 طفلا، بما في ذلك الأطفال الرضع، في العملية التي وقعت صباح السبت على كفر عزة بعد أن شنّ مقاتلو حماس هجوما عليها وهاجموا بلدات في جنوب إسرائيل.
وأبلغت عدة صحف، نقلا عما قاله جندي إسرائيلي لقناة “آي 24” الإخبارية الإسرائيلية، عن قطع رؤوس الأطفال الرضع أو “قطع حناجرهم”.
وقالت صحيفة “ذا صن” في صفحتها الأولى “المتوحشون يقطعون رؤوس الأطفال في مذبحة”. وقالت “التايمز” “لقد قطعت حماس حناجر الأطفال في مذبحة”، علما أن الصحيفتين مملوكتان لشركة روبرت مردوخ للأخبار في المملكة المتحدة.
وقال مارك أوين جونز، وهو أكاديمي يبحث في المعلومات المضللة في الشرق الأوسط، لموقع ميدل إيست آي، إن التغريدات حول القصة المتعلقة بـ “قتل 40 طفلا” حصدت 44 مليون تفاعلا بحلول منتصف صباح الأربعاء.
حملة منظمة
وأقرّ جونز بأنه لا يعرف ما إذا كانت هناك حملة منظمة وراء انتشار هذه الرواية، لكنه قال إن الروايات حول الأطفال المقتولين كانت “عاطفية” واستخدمت في حملات دعائية تعود للحرب العالمية الأولى لشيطنة الأعداء.
واستشهدت عدة صحف ومواقع إلكترونية كانت قد نشرت القصة؛ بتقارير الصحفية نيكول زيديك من قناة “آي 24” كمصدر رئيسي لها، وفي منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي، قالت زيديك “أخبرني أحد القادة أنهم رأوا رؤوس أطفال مقطوعة وأخبرني الجنود أنهم يعتقدون أن 40 طفلا قتلوا”. وقال صحفيون آخرون زاروا الموقع إنهم لم يسمعوا أو يروا أدلة تدعم هذه التقارير.
والأربعاء الماضي، كتب أورين زيف، الصحفي في مجلة “+972″، على وسائل التواصل الاجتماعي أنه “خلال الجولة، لم نر أي دليل على ذلك، ولم يذكر المتحدث باسم الجيش أو القادة أي حوادث من هذا القبيل”. وأضاف زيف أنه سُمح للصحفيين بالتحدث مع مئات الجنود في المستوطنات بدون إشراف فريق المتحدث باسم الجيش، لكن لم يتحدث أي منهم عن أطفال مقطوعي الرأس.
واجب التحقق
وكتبت بيث ماكيرنان، مراسلة صحيفة “الغارديان” في القدس “نظرت للتو إلى الصفحات الأولى في المملكة المتحدة اليوم وأشعر بالرعب من العناوين الرئيسية التي تزعم أن “حماس قطعت رؤوس 40 طفلا في كفر عزة”.
والأربعاء، قال تال هاينريش، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لشبكة “سي إن إن”، إنه تم العثور على أطفال رضع وصغار “مقطوعي الرأس”. وفي تصريحات لمحطة الإذاعة البريطانية “إل بي سي”، قال هاينريش إن “جنودا على الأرض” أبلغوا عن ذلك.
من جهتها، نفت حماس “بشدة الادعاءات الكاذبة التي تروج لها بعض وسائل الإعلام الغربية، مثل قيام المقاتلين الفلسطينيين بقتل الأطفال واستهداف المدنيين”.
وفي حديثه إلى موقع “ميدل إيست آي”، قال متحدث باسم مركز مراقبة وسائل الإعلام -وهي منظمة تشجع التقارير العادلة والمسؤولة عن المسلمين والإسلام في المملكة المتحدة- إن مهمة الصحفيين التأكد من مدى صحة تفاصيل المزاعم التي تنشر.
وأشار إلى أنه “يجب التعامل مع أي ادعاءات من الجيش الإسرائيلي بحذر والتحقق منها قبل نشرها، ناهيك عن أن تصبح قصة في الصفحة الأولى”.
المصدر : الصحافة البريطانية + الصحافة التركية