وسط حزن وغضب.. تشييع صحفي لبناني فارق الحياة خلف عدسته

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

شيعت بلدة الخيام جنوب لبنان ظهر، السبت، جثمان الصحافي المصور في وكالة “رويترز” عصام عبد الله، الذي قضى أثناء تغطية على الحدود الجنوبية للبنان. 

ملفوفا بالعلم اللبناني، ووسط حشد غفير من أهله وأصدقائه وزملائه الصحفيين، وممثلين عن أحزاب سياسية وشخصيات رسمية، نُقل جثمان عبدالله (37  عاما) من منزله إلى مقبرة بلدة الخيام، حيث أقيمت صلاة الجنازة عند الساعة الواحدة ظهرا، تبعها مراسم الدفن وسط حالة من الحزن الشديد والغضب الذي خيم على الحضور. 

مقتل عبدالله ترك صدمة كبيرة في لبنان، لاسيما في الأوساط الإعلامية التي عرفته وشهدت على مناقبه ومهنيته وأخلاقه لـ 15 عاما من العمل مع وكالة “رويترز”، وأكثر منها في العمل الصحفي، تمكن خلالها من ترك بصمة كبيرة في العمل الإعلامي، متنقلا بين الأحداث حول العالم كمنتج ومصور، محققا نجاحا حاز على تقدير وتميز في مناسبات عدة. 

ناقل الأخبار تحول إلى خبر أول، كان له حصرية نقله بعدسته التي وثقت لحظة سقوط القذيفة على فريق الصحفيين، ومن خلف الكاميرا، كان عصام وزملاؤه الجرحى محور الصورة وموضوعها. 

واكب عبدالله في السنوات الماضية أبرز الأحداث والتطورات التي شهدها لبنان، حيث ارتكز عمله بصورة رئيسية، وتنقل في أدائه لواجبه الإعلامي بين معظم الدول التي شهدت أحداثا وحروبا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فغطى احتجاجات الربيع العربي في دول عربية عدة، كما شارك في تغطية الحرب على داعش في العراق، وغطى معارك في الحرب السورية وعلى الحدود اللبنانية السورية.

كذلك كان لعبد الله حضور لافت في تغطية مأساة الزلزال الذي وقع في تركيا وسوريا، وفي تغطية الحرب الروسية على أوكرانيا حيث قدم قصصا مصورة عدة من ميدان المعركة، فضلا عن تنقله بين كثير من دول العالم في تغطيته للأحداث والحروب والانتخابات والكوارث الطبيعية. 

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد ضجت بخبر مقتل عبدالله، حيث ودعه آلاف اللبنانيين ممن عرفوه وجمعتهم به لقاءات وجلسات ورحلات عمل، ومواقف مضحكة وفكاهية اشتهر الصحافي اللبناني بها، ونشر أصدقاؤه صورا جمعتهم به في مناسبات عدة، ممهورة برسائل الوداع والتقدير. 

“الخلوق، الصديق، اللطيف، المثقف والمندفع، صاحب الضحكة والابتسامة، المحبوب، صديق الجميع، الفكاهي وصاحب المقالب، المهني والمحترف، الداعم والمشجع، النموذج والمثال…” كلها وأكثر، أوصاف استذكرها محبو عبدالله في رثائهم له، كثير منهم كان على موعد محدد مسبقا مع عصام قبل رحيله، لعقد لقاء أو الاجتماع على فنجان قهوة، أو الاحتفال بمناسبة، فهو المعروف بحضوره اللافت في كل المناسبات، إلى حد غير متوقع. 

تاريخه المهني ليس سوى جزءا بسيطا من شخصيته، فالجانب الشخصي من حياته ازدحم أيضا بهواياته المتعددة، وشبكة علاقاته الواسعة، وخفة ظله المشهودة بين المحيطين به ومتابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي. 

عشق عصام السفر والتنقل بين الدول، كذلك تابع الآلاف رحلاته على الدراجة النارية التي كانت من أبرز هواياته، وثق من خلالها جولاته في معظم المناطق اللبنانية. 

لتناول الطعام مع عصام قصة أخرى، فالشاب الذي أحب الطهي وشارك لحظاته عبر صفحاته، لطالما كان دليلا لمتابعيه يبحث له ولهم عن تجارب أكل جديدة، يشاركهم حبه للطعام. 

“كانت تليق به الحياة، كان يعرف كيف يعيش”، يتكرر هذا الوصف لعصام، يرد محبوه بذلك على خبر موته غير القابل للاستيعاب أو التصديق، وكأن اجتماع عصام بالموت أمرا مستحيلا، فعصام “يعني حياة، صعب أن يرتبط شخص مثله بالموت” كما يقول أحد أصدقائه المقربين في تشييعه. 

آخر صورة نشرها عبدالله عبد حسابه على موقع إنستغرام كانت للصحفية الفلسطينية التي قتلت برصاص الجيش الإسرائيلي شيرين أبو عاقلة، أرفقها بقلب أحمر، وهي أكثر الصور التي انتشرت لعبدالله بعد مقتله على مواقع التواصل الاجتماعي. 

 

غضب يزاحم الحزن

وحده الغضب يزاحم الحزن في أجواء التشييع، الجميع يطالب بالمحاسبة، في ظل قناعة راسخة لدى أهل وأصدقاء وزملاء عبدالله بمسؤولية إسرائيل عن مقتله، تعززها الرواية الرسمية اللبنانية عن قصف إسرائيلي تسبب بهذه المأساة، في ظل عدم إعلان مسؤولية من الجانب الإسرائيلي. 

الغضب طال وكالة “رويترز” أيضا، التي واجهت حملة واسعة في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وفي التعليقات على صفحاتها، تطالبها بتحميل إسرائيل مسؤولية مقتل عبدالله، فيما تتريث الوكالة بتحميل المسؤوليات بانتظار تبيان الملابسات. 

وقالت رويترز: “نسعى بشكل عاجل للحصول على مزيد من المعلومات، ونعمل مع السلطات في المنطقة، وندعم عائلة عصام وزملاءه”.

أحدث الروايات المقدمة عبر الوكالة تتحدث عن مقتل عبدالله في قصف من ناحية إسرائيل، سبقها رواية قالت فيها أن مقتل عبدالله أتى نتيجة تبادل إطلاق نار واشتباكات على الحدود، ما أثار استفزازا كبيرا على الجانب اللبناني، الذي حملت السلطات الرسمية فيه المسؤولية للقصف الإسرائيلي، واصفة الأمر بأنه “جريمة حرب”.

وفي هذا السياق أوعزت وزارة الخارجية اللبنانية إلى بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك “تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي عن قتل إسرائيل المتعمّد للصحافي اللبناني عصام عبدالله، وإصابة صحافيين آخرين بجروح من وكالة الصحافة الفرنسية وقناة الجزيرة”. 

واعتبرت الخارجية اللبنانية أن ما حصل “يشكّل اعتداء صارخا وجريمة موصوفة على حرية الرأي والصحافة وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، من خلال استسهال قتل الصحافيين العزل ضحايا رغبتهم بنقل الحقيقة، وفق ما جاء في البيان.

كذلك أعلن الجيش اللبناني في بيان له أن قذيفة صاروخية أطلقها الجيش الإسرائيلي “أصابت سيارة مدنية تابعة لفريق عمل إعلامي” مما أدّى إلى مقتل المصور عصام عبد الله وإصابة 5 آخرين.

وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي آخر الفيديوهات الموثقة للفريق الصحفي الذي تعرض للقصف، حيث جرى التأكيد على الفريق الصحفي التزم بإظهار نفسه بلباسه وشعاراته وخوذه وكاميراته بصورة واضحة لا لبس يدفع للشك بها ويستدعي استهدافها. 

من جهته علق المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيخت على الحادثة بالقول: “نحن على علم بالحادث الذي وقع مع صحفي رويترز. إننا ننظر في الأمر. لدينا بالفعل لقطات. ونجري استجوابا. إنه أمر مأساوي”. معربا عن “أسفه الشديد” لمقتل عبد الله، خلال قصف على جنوب لبنان. 

في السياق نفسه، قال مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، في إفادة، الجمعة: “بالتأكيد لا نريد مطلقا إيذاء أو قتل أو إطلاق النار على أي صحفي يؤدي عمله. لكن كما تعلمون، نحن في حالة حرب، وقد تحدث أشياء نأسف لها”، مضيفا أن بلده سيحقق في الأمر.

بدورها أكدت وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة، إنها على علم بأنباء مقتل وإصابة صحفيين في لبنان، مضيفة أن مسؤوليها يعكفون على جمع المزيد من المعلومات. وجاء ذلك ردا على طلب للتعقيب على مقتل عبد الله. 

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، أوليفيا دالتون، للصحفيين، الجمعة، إن صلوات الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع عائلة مصور رويترز الذي قُتل أثناء عمله في جنوب لبنان، وأضافت “نحن نعلم أن العمل الذي تقومون به جميعا خطير بشدة واليوم هو تذكير بذلك”.

من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الجمعة، إن مقتل عصام عبد الله أثناء تأدية عمله في جنوب لبنان يعكس الخطر الهائل لاتساع نطاق الصراع بين إسرائيل وحماس إلى لبنان.

وفي بيان صادر عنها، قالت قوات اليونيفل المنتشرة في جنوب لبنان أن يوم أمس (الجمعة) “شهد إطلاق نار كثيف عبر الخط الأزرق على مدى فترة طويلة من الوقت وعلى عدة نقاط على الخط، وشكّل ذلك برمته تبادلا لإطلاق النار عبر الخط الأزرق”.

وأضاف: “فيما يتعلق بعلما الشعب، نعلم أن إسرائيل ضربت موقعا يبعد حوالي 2,5 كيلومترا عن البلدة عند الساعة 5:20 مساء تقريبا، وسمع جنود حفظ السلام على بعد بضعة كيلومترات إطلاق نار وانفجارات بعد ذلك. وبناء على ما تمكّنت اليونيفيل من ملاحظته، لا يمكننا في هذه المرحلة أن نقول على وجه اليقين كيف أصيبت مجموعة من الصحفيين الذين كانوا يغطون الأحداث، وقُتل أحدهم.” 

وختم البيان “إذا استمر الوضع في التصعيد، فمن المرجح أن نرى المزيد من هذه المآسي. إن أي خسارة في أرواح المدنيين هي مأساة ويجب منعها في جميع الأوقات.”

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *