“سيناريوهات” للمستقبل.. ما أثر “طوفان الأقصى” في السلطة الفلسطينية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

منذ انطلاق أحداث معركة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بدت السلطة الفلسطينية أنها تواجه تراجعا إضافيا في شعبيتها أمام الفلسطينيين؛ فالضفة الغربية تشهد حالة من الغليان المتصاعد منذ أحداث معركة “سيف القدس” في 2021، بينما ظهرت قيادتها عاجزة عن تقديم إنجازات سياسية للناس، مكتفية بالمهمة الأمنية الموكلة إليها باستمرار “التنسيق الأمني” مع إسرائيل.

اعتاد الفلسطينيون على تصريحات متكررة من رئيس السلطة، تطالب بالحماية وتستجدي المساعدة من الأمم المتحدة، وكان آخرها وأشهرها خطابه الذي قال فيه، “يا ناس، يا عالم، احمونا، احمونا، ممكن أفهم ليش ما تحمونا”؟ في المقابل، تقدم المقاومة في غزة للفلسطينيين اليوم، نموذجا يشكّل ندا لغطرسة الاحتلال الإسرائيلي.

اجتماع لخلية المتابعة الحكومية لتداعيات العدوان المتواصل على غزة (مواقع التواصل)

تفاعل السلطة “الطارئ”

اجتمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشكل “طارئ” منذ اليوم الأول للعملية مع مسؤولين مدنيين وأمنيين، ووجّههم بتوفير الحماية لأبناء الشعب الفلسطيني، وتوفير كل ما يلزم من أجل تعزيز صموده في مواجهة الاحتلال والمستوطنين، دون أن يوضح بالضبط ماذا يعني ذلك، فالفلسطينيون في الضفة يتعرضون لاعتداءات مستمرة من المستوطنين، وأقصى ما فعلته السلطة لهم هو تركيب حماية لنوافذ منازلهم.

تحركت مؤسسات السلطة المختلفة في فلك هذا التوجيه، وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان لها، “لطالما حذرنا من عواقب انسداد الأفق السياسي، وعدم تمكين الشعب الفلسطيني من حقه المشروع في تقرير مصيره ودولته”. وأرجعت سبب انفجار الأوضاع إلى “صمت المجتمع الدولي”، الذي ترك القضية الفلسطينية منذ 75 سنة دون حل.

وصرح رئيس الوزراء محمد اشتية، بأن السلطة بدأت في التحرك عربيا ودوليا لوقف القصف على قطاع غزة منذ اللحظة الأولى، غير أن أول منشور له على “فيسبوك” جاء في ساعة متأخرة من ليل اليوم الأول من المعركة، وهو ما دفع أكثر من 2000 شخص لاختيار “أيقونة الضحك” تفاعلا مع المنشور.

إضافة إلى ذلك، أعلنت وزيرة الصحة مي الكيلة عن “حالة الطوارئ” في كل المستشفيات الفلسطينية، وأشارت إلى “إمداد المستشفيات بالمستلزمات الطبية اللازمة والأدوية ووحدات الدم”، وأضافت، أن “مستشفيات الضفة الغربية كافة، جاهزة لاستقبال الجرحى من قطاع غزة”، غير أن هذه التصريحات لا تعني شيئا على أرض الواقع، فالقصف في القطاع والدواء في الضفة.

وفي سياق آخر، طرد الاحتلال مئات العمال الغزيين داخل الخط الأخضر ووضعهم على الحواجز بعد التنكيل بهم، مما دفعهم للجوء إلى الضفة الغربية، وصل منهم 300 عامل حتى الآن إلى رام الله، بينما أظهرت صور ومرئيات للعمال وهم مكدسون في صالة “مجمع رام الله الترويحي”، عوضا من استقبالهم بظروف لائقة.

أثار ذلك استياء العديد من المعلقين على صفحات التواصل الاجتماعي، مما عكس ضعفا في استعدادات السلطة بالتصرف في أوقات “الطوارئ”. بيد أن ليلى غنام، محافظة رام الله والبيرة، أشارت إلى أن الوضع في المجمع مؤقت، “حيث تم تأمين العدد الأكبر منهم في فنادق المحافظة”.

التعامل مع المقاومة في الضفة

أما على مستوى الإجراءات، فربما يكون الإجراء الأبرز للسلطة هو ضمان عدم تمدد حالة المقاومة أكثر مما هي عليه، حيث انطلقت العديد من المسيرات المؤيدة لقطاع غزة في محافظات الضفة الغربية، وبلغت 67 مظاهرة، وفي مدينتي نابلس وجنين، اللتين شكّلتا حالة استعصاء للسلطة، قمعت الأجهزة الأمنية المظاهرات فيها بالقوة، كما شرعت باعتقال العديد من الناشطين في الضفة، كان أبرزهم: مصعب زلوم على خلفية نصرته للمقاومة.

بينما تصاعدت أعمال المقاومة المختلفة في الضفة، فوفقا لمركز “معلومات فلسطين” (مُعطى) بلغ مجموع أعمال المقاومة منذ بداية “طوفان الأقصى” 567 عملا مقاوما، موزعة على 11 مدينة، منها 156 حالة إطلاق نار، موقعة 10 إصابات في صفوف جنود الاحتلال، بينما بلغ عدد الشهداء 31 شهيدا حتى ظهر اليوم الخميس.

تزامنا مع ذلك، أطلقت السلطة عبر تنظيم حركة “فتح” دعوات للإضراب الجماعي بالضفة، في اليوم الثاني والثالث للمعركة، “حدادا على أرواح الشهداء”. وجرى تحويل الجامعات والمدارس إلى نظام التعليم الإلكتروني؛ بسبب الخشية على الطلبة من الأوضاع الراهنة.

وإن كانت مثل هذه الخطوات قد تُؤخذ على أنها استجابة للحدث، إلا أنه يمكن قراءتها تعطيلا له، عبر إلزام الناس وحضّها على المكوث في بيوتها، مما يُنفّس من حالة الغضب التي كان بالإمكان استثمارها في سياقات جماعية ووطنية.

“سيناريوهات” لمستقبل السلطة

يمكن أن نُعدّ ما يجري اليوم، مفترق طرق فيما يتعلق بمستقبل السلطة، فالسيناريو الأول قائم على افتراض ازدياد أهمية وحاجة السلطة بالنسبة للنظام الدولي، خاصة بعد تهميشها مؤخرا بعد الحديث عن “صفقة القرن”، وصعود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل.

ويبدو أن هذا السيناريو يكشف عن أهمية الدور الذي تلعبه السلطة الفلسطينية في ضبط الشارع الفلسطيني والسيطرة عليه، والقيام بالمهمات القمعية بالنيابة عن الاحتلال.

في المقابل، تحتاج السلطة إلى بعض الدعم الاقتصادي والسياسي لضمان استمرار شيء من المشروعية لديها في الشارع الفلسطيني، وهو ما يعقّد طريقة تحقق هذا السيناريو، لا سيما مع استمرار الاستيطان الذي يبدو أن إسرائيل لن تتراجع عنه مهما كلّفها الأمر.

وفي هذا السياق، أجرى أبو مازن العديد من الاتصالات مع رؤساء العرب والعالم؛ مثل: اتصاله مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية الأميركي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وملك الأردن عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كما قدّمت السلطة مذكرة تدعو فيها إلى اجتماع طارئ للجامعة العربية.

أما السيناريو الثاني، فيقوم على أن هذه الأحداث ستُعجّل من انهيار السلطة وتفكّكها؛ فالسلطة تشهد مأزقا سياسيا واضحا، وعجزا مؤسساتيا يكمن في تجمّع السلطات كلها في يد محمود عباس، مع عجزه عن ضمان توريثها بطريقة سلمية، لا سيما وأن الاستقطابات داخل السلطة وحركة “فتح” أصبحت على أشدها.

ويأتي هذا كله، وسط غضب المجتمع الفلسطيني تجاه السلطة، ورؤيته للمقاومة في غزة بوصفها نموذجا قادرا على تحقيق الكرامة وإعادة “أجندة” التحرير، الأمر الذي ظهر في العديد من المظاهرات الشعبية أخيرا، إذ هتفت الجماهير باسم محمد الضيف، بينما غاب بشكل كامل الهُتاف للرئيس الفلسطيني بوصفه قائدا للفلسطينيين.

يُذكر أن السلطة الفلسطينية أسهمت، بالإضافة إلى إسرائيل ومصر، في حصار غزة بعد سيطرة حركة حماس عليها في 2007، فأعلنت في 2017 عن فرض عقوبات على القطاع، إذ جرى إحالة الآلاف من الموظفين للتقاعد القسري، وما تبقى منهم حُسم من راتبه 50%، وقُطعت رواتب الأسرى المحررين، وحُرمت 76 ألف أسرة تُصنّف بأنها تحت خط الفقر من مخصصاتهما للشؤون الاجتماعية، كما توقفت السلطة عن دفع مستحقات الكهرباء، وعن دفع فاتورة المياه، وخفّضت نسبة القطاع من تحويلاتهم الطبية إلى 80%.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *