الخرطوم- نعى وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف الحكومة الموازية التي تعتزم قوات الدعم السريع والقوى المتحالفة معها تشكيلها، وقال إنها وُلدت ميتة، ولن يكون لها دور في مستقبل السودان.
وأكد، في حوار خاص مع الجزيرة نت، تمسك بلاده بالموقف العربي والإسلامي الموحد برفض تهجير الفلسطينيين، وأنهم لا يبنون علاقتهم مع أميركا على حسابهم، في إشارة إلى تسريبات صحفية تحدثت عن طلب أميركي إٍسرائيلي لتوطين الفلسطينيين من غزة في السودان.
وأكد الشريف أن علاقات الخرطوم مع روسيا لن تكون على حساب علاقتها بالولايات المتحدة، وأوضح أنهم سيسلكون كل الاتجاهات التي تحقق مصالح الشعب السوداني، وأرجع تحسن مواقف الاتحاد الأوروبي وبريطانيا إلى الحوار المستمر مع الجانبين.
وفيما يلي نص الحوار:
-
ما حقيقة وجود طلب أميركي إسرائيلي لاستقبال الفلسطينيين من غزة في السودان؟ ولماذا ترفضون استقبالهم؟
لم يتم الاتصال بنا حول تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى السودان، وهذا الموضوع لم يطرح في لقاءات رسمية، وموقف السودان هو ما عبّر عنه خلال مشاركته في القمة العربية بالقاهرة في 4 أبريل/نيسان الماضي، حيث تم رفض فكرة التهجير ووضع خطة لإعمار غزة، والسودان شارك في وضع هذه الخطة والموافقة عليها.
ومن القاهرة تحركت الوفود إلى جدة لحضور اجتماعات وزراء خارجية الدول الإسلامية، وتم اتخاذ الموقف نفسه برفض التهجير، وتبنى المؤتمر الإسلامي خطة تطوير وإعمار غزة.
والموقف السوداني مبني على موقف شعبي وحكومي، وهو أن السودان لا يوافق على تهجير الفلسطينيين من أرضهم، ويرى أنه من حقهم أن تكون لهم دولتهم المستقلة في حدود عام 1967، كما نصت قرارات الشرعية الدولية.
-
إن تم التواصل بشأن ذلك، فهل سيكون الموقف السوداني بالضرورة رفض تهجير الفلسطينيين؟
الموقف السوداني لن يتغيّر، فهذا هو موقفنا سواء سُئلنا أو لم نُسأل.
-
البعض يخشى أن يكون لهذا الموقف تأثير على العلاقات السودانية الأميركية، خاصة أن هناك تراجعا للسودان في الأجندة الأميركية الجديدة، ولم يحدث تواصل فعال معه حتى الآن؟
العلاقات بين الدول تقوم بناء على مصالحها المتبادلة، ونحن لدينا مصالح يمكن أن تُبنى عليها العلاقة مع واشنطن، وهذه المصالح ليس من بينها أن نهجّر الفلسطينيين من بلادهم إلى دولة أخرى.
ونحن لا نبني علاقتنا مع أميركا على حساب الفلسطينيين أو على حساب أي قضية أخرى، وإنما على حساب مصالحنا، وقد بدأنا بالتواصل حيث هنّأ رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فور فوزه، وأنا بعثت رسالة لوزير الخارجية الجديد وهنأته أيضا، وتمنينا أن يتم التواصل بيننا ووضع بعض النقاط التي نحتاج إليها على الحروف.
-
كيف تقيّم ردود الفعل الدولية والإقليمية بشأن خطوة تشكيل الحكومة الموازية من قِبل الدعم السريع والقوى المتحالفة معها؟
ما قامت به مليشيا الدعم السريع والجهات الداعمة لها هي محاولة يائسة لتعويض أمرين:
- الأول: الانتصارات الساحقة التي حققتها القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة والقوة المساندة من المستنفرين والمقاومة الشعبية، وموقف الشعب السوداني ضد المليشيا المتمردة ومن يؤيدونها، وهذا هو الدافع الرئيسي.
- الثاني: هو أنهم شعروا بأن هناك تأييدا مستمرا لمواقف الدولة والحكومة السودانيتين في القضايا المطروحة في مختلف المؤسسات الإقليمية والدولية، فأرادوا إيجاد آلية تقف أمام هذا التقدم.
وللأسف الشديد حاولوا القيام بعمل لم يجد منا في الدولة إلا الرفض الكامل، وتم تأييد هذا الرفض من قِبل العديد من الدول.
-
ما حظوظ الحكومة الموازية في ظل وجود نماذج مشابهة في الإقليم مثل ليبيا؟
هذه نماذج مختلفة تماما، ولا أعتقد أنه يمكن البناء عليها، والسودان ما زال دولة موحدة، وكل الدول والمنظمات تقف بقوة مع وحدة أراضيه وسيادته عليها، ومع تأييد القوات المسلحة السودانية باعتبارها أهم المؤسسات الوطنية الأساسية لكل الدولة، بالإضافة للمؤسسات الأخرى.
-
ما صحة ما نُسب إليك من تصريحات بأن الحكومة الموازية ستُولد ميتة؟
لم أقل ستُولد ميتة، أنا قلت وُلدت ميتة، وإذا كانت كل الدول التي تحدثت وأبدت اعتراضها على هذه الفكرة، وقالت إنها لن تعترف بحكومة موازية، فكيف تكون الحياة؟
فالاعتراف هو أكسجين الحياة للمنظمات والدول، وإذا لم تعترف الدول بحكومة يكون لا وجود لها.
-
هناك نبرة جديدة عبّرت عنها بيانات الاتحادين الأوروبي والأفريقي الرافضة للحكومة الموازية.. هل تفاجأتم بهذا الرفض؟
لا. هذا الرفض ليس مفاجئا، فنحن عملنا بصورة جادة جدا مع كل المنظمات العالمية مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، والاتحاد الأوروبي، ودول أفريقية وأوروبية كبريطانيا وألمانيا وغيرها، وزار السودان خلال الفترة الماضية العديد من المبعوثين والسفراء.
وفي كل اللقاءات أوضح السودان أن فكرة الحكومة الموازية هي أسوأ ما يكون، ولن يكون لها أي دور في مستقبل السودان، والشعب السوداني نفسه كان له الموقف ذاته. فوجود الحكومة يتوقف على الاعتراف بها، وإذا لم يعترف بها أحد فهي تُولد ميتة كما ذكرتُ.
-
هل قمتم بخطوات لمنع الاعتراف بالحكومة الموازية أو حصلتم على تعهدات من أطراف دولية مؤثرة بعدم الاعتراف بها؟
أي اجتماعات عقدناها مع مسؤولين أكدت بياناتها الموثقة أن هناك اتفاقا بيننا وبينهم على عدم الاعتراف بأي حكومة موازية، وأنهم مع وحدة الأراضي السودانية.
-
يُقال إن الحكومة الموازية التي تنوي الدعم السريع تشكيلها هي نتاج غياب دبلوماسي للسودان في كينيا وإثيوبيا اللتين تنشطان في إيواء المعارضة السودانية بشقيها المدني والعسكري؟
لا أفهم ما المقصود بغياب دبلوماسي! فهناك حضور دبلوماسي مؤكد، وهناك اختراقات وإنجازات دبلوماسية واضحة جدا للعيان، ومن لا يرى هذا لديه مشكلة في النظر.
الدبلوماسية السودانية خلال الفترة الماضية بذلت مجهودا كبيرا جدا دفاعا عن السودان وشعبه ومستقبله لتوضيح القضية، إلا لمن لا يرغب أن يرى الحقائق على الأرض.
ولا يوجد على مستوى الدول التي زرناها من يؤيد الدعم السريع أو يدافع عنها. فقد وجدنا تأييدا كاملا لحقوق الشعب السوداني ولقواته المسلحة وللحكومة الموجودة في السودان.
-
أليس من المثير للدهشة أن تستضيف نيروبي القوى المتحالفة مع الدعم السريع وتعتزم تشكيل حكومة موازية بعد فترة قصيرة من زيارتك لها وما صاحبها من توقعات متفائلة بفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين.. فما سر العداء الكيني؟
أود أن أوضح أن كينيا ليست فقط الرئيس وليام روتو وبعض الوزراء معه. ففيها شعب ومؤسسات، ويوجد بها العديد من المظاهرات والمواقف المناوئة له.
والرئيس روتو زار السودان قبل أن يتم انتخابه والتقى بقائد مليشيا الدعم السريع، ولهما مصالح مشتركة يعرفها الجميع، وله علاقات ليست طبيعية معها.
ونحن عندما التقينا به وتحدثنا معه كرجل دولة صديقة في ذلك الوقت، لم يكن اللقاء من فراغ، فأنا التقيت برئيس الوزراء ووزير الخارجية في أنغولا، واتفقنا على أنه لا بد من أن نعمل معا على تطبيع العلاقات بين كينيا والسودان، لأنه لا يوجد خلاف مباشر.
-
كيف تنظرون إلى التطورات الأخيرة في جنوب السودان؟ وهل لها أي تأثير مباشر على الأوضاع في السودان؟
دولة جنوب السودان مهمة جدا بالنسبة للسودان وهي كانت جزءا منه، والعلاقات ما زالت جيدة على المستوى الشعبي والتكامل الاقتصادي، وهناك العديد من إخواننا الجنوبيين ما زالوا يقيمون في السودان، وعدد من السودانيين يقيمون في الجنوب، والعلاقة جيدة جدا، لكنها طبعا تأثرت بالتطورات التي تحدث في جوبا والخرطوم كذلك.
والأزمة الكبيرة التي حصلت بعد استعادة مدينة ود مدني كان سببها تعرض اثنان أو ثلاثة من الجنوبيين لإعدامات سريعة قد لا تكون بصورة قانونية، وهذه ولّدت حركة عدائية في جوبا، وحصل هجوم على المواطنين السودانيين، وتم السطو على ممتلكاتهم وقتل بعضهم.
وللأسف الشديد لم يضع إخوتنا الجنوبيين في حساباتهم أن عددا كبيرا منهم شاركوا كمرتزقة مع قوات الدعم السريع، وقتلوا العديد من السودانيين ونهبوا وعاثوا فسادا، وهذا معروف على مستوى السودان والعالم كله.
وهذا الموضوع مهم جدا، والآن هناك مشاكل كبيرة جدا داخل الجنوب في الصراع على السلطة وخلافة الرئيس سلفاكير ميارديت، ونحن ننظر إلى ما يحدث باعتباره شأنا داخليا ولا نتدخل فيه، وحريصون على أن يكون هناك استقرار لأنه جار مهم.
-
هل تم فتح صفحة جديدة في علاقات السودان مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تحديدا نظرا لمواقفهما من الحكومة الموازية؟
هناك تحسن في المواقف ناتج عن حوار مستمر نجريه مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وأنا لا أسميه غير هذا. ونحن نعمل على أن يتطور هذا التحسن إلى تفهم كامل لما يجري في السودان بصورة مختلفة، دعما لجهود تحقيق السلام والاستقرار لصالح الشعب السوداني.
-
هناك تقارب سوداني روسي لا يخلو من محاولة تقارب أمني، هل يمكن للسودان أن يكسب موسكو التي زرتها مؤخرا ولا يخسر واشنطن ولا حلفاءها العرب في المنطقة؟
ليس بالضرورة أن تكون علاقات السودان مع روسيا أو مع أي بلد على حساب علاقاته مع دول خرى.
-
هل تريد أن تقول إن علاقتكم مع موسكو لن تكون على حساب علاقتكم مع أميركا؟
لن تكون على حساب علاقاتنا مع أميركا أو مع غيرها، وليس من شروط علاقتنا مع روسيا أن تكون علاقتنا مع الولايات المتحدة سيئة.
هذا شرط لا نضعه نحن على أنفسنا، ولم يضعه الروس لنا، ولم يقولوا إذا أنتم أتيتم لتطوير علاقتكم معنا فاقطعوا علاقاتكم مع أميركا. هناك مسارات للعلاقات السودانية الروسية، وكل مسار قائم بذاته.
وهناك العديد من مجالات التعاون التجارية والثقافية والاستثمارية، وشركات روسية تعمل بالسودان في شتى القطاعات، وهناك تعاون اقتصادي، والعديد من الطلاب السودانيين يدرسون هناك، وهذا لا يؤثر على علاقتنا مع واشنطن أو مع أي دولة أخرى.
-
لكن هناك مَن يرى أن الجمع في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا مثل الجمع بين الأختين.. يستحيل في الواقع؟
هذا لو كانتا أختين، ولكنهما ليستا كذلك، فالولايات المتحدة دولة قائمة بذاتها وليست لها أي علاقة أخوية مع موسكو.
-
هل صحيح أن الحكومة السودانية حسمت أمرها بالاتجاه شرقا لتعزيز علاقاتها مع روسيا والصين مجددا؟
نحن متجهون شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وأينما كانت مصلحة السودان نحن نتجه صوبها، وهذا أمر طبيعي. فمثلا نحن الآن بدأنا علاقات طيبة مع إيران، فهل هذه العلاقة على حساب علاقتنا مع السعودية أو أي دولة عربية؟ لا طبعا، هي علاقة قائمة بذاتها ولا تأثير لها إطلاقا على علاقاتنا.
وهناك علاقات سيئة جدا بين واشنطن وطهران، فهل نحن ننساق وراء الموقف الأميركي ونقاطعها؟ نحن دولة مستقلة ولنا سياسة مستقلة، وهذه العلاقات تقوم على المصالح بين الدول وبين الشعوب.